لغته منمقة وقناعه سليكون.. هكذا خدع الوزير الفرنسي المزيف ضحاياه

قناع من السليكون، وهاتف أرضي، وجهاز كمبيوتر محمول، ومكتب مرتّب وبجانبه علم فرنسا وعلم الاتحاد الأوروبي، وقائمة بالأشخاص المستهدفين؛ هذا ما احتاج إليه منتحل شخصية الوزير الفرنسي جان إيف لودريان، ليستحوذ على ملايين اليوروهات، في قضية بدت أطوارها كأنها خيالية.

القضية التي شغلت الرأي العام الفرنسي منذ عام 2015، ولا تزال متفاعلة حتى الآن، بدت خيوطها ممتدة إلى أكثر من دولة وطرف، منها فرنسا وإسرائيل وأوكرانيا، وهو ما كشف عنه برنامج التحقيقات الفرنسي “أونفويي سبيسيال” (مبعوث خاص) في حلقته التي بثّت مساء الخميس الماضي.

“فرنسا تحتاج لكم”، كانت هذه هي الجملة “السحرية” المستخدمة من قبل المحتال كسلاح للإيقاع بضحاياه الذين يفاجؤون باتصال عبر برنامج سكايب من لودريان حين كان وزيرا للدفاع –قبل أن يتولى منصب وزير الخارجية حاليا- يطلب منهم مبالغ مالية للأهمية القصوى.

ولا تبدو هذه العملية التي شملت رجال أعمال وشخصيات مهمّة ثرية عملية احتيال عادية، فقد وصلت المبالغ المالية إلى ثمانين مليون يورو، مما يعادل أكثر من تسعين مليون دولار.

صورة بثها البرنامج الفرنسي من محادثة سكايب للوزير المزيف (الصحافة الفرنسية)

مزيّف وحقيقي
التحقيق الذي جاء تحت عنوان “وزير مزيف، ومحتال حقيقي” -وفضلا عن إجرائه العديد من المقابلات- أعاد تجسيد الأحداث لتكون الصورة واضحة في ذهن المشاهد، ليبيّن أن المحتال كان حريصا على ترتيب مسرح العملية ليتمكّن من خداع ضحاياه.

وفي مكتب صغير، تم ترتيب ديكور مطابق لمكتب لودريان مما يقطع الشك، ليكون بذلك المشهد مكتملا بكل تفاصيله الدقيقة، وأهمها قناع من السليكون يجسّد وجه الوزير لودريان.

وبهذه الخطوات يتمكن المحتال من إجراء محادثات لا تتجاوز عشرات الثواني بالفيديو عبر تطبيق سكايب للإيقاع بمن استهدفهم من الأثرياء.

خيوط اللعبة بدأت تتكشف من تونس، وتحديدا في يوليو/تموز 2015، عندما تلقت مصالح وزارة الدفاع التونسية بريدا إلكترونيا بتوقيع جان إيف لودريان، وفي ملحقاته فاتورة بأربع طائرات مروحية من طراز “تايغر” تبلغ تكلفتها ملايين الدولارات.

وعقب تلقي هذه الرسالة قامت وزارة الدفاع التونسية -التي لم تطلب أبدا طائرات بهذه المواصفات- بالاتصال بنظيرتها الفرنسية، التي نفت أي علاقة لها بالأمر، ليبدأ البحث عن سلسلة طويلة من عمليات الاحتيال المثيرة.

صورة بثها البرنامج للمحتال الفرنسي الإسرائيلي جيلبر تشيكلي (الصحافة الفرنسية)

دول وشخصيات
وفي أكثر من خمسين دولة، منها أفريقيا الوسطى وتوغو واليمن، سعى “لودريان المزيّف” إلى إتمام عملياته، وبعد أن أنهى حيلة الطائرات المروحية، اتجه لأمر أكثر حساسية، وهو طلب المال كفدية من أجل إنقاذ صحفيين فرنسيين وقعوا رهائن بيد جماعات مسلحة، وكان ذلك في بداية 2016.

يقول كاردينال أبرشية مدينة بوردو الفرنسية جان بيار ريكار، وهو أحد الذين استهدفهم المحتال، إنه تلقى اتصالا هاتفيا في 22 فبراير/شباط 2016، من شخص يعرّف نفسه بأنه وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان.

وأضاف أن ذلك الشخص طلب منه تحويل مبلغ مالي من حسابه البنكي من أجل إنقاذ صحفيين محتجزين، وعندما رد بأنه لا يملك سوى بعض الآلاف من اليوروهات، قال المتصل إن المبلغ المطلوب يقدر بالملايين لا الآلاف.

ورغم أن هذه العملية فشلت بسبب تلقي الكاردينال ريكار تحذيرات من زملاء له، فإن هذا الفشل لم يدم طويلا، ففي 29 فبراير/شباط 2016 حوّل زعيم طائفة الشيعة الإسماعيلية النزارية آغا خان الرابع مبالغ مالية بقيمة عشرين مليون يورو، وبعدها بأيام حولت سيدة الأعمال الثرية كورين منزلوبولو مبلغ ستة ملايين يورو.

وبحسب الصحفي في مجلة لونوفال أبسرفاتور الفرنسية فانسون مونيي، فإنه يبدو من غير المنطقي أن نتقبل كيف يمكن تحويل مبالغ طائلة بناء على مجرد اتصال مزعوم، إلا أنه يوضح أن المحتال وشركاءه يقومون بدارسة كل المعطيات عن الضحايا المحتملين، وإيجاد كل الثغرات التي تمكنهم من إقناعهم بتحويل الأموال.

وتشير المقابلات التي نجح التحقيق في إجرائها مع الضحايا إلى أن المحادثات التي أجراها المحتال عبر سكايب كانت قصيرة وتدوم عشرات الثواني فقط، ويبدو فيها الوزير المزيّف على بعد أمتار من الكاميرا، كما أن الاتصال لا يدوم طويلا بسبب تعلله بسوء خدمة الإنترنت.

عملية واعتقال
وأظهرت إحدى عمليات الاحتيال التي استهدفت مديرا لإحدى الشركات تحويل مبالغ مالية لحساب بنكي في الصين، كان قد قام آغا خان الرابع بتحويل الأموال إليه، مما ساعد الشرطة في الإمساك بأول خيط للبحث عن الجاني.

وقادت تحقيقات الشرطة إلى الوصول إلى المحتال وهو فرنسي إسرائيلي يدعى جيلبر تشيكلي، قام بالاحتيال على 150 شخصية منتحلا هوية لودريان.

وحُكم على تشيكلي غيابيا في فرنسا عام 2015 بالسجن سبع سنوات بعد إدانته بالاحتيال، لكنه كان هاربا في إسرائيل، ولم تتمكن السلطات الفرنسية من القبض عليه إلا عام 2017 بعد أن سلمته لها أوكرانيا، التي اعتقلته تنفيذا لمذكرة اعتقال فرنسية.

وبحسب جون كلود ماليي المستشار الخاص لوزير الخارجية الفرنسي لودريان، فإن الأخير كان مستغربا مما قام به المحتال الرئيسي وشركاؤه، مشيرا إلى أن هذا الأمر تسبب في خسائر، ولا يمكن اعتباره أمرا هيّنا.

وبيّن المستشار أن المحتال استغل صورة الوزير ووظيفته والمتعاونين معه، مشيرا إلى وجود محاولات احتيال جديدة، وإلى سعي الوزارة للتحذير منها.

المصدر : الصحافة الفرنسية,الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *