العربية والأمازيغية والفرنسية.. من يكسب صراع البقاء بالمغرب؟
|مع عدم إكمال كثير من الطلاب تعليمهم الجامعي لعدم إجادتهم الفرنسية، اقترحت الحكومة المغربية العودة لاعتماد تدريس العلوم والرياضيات والموضوعات التقنية مثل علوم الحاسوب في المدارس الثانوية بالفرنسية.
كما ترغب في أن يبدأ الأطفال تعلمها بمجرد التحاقهم بالمدارس.
واللغتان الرسميتان في المملكة هما العربية والأمازيغية. ويتحدث معظم أهل البلد عربية مغربية، هي عبارة عن مزيج من العربية والأمازيغية مع كلمات من الفرنسية والإسبانية.
وفي المدارس، يكون تعليم الأطفال بلغة عربية فصيحة لا يستخدمونها غالبا خارج المدرسة. وعندما يبلغون المرحلة الجامعية تصبح لغة الدراسة هي الفرنسية، لغة المستعمر السابق والنخبة من أهل الحضر. فهل يؤدي ذلك إلى ارتباك؟
يقول عبد الرحيم بلحسون مدير ثانوية مولاي يوسف في الرباط “التلاميذ الذين حصلوا على البكالوريا (الثانوية العامة) السنة الماضية لقوا أريحية في كلية الطب وفي جميع الكليات في حين أن التلاميذ الذين حصلوا على البكالوريا باللغة العربية وجدوا بعض التعثر في الشهور الأولى في الجامعات”.
ويخفق اثنان من أصل ثلاثة طلاب في إكمال دراستهم بالجامعات العامة في المغرب لأنهم لا يجيدون الفرنسية.
وقال طالب دكتوراه يدعى منتصر السميحي لوكالة رويترز “السنة الأولى (بالجامعة) تكون الدراسة بالفرنسية، سنة معرفة بتلك اللغة، وبالتالي يكون التحصيل ضعيفا جدا خلال السنة الأولى لدرجة أن مجموعة من الطلبة يضطرون لمغادرة الجامعة بسبب الفرنسية”.
وقال شاب حاصل على شهادة ماجستير من الجامعة الدولية بالرباط يدعى كريم هرج التوزاني “كعرب، لابد أن نجيد العربية، لكن لدراسة المواد العلمية لابد من إتقان لغات أخرى غير العربية، ولهذا فمن الضروري لكل طالب أن يتوفر على لغات أخرى”.
وجعلت هذه المعضلة اللغوية النمو الاقتصادي في وضع حرج وأدت إلى تفاقم عدم المساواة في المملكة حيث يعاني واحد من كل أربعة شبان من البطالة. ويقول صندوق النقد الدولي إن متوسط الدخل السنوي يقدر بنحو 3440 دولارا للشخص، أي أقل من ثلث المتوسط العالمي.
على محك الهوية
وتهدد خطط التوسع في تدريس الفرنسية قلب الهوية الوطنية للمغرب.
فهذه الخطط ستقلب عمليات التعريب التي دامت عقودا بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956 الأمر الذي يثير غضبا بالبرلمان، حيث يرى أعضاء في حزب العدالة والتنمية (إسلامي) الشريك الرئيسي بالائتلاف الحكومي، وحزب الاستقلال المحافظ هذه الخطط بمثابة خيانة. وتسبب ذلك الخلاف في إرجاء التصويت على هذه الخطط.
ويقول المؤيدون إن التغيير يعكس حقيقة أن الفرنسية صاحبة الكلمة العليا في الأعمال التجارية والحكومية والتعليم العالي، الأمر الذي يمنح الذين يمكنهم تحمل تكاليف التعليم الخاص بالفرنسية ميزة كبيرة على غالبية طلاب البلاد.
وقال جمال كريمي بن شقرون نائب برلماني عن حزب التقدم والاشتراكية “فيما يتعلق بلغة التدريس، وأساسا الفرنسة المعمول بها في المغرب منذ سنوات الآن، جاء القانون الإطار بدعوة التعددية والتنوع اللغوي، وهذا شيء محمود ونحن نزكيه في المجموعة النيابية. فلا يعقل أن ندرس العلوم بالعربية في السلك الثانوي ويصطدم الطلبة هنا في الجامعة بالفرنسية”.
وحتى قبل أن يصوت البرلمان على التغيير، وافق سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي على نشر الفرنسية في بعض المدارس معلنا استخدامها في تدريس المواد العلمية “كخيار لا رجعة فيه”.
وأثبت الملك محمد السادس أنه بارع في إدخال إصلاحات ردا على الاحتجاجات الشعبية. وتحدث للشعب بشأن الحاجة إلى تعليم الطلاب لغات أجنبية من أجل الحد من البطالة وجعل الاقتصاد أولوية قصوى.
ليست مشكلة مغربية فقط
ومشكلات اللغة ليست فريدة في المغرب. ففي الجزائر المجاورة، وهي مستعمرة فرنسية سابقة أيضا، يدرس الطلاب بالعربية فقط ليجدوا بعد ذلك الفرنسية في استقبالهم بالجامعة وفي مكان العمل.
وتعكس سيطرة الفرنسية نفوذ باريس المستمر في المنطقة. ففرنسا هي أكبر مستثمر أجنبي مباشر في المغرب، وتوظف شركات كبيرة مثل شركات صناعة السيارات رينو وبيجو عشرات الآلاف من المغاربة.
كما أن الجامعات الخاصة (التي يديرها القطاع الخاص) مثل الجامعة الدولية للرباط تنظم دورات موجهة نحو الصناعات عالية النمو مثل الطيران والطاقة المتجددة وتقدم المحاضرات بالفرنسية والإنجليزية.
لكن رسوم الدراسة في هذه الجامعة تصل عشرة آلاف دولار في السنة الواحدة، وهو مبلغ يتجاوز ميزانية معظم المغاربة. وبالتالي فإنهم يذهبون بدلاً من ذلك للجامعات العامة التي بلا رسوم دراسية تذكر، لكن غالبا ما يمثل الانتقال المفاجئ للدراسة بالفرنسية فيها عبئا بالنسبة للطلاب والمحاضرين.
وتفيد بيانات لوكالة التخطيط المغربية أن معدل البطالة للخريجين يبلغ 17% أي أعلى من المعدل الوطني البالغ 9.8%.
ويذكر تقرير لصندوق النقد الدولي صادر أواخر عام 2017 أنه على المستوى الجامعي يقبل الطلاب بشكل كبير على مجالات العلوم الاجتماعية على حساب الموضوعات الفنية. وهذا يعني أن كثيرين لا تتوفر لديهم عند تخرجهم المؤهلات التي يبحث عنها أصحاب العمل.
وحتى بالنسبة للأعمال التي لا تتطلب شهادة جامعية فإن الفرنسية أمر لا بد منه. فعلى الموقع الفرنسي الخاص بوكالة تشجيع الوظائف في المغرب يبحث كل أصحاب العمل تقريبا عن موظفين يتحدثون الفرنسية، بما في ذلك وظائف الحراس والمضيفين والطهاة والسائقين.
ورغم كل هذا الجدل يرى خبير تربوي أن المعضلة في النظام التربوي نفسه. ويقول محمد شطاطو وهو أستاذ جامعي وخبير دولي بميدان التعليم “الجدل سياسي وأيديولوجي، تدخل فيه العديد من الأيديولوجيات وتوجهات العروبية أو العربية أو التوجهات الأمازيغية أو التوجهات الفرانكوفونية والأنجلوفونية إلى غير ذلك. وهذا الجدل لن ينتهي، المشكل في النظام التربوي أو المنظومة التربوية نفسها”.
المصدر : الجزيرة + رويترز