تصفيات وإعدامات وخمس روايات.. من قتل النائب العام حقا؟
|ونفذت السلطات المصرية الأربعاء 20 فبراير/شباط 2019 حكم الإعدام بحق تسعة شباب بدعوى ضلوعهم في اغتيال بركات، وهم أحمد طه وهدان، وأبو القاسم أحمد، وأحمد جمال حجازي، ومحمود الأحمدي، وأبو بكر السيد، وعبد الرحمن سليمان، وأحمد محمد، وأحمد محروس سيد، وإسلام محمد.
وبإعدام هؤلاء الشباب يبدو أن موعد إسدال الستار على القضية قد حان، وهو ما دفع في المقابل للبحث في المتناقضات التي ظهرت في روايات وزارة الداخلية خلال نحو أربعة أعوام.
روايات مصرية متناقضة بشأن مقتل النائب العام هشام بركات (الأناضول) |
الرواية الأولى:
كانت بعد 24 ساعة فقط من اغتيال النائب، إذ أعلنت السلطات المصرية القبض على شاب يُدعى محمود العدوي واعترافه بارتكاب الجريمة.
الرواية الثانية:
كانت بإعلان وزارة الداخلية في 1 يوليو/تموز 2015، بعد يومين فقط من اغتيال النائب العام، تصفية 13 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في شقة سكنية في مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة.
صورة نشرتها وزارة الداخلية المصرية لقيادات الإخوان الذين تمت تصفيتهم |
وشملت القائمة مسؤول المكتب الإداري للإخوان بالمنوفية جمال خليفة، ومسؤول لجنة رعاية أسر الشهداء والمصابين عبد الفتاح محمد إبراهيم، والبرلماني السابق ناصر الحافي، ومسؤول مكتب الإخوان بالقليوبية طاهر أحمد إسماعيل، وهشام زكي خفاجي، وأسامة أحمد الحسيني، وهشام ودح، ومعتصم أحمد العجيزي، وخالد محمود، ومحمد السباعي، ومحمد سامي، وجمعة أبو العزم.
وزعمت وزارة الداخلية تورطهم في قتل النائب العام. ونشرت صحيفة الأهرام القومية في اليوم التالي خبرا تحت عنوان “خططوا لاغتيال النائب العام.. مصرع 9 بينهم قيادي بالتنظيم الدولي للإخوان”.
الداخلية المصرية اتهمت الضابط المنشق هشام عشماوي بالضلوع في اغتيال النائب العام (مواقع التواصل الاجتماعي) |
الرواية الثالثة:
تمثلت بإعلان مصادر أمنية بارزة أن هشام عشماوي -ضابط الجيش السابق المفصول- هو العقل المُدبر الرئيسي الذي خطط لعملية اغتيال النائب العام. وعشماوي هو الضابط الذي اعتقلته قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
الرواية الرابعة:
ساقتها وزارة الداخلية يوم 3 فبراير/شباط 2016 بعد تصفية ثلاثة أشخاص بمنطقة حدائق المعادي جنوبي القاهرة، حيث أعلنت مسؤولياتهم عن ارتكاب الجريمة.
وفي 4 فبراير/شباط 2016 أعلنت صحيفة “الأخبار” القومية في صدر صفحتها الأولى “تصفية قتلة هشام بركات بحدائق المعادي”، وذكرت أن أجهزة الأمن قد نجحت في تصفية من وصفتهم بـ”الارهابيين” وضبط أسلحة ومتفجرات كانت بحوزتهم.
واتهم بيان وزارة الداخلية هؤلاء الأفراد بانتمائهم لجماعة “أجناد مصر” الجهادية، وأنهم وراء اغتيال النائب العام السابق، وتفجير السفارة الإيطالية بالقاهرة، والتجهيز لعمليات أخرى بوسط القاهرة.
الرواية الخامسة:
وفي 6 مارس/آذار 2016 كشفت وكالة الأنباء الرسمية المصرية أن النيابة العامة حبست 6 أشخاص قالت إنهم منتمون لجماعة الإخوان على ذمة قضية اغتيال النائب العام، دون اتهام لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وبعدها بأقل من ساعتين قال وزير الداخلية المصرية مجدي عبد الغفار إن حركة حماس قامت “بتدريب ومتابعة عناصر إخوانية شاركت في تنفيذ عملية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات”، وهو الاتهام الذي نفته حماس وكذلك الإخوان في بيانين رسميين.
