سيمنار برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا يناقش مقاربةً مختلفةً في دراسة الانقسام الفلسطيني
| استضاف برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور هاني عوّاد، مدير تحرير دوريّة «عمران» للعلوم الاجتماعيّة، والذي ألقى مُحاضرة بعنوان: «المسألة الفلسطينيّة الجديدة: قراءة مختلفة في الانقسام الفلسطينيّ الكبير»، في مقر المعهد. قدّم لها وأدار النقاش أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الدكتور مولدي الأحمر، وبحضور نخبة من أساتذة علم الاجتماع والتاريخ والسياسة الفلسطينيين والعرب.
وقد استهل عوّاد محاضرته بالتشديد على أنَّ فشل جهود المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس طوال السنوات العشر الماضية تفرض على الأكاديميا الفلسطينية ضرورة تعميق فهمنا للانقسام الفلسطيني بشكلٍ يتجاوز القراءات التحليليّة المبسّطة التي ترتكز على ثنائيّات «التفاوض والمقاومة» أو «العلمنة والأسلمة» أو «التشدد والاعتدال»، مقترحًا تحليل الممارسة السياسية بشكلٍ منفصلٍ عن الخطاب عبر التركيز على دراسة أنماط العمل السياسي الفلسطيني المختلفة والتعبئة الاجتماعية والهُوياتية، إضافة إلى التفكير في التشكّل التاريخي والسياسي للفصائل الفلسطينية منذ انطلاقة العمل الفصائلي في المنفى نهاية الستينيات.
وبناءً على ذلك، اقترح المحاضر قراءة الانقسام الفلسطينيّ الكبير بوصفه صراعًا بين نمطيْن متضاديْن من أنماط التنظيم السياسيّ – الاجتماعيّ الحديث، يملك كل نمطٍ منهما وسائله ومنطقه الخاص في تعبئة المجتمع نحو الداخل أو الخارج. يفكّر النمط الأوّل بالسياسة من «الأعلى» كما تفكّر الدولة بنزعتها نحو البرقرطة والتوحيد والعقلنة والتمثيل السياسيّ الذي يتناقض منطقه مع الفصائلية الفلسطينية، بينما لا يخلو تفكير النمط الثاني من الدولة، لكنّه يتصوّرها امتدادًا للسياسة من «الأسفل»، التي تقع في قلبها الفصائل الفلسطينية. إنّ هذا التناقض بين هذين النمطين، كما اقترح عوّاد، يمثّل اليوم ما سمّاه «المسألة الفلسطينية الجديدة».
وقد شدّد عوّاد في محاضرته على أهميّة بناء إطار نظريّ ومنهجيّ ملائم لدراسة تعقيد بنية الفصائل الفلسطينية وأنماط العمل السياسيّ الفلسطيني وتحوّلاته الاجتماعيّة والبنيوية، يستفيد من العناصر التحليلية التي توفرها سوسيولوجيا التنظيم الاجتماعي، إضافة إلى دراسات الهُوية والشعبويّة والنسويّة ودراسات ما بعد الاستعمار، ليحاول عوّاد من خلال هذا الإطار النظريّ فهم الأدوار التاريخية التي أدتها الفصائل الفلسطينية في مرحلة ما بعد النكبة. واقترح عوّاد، وفقًا لهذه المقاربة، النظر إلى بنية الفصائل الفلسطينية في تشكّلها في الخارج بوصفها نمطًا من أنماط العشائرية الجديدة (Neo-clans) التي تأسست من أجل تعويض حالة الاغتراب والتذرّر الاجتماعي والبرتلة (Proletarianization) التي تعرّض لها اللاجئون الفلسطينيون في الدول العربية عقب صدمة النكبة. وقد أنتجت تلك العملية، بحسب عوّاد، بنية الفصيل الفلسطيني الذي استعار من الطوائف الشرق أوسطية أدواتها في التعبئة السياسية (سياسات الهُوية)، وليستعير كذلك من البنى القبلية والعشائرية تضامنياتها الاجتماعية التي شدّدت على أواصر الأخوة والمصير المشترك.
وقد قال عوّاد إن نكسة حزيران/ يونيو 1967 ومعارك الفدائيين ضد إسرائيل أعطتا الفصائل الفلسطينية زخمًا كبيرًا، وقد وفّرت منظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد مظلّة سياسيّة وشرعيّة للفصائل الفلسطينية التي استمرّت حتى توقيع اتفاق أوسلو باحتكار السياسة الفلسطينيّة، مشكّلةً بذلك نمطًا من العمل السياسيّ الذي يفكّر بالدولة من باطن المجتمع ويعتمد بشكلٍ أساسي على خطاب هُوياتيّ شعبويّ. وبحسب عوّاد كذلك، فقد اصطدم هذا النمط من أنماط العمل السياسي – الاجتماعيّ مع نمطٍ جديد تشكّل بعد توقيع اتفاق أوسلو وتحوّل دولة الفلسطينيين في المنفى إلى سلطةِ حكمٍ ذاتيّ على أجزاءٍ من الضفّة والقطاع، لينظر النمط الثاني إلى السياسة كما تنظر الدولة، أي من الأعلى.
وقد قال عوّاد إنه على الرغم من أنّ النمط الثاني، الذي مثّله محمود عبّاس، استطاع بعد الانتفاضة الثانية حسم معركته في الضفة الغربيّة بسهولة، مستفيدًا من الدعم الدولي وهزيمة الفصائل، فإنّ مشروع أبو مازن هُزم وطُرد نهائيًا من قطاع غزة بعد موجةٍ من أحداث الاقتتال الداخلي عام 2007 قادت إلى سيطرة حركة حماس هناك. وقد خلص عوّاد إلى أنه على الرغم من أنَّ حركة حماس اعتُبرت الخصم الأيديولوجي والسياسيّ لعرفات حتى رحيله، فإنّها، وللمفارقة، شيّدت سلطةً في غزة هي عمليًا استمراريّةٌ تاريخيّةٌ للعرفاتيّة وتطويرٌ لأسسها، وهو ما يعني إمكانية اعتبار حماس اليوم حارسة حصن العرفاتيّة الأخير.
واختتم عوّاد محاضرته قائلًا إنّه يمكن التفكير في عهد أبو مازن على أنّه تاريخٌ للصراع بين العرفاتيّة والعباسيّة؛ إذ عوّلت العرفاتية على إرساء توازنٍ بين الفصائليّة بشعبويتها والدولانيّة، في حين أخذت العبّاسيّة منطق الدولانية إلى نهايته ساعيةً إلى تذويب الفصائل في السلطة الوطنية الجديدة وتحت مظلّتها البيروقراطيّة. وبحسب عوّاد، فمع أنّه يمكن قراءة الانقسام الفلسطينيّ الكبير بين سلطة رام الله بقيادة حركة فتح، وسلطة غزة، بقيادة حماس، من زوايا عديدة اجتماعية وثقافيّة وسياسيّة وجغرافيّة، إلا أنَّ هذا المنظور النقديّ يقترح كذلك قراءته على أنه صراع بين عَهديْن مختلفيْن، أنتج كلّ عهدٍ منهما نظامًا يرتكز على رؤيةٍ خاصّة لفكرة السلطة والسياسة والتعبئة الاجتماعيّة.
;
وقد استهل عوّاد محاضرته بالتشديد على أنَّ فشل جهود المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس طوال السنوات العشر الماضية تفرض على الأكاديميا الفلسطينية ضرورة تعميق فهمنا للانقسام الفلسطيني بشكلٍ يتجاوز القراءات التحليليّة المبسّطة التي ترتكز على ثنائيّات «التفاوض والمقاومة» أو «العلمنة والأسلمة» أو «التشدد والاعتدال»، مقترحًا تحليل الممارسة السياسية بشكلٍ منفصلٍ عن الخطاب عبر التركيز على دراسة أنماط العمل السياسي الفلسطيني المختلفة والتعبئة الاجتماعية والهُوياتية، إضافة إلى التفكير في التشكّل التاريخي والسياسي للفصائل الفلسطينية منذ انطلاقة العمل الفصائلي في المنفى نهاية الستينيات.
وبناءً على ذلك، اقترح المحاضر قراءة الانقسام الفلسطينيّ الكبير بوصفه صراعًا بين نمطيْن متضاديْن من أنماط التنظيم السياسيّ – الاجتماعيّ الحديث، يملك كل نمطٍ منهما وسائله ومنطقه الخاص في تعبئة المجتمع نحو الداخل أو الخارج. يفكّر النمط الأوّل بالسياسة من «الأعلى» كما تفكّر الدولة بنزعتها نحو البرقرطة والتوحيد والعقلنة والتمثيل السياسيّ الذي يتناقض منطقه مع الفصائلية الفلسطينية، بينما لا يخلو تفكير النمط الثاني من الدولة، لكنّه يتصوّرها امتدادًا للسياسة من «الأسفل»، التي تقع في قلبها الفصائل الفلسطينية. إنّ هذا التناقض بين هذين النمطين، كما اقترح عوّاد، يمثّل اليوم ما سمّاه «المسألة الفلسطينية الجديدة».
وقد شدّد عوّاد في محاضرته على أهميّة بناء إطار نظريّ ومنهجيّ ملائم لدراسة تعقيد بنية الفصائل الفلسطينية وأنماط العمل السياسيّ الفلسطيني وتحوّلاته الاجتماعيّة والبنيوية، يستفيد من العناصر التحليلية التي توفرها سوسيولوجيا التنظيم الاجتماعي، إضافة إلى دراسات الهُوية والشعبويّة والنسويّة ودراسات ما بعد الاستعمار، ليحاول عوّاد من خلال هذا الإطار النظريّ فهم الأدوار التاريخية التي أدتها الفصائل الفلسطينية في مرحلة ما بعد النكبة. واقترح عوّاد، وفقًا لهذه المقاربة، النظر إلى بنية الفصائل الفلسطينية في تشكّلها في الخارج بوصفها نمطًا من أنماط العشائرية الجديدة (Neo-clans) التي تأسست من أجل تعويض حالة الاغتراب والتذرّر الاجتماعي والبرتلة (Proletarianization) التي تعرّض لها اللاجئون الفلسطينيون في الدول العربية عقب صدمة النكبة. وقد أنتجت تلك العملية، بحسب عوّاد، بنية الفصيل الفلسطيني الذي استعار من الطوائف الشرق أوسطية أدواتها في التعبئة السياسية (سياسات الهُوية)، وليستعير كذلك من البنى القبلية والعشائرية تضامنياتها الاجتماعية التي شدّدت على أواصر الأخوة والمصير المشترك.
وقد قال عوّاد إن نكسة حزيران/ يونيو 1967 ومعارك الفدائيين ضد إسرائيل أعطتا الفصائل الفلسطينية زخمًا كبيرًا، وقد وفّرت منظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد مظلّة سياسيّة وشرعيّة للفصائل الفلسطينية التي استمرّت حتى توقيع اتفاق أوسلو باحتكار السياسة الفلسطينيّة، مشكّلةً بذلك نمطًا من العمل السياسيّ الذي يفكّر بالدولة من باطن المجتمع ويعتمد بشكلٍ أساسي على خطاب هُوياتيّ شعبويّ. وبحسب عوّاد كذلك، فقد اصطدم هذا النمط من أنماط العمل السياسي – الاجتماعيّ مع نمطٍ جديد تشكّل بعد توقيع اتفاق أوسلو وتحوّل دولة الفلسطينيين في المنفى إلى سلطةِ حكمٍ ذاتيّ على أجزاءٍ من الضفّة والقطاع، لينظر النمط الثاني إلى السياسة كما تنظر الدولة، أي من الأعلى.
وقد قال عوّاد إنه على الرغم من أنّ النمط الثاني، الذي مثّله محمود عبّاس، استطاع بعد الانتفاضة الثانية حسم معركته في الضفة الغربيّة بسهولة، مستفيدًا من الدعم الدولي وهزيمة الفصائل، فإنّ مشروع أبو مازن هُزم وطُرد نهائيًا من قطاع غزة بعد موجةٍ من أحداث الاقتتال الداخلي عام 2007 قادت إلى سيطرة حركة حماس هناك. وقد خلص عوّاد إلى أنه على الرغم من أنَّ حركة حماس اعتُبرت الخصم الأيديولوجي والسياسيّ لعرفات حتى رحيله، فإنّها، وللمفارقة، شيّدت سلطةً في غزة هي عمليًا استمراريّةٌ تاريخيّةٌ للعرفاتيّة وتطويرٌ لأسسها، وهو ما يعني إمكانية اعتبار حماس اليوم حارسة حصن العرفاتيّة الأخير.
واختتم عوّاد محاضرته قائلًا إنّه يمكن التفكير في عهد أبو مازن على أنّه تاريخٌ للصراع بين العرفاتيّة والعباسيّة؛ إذ عوّلت العرفاتية على إرساء توازنٍ بين الفصائليّة بشعبويتها والدولانيّة، في حين أخذت العبّاسيّة منطق الدولانية إلى نهايته ساعيةً إلى تذويب الفصائل في السلطة الوطنية الجديدة وتحت مظلّتها البيروقراطيّة. وبحسب عوّاد، فمع أنّه يمكن قراءة الانقسام الفلسطينيّ الكبير بين سلطة رام الله بقيادة حركة فتح، وسلطة غزة، بقيادة حماس، من زوايا عديدة اجتماعية وثقافيّة وسياسيّة وجغرافيّة، إلا أنَّ هذا المنظور النقديّ يقترح كذلك قراءته على أنه صراع بين عَهديْن مختلفيْن، أنتج كلّ عهدٍ منهما نظامًا يرتكز على رؤيةٍ خاصّة لفكرة السلطة والسياسة والتعبئة الاجتماعيّة.
;