وأشار عبد الغفار إلى أن “حماس اضطلعت بدور كبير جدا في مخطط اغتيال النائب العام السابق”، لافتا إلى أنه تم ضبط جميع العناصر التي شاركت في اغتيال النائب العام وعددهم 14 عنصرا.
ما الذي يدفع للتشكيك في الروايات الرسمية المصرية؟
أثارت ملابسات اغتيال بركات كثيرا من علامات الاستفهام آنذاك، أبرزها الفيديو الذي نُشر مباشرة بعد عملية الاغتيال ويظهر بركات وهو على قيد الحياة ومستلق على الأرض بعيدا عن مكان انفجار الموكب، وملابسه غير مضرجة بالدماء بشكل كامل.
هذه العلامات ظهرت أيضا في روايات شهود العيان، حيث نقلت صحيفة مصرية عن أحد شهود العيان قوله “أنزلتُ بركات من السيارة وأجلسته أسفل شجرة، وأحضرت له ماء في محاولة لالتقاط أنفاسه وتهدئته، وشاهدت إصابته بجرح نافذ بالوجه وقطع باليد اليمنى ونزيف حاد بالأنف”.
ولم تقتصر الشكوك والأسئلة على الفيديو والشهود، فالمتحدث باسم وزارة الصحة المصرية استغرب في حديث تلفزيوني أن “إصابات الحراسة والسائقين طفيفة ما عدا النائب العام الذي كانت إصابته بليغة”.
وفي مقابلة صحفية، يشير المتحدث إلى أن بركات دخل مستشفى “النزهة” على قدميه، وأن التشخيص الأول للحالة كان قطعا في الأنف وكسرا في الساق اليُمنى. وتابع أن “النائب العام لم يُصب بأي شظية من القنبلة، ولكن النزيف الذي أدى إلى وفاته ناجم عن ضغط انفجار القنبلة”.
كما أثارت تصريحات ناصر رفعت السائق الخاص للنائب العام شكوكا كثيرة حول الطريقة التي تم بها اغتيال النائب العام، إذ ظهر بصحة جيدة دون أي خدوش، رغم تعرضه مع النائب العام لمتفجرات يبلغ وزنها 400 كغم، بحسب ما أعلنته الداخلية المصرية.
التعذيب حاضر
وأثناء جلسات المحاكمة، تكررت شكاوى الشباب التسعة الذين تم إعدامهم من التعذيب الذي لاقوه وإجبارهم على الاعتراف بجريمة لم يرتكبوها.
وتعد شهادة محمود الأحمدي الأبرز في ذلك، إذ اشتكى للقاضي من تعرضه للتعذيب الشديد، وعندما واجهه القاضي باعترافه، أجابه “اعطني صاعقا كهربائيا وأنا أخلي أي أحد يعترف بأنه قتل السادات”، مضيفا “عُذبنا بكهرباء تكفي مصر 20 سنة”.
وقال أبو بكر السيد وأحمد وهدان وأبو القاسم أحمد إنهم تعرضوا لتعذيب شديد، وإن اعترافاتهم التي بُنيت عليها أحكام القضية أُخذت تحت التعذيب.
أما بسمة رفعت -وهي إحدى المتهمات في القضية- فقالت إنها اعترفت بالاشتراك في الواقعة تحت التهديد بالاغتصاب وقتل زوجها.
مفارقات
عرفت القضية العديد من المفارقات، من أبرزها أن الشاب جمال خيري محمود -الذي وُضع بالقضية بتهمة تدريب المتهمين على استخدام الأسلحة النارية- كفيف، وهو ما دفع محاميه فيصل السيد لتوجيه سؤال للمحكمة: كيف يُتهم شخص كفيف بتدريب المتهمين على السلاح؟
وقال أحمد محروس أمام المحكمة التي قضت بإعدامه إنه قُبض عليه قبل الحادث، وتحديدا يوم 22 فبراير/شباط، وطلب إثبات ذلك من خلال زملائه العاملين معه، في حين قال أحمد الدجوي إنه عرف بمقتل النائب العام أثناء التحقيقات فقط.
كما أن إسلام مكاوي -وهو أحد من تمّ إعدامهم- كان يقضي فترة الخدمة الإلزامية بالجيش وقت الحادث، وأنهى فترة خدمته العسكرية بعد مقتل النائب العام بثلاثة أشهر، بحسب والدته.
وقال والد أحمد جمال إن ابنه كان يتابع حادث الاغتيال من شاشة التلفاز في بيته، متسائلا “كيف يكون متورطا في تنفيذ الحادث في حين كان ببيته؟”.
المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع إلكترونية