متطوعات الخوذ البيضاء.. بلسم شفاء لجراح سوريا
|يمان خطيب–إدلب
“لن يحصل هذا مرة أخرى.. أقسم لك يا هبة”. بصوت متعب يلفه الحزن ودموع انسكبت على وجنتيها، ختمت ريم حكواتي حديثاً مطوّلاً وهي تجلس القرفصاء عند لحد شقيقتها الصغرى.
ريم كانت تزور مقبرة شهداء زملكا بغوطة دمشق الشرقية للمرة الأخيرة، قبيل ساعات قليلة من انطلاق قافلة المهجّرين إلى إدلب (شمال سوريا).
كانت واقعة مقتل شقيقتها بغارة جوية للنظام السوري في مايو/أيار 2017 سببا كافيا دفع الشابة ريم حكواتي للتطوع لدى مؤسسة الدفاع المدني السوري، أو ما عُرفت لاحقا باسم “منظمة الخوذ البيضاء”، فور وصولها مدينة أريحا (جنوبي إدلب).
تقول ريم حكواتي (24 عاما) للجزيرة نت “وقفت عاجزة تماما عن الحركة حين رأيت أختي تحتضر وهي مضرجة بدمائها إلى جانب عشرات الجثث والأشلاء المتناثرة في سوق مدينة زملكا، في مشهد لا تراه إلا في أفلام التراجيديا”.
وتضيف “عقب انقشاع غبار الصاروخ الارتجاجي، لم أمتلك في تلك اللحظة الجرأة على مسّ شخص ينزف بغزارة، هذا فضلا عن انعدام خبرتي في كيفية التصرف في مثل هذه المواقف”.
وتكمل “ثوان قليلة، تلاشى أنين شقيقتي وفاضت روحها دون أن أتمكن من مساعدتها، لكن جرحى كثرا نجوا من تلك المذبحة بعد إسعافهم من قبل فرق الإنقاذ، الذين عملوا بمنتهى الشجاعة والتفاني والسرعة، غير مبالين بخطر القصف المزدوج الذي اعتدناه”.
إنقاذ المصابات
بناء على رغبتها، عُينت ريم حكواتي في قسم الإسعاف والإنقاذ بمركز أريحا النسائي التابع للدفاع المدني، بعد أن هُجرت من ريف دمشق في أبريل/نيسان 2018، حيث خضعت لدورات تدريبية مكثفة استمرت أسابيع، اكتسبت خلالها خبرات في الأعمال الميدانية والتوعوية.
وأسهمت منذ انضمامها في إنقاذ أرواح عشرات النساء المصابات، جراء القصف أو الحوادث الطبيعية، إضافة إلى عملها ضمن فريق ينظم دوريا حملات توعية تتعلق بطرق التعامل مع الذخائر غير المنفجرة.
وشاركت مع زميلاتها في حملات داخل المنازل وفي مخيمات النازحين تُعنى بحماية الأطفال والتحذير من خطورة تجنيدهم واستغلالهم في الحرب، أو إجبارهم على العمل في مهن قاسية، حتى ولو كان الطفل المعيل الوحيد لعائلته.
كما سجلت ريم حضورها في حملات أخرى للتحذير من عواقب انقطاع الأطفال عن مقاعد الدراسة.
خدمات المتطوعات
220 هو عدد المتطوعات وفقا لآخر إحصائية صادرة عن مؤسسة الدفاع المدني، يتوزعن على 31 مركزا نسائيا في محافظة إدلب وأرياف حلب وحماة واللاذقية، بحسب ريم.
وأسهمت المتطوعات في توفير خدمات طبية وتوعوية لأكثر من 32 ألف سيدة خلال العام الماضي فقط.
متطوعة في فرق الإنقاذ التابعة للخوذ البيضاء تشارك في تأمين الأطفال بعد تعرض مدرستهم للقصف بريف إدلب (الجزيرة) |
وترى أم مروان مسؤولة تنسيق المراكز النسائية في الدفاع المدني السوري أن الخدمات التي تقدمها المراكز النسائية للأهالي، وللنساء خاصة، أسهمت في فترة وجيزة في قبول تواجد المتطوعات من كافة شرائح المجتمع على عكس المتوقع، خاصة أن المتطوعات يعملن في بيئة محافظة تطغى عليها الصبغة الدينية التي ترفض فكرة مشاركة الإناث في عمل الذكور.
وأوضحت أم مروان أن افتتاح منظمة الخوذ البيضاء مراكز نسائية على هذا النطاق الواسع أثّر إيجابا في تمكين المرأة السورية، وإبراز دورها الحقيقي بعد مرور عقود من القمع والتهميش.
ولفتت إلى أن الإدارة في مؤسسة الدفاع المدني تستقبل شهريا عشرات الطلبات من الفتيات الراغبات في التطوع من جميع المناطق السورية.
تفعيل دور المرأة
من جانبه، عبّر فؤاد راجح -أحد سكان مدينة إدلب- عن إعجابه بفكرة تفعيل دور المرأة ابتداء بالجانب الإنساني، ودعا لتقديم شتّى أنواع الدعم في سبيل استمرار دورها الذي بات ضرورة وحاجة ملحة.
وأشار راجح إلى أن تواجد العنصر النسائي في مؤسسة الدفاع المدني ذلل عقبات كثيرة، وأسهم في رفع درجة الوعي لدى النساء والأطفال في فترات الحرب والسلم.
وشاطرت تسنيم دندش الرأي حول أهمية دور العنصر النسائي في منظمة الخوذ البيضاء، فسابقا كان المتطوعون الذكور لا يلقون الاستجابة اللازمة أثناء عمليات الإسعاف أو في حملات التوعية.
ويعود ذلك -بحسب تسنيم- إلى تحفظ تبديه جلّ العائلات، الأمر الذي لم يعد حاضرا منذ افتتاح المراكز النسائية.
جائزة نساء العام
جدير بالذكر أن المتطوعات في منظمة الخوذ البيضاء نلن جائزة نساء العام في أكتوبر/تشرين الأول 2017 خلال حفل أقيم بالعاصمة البريطانية لندن، وذلك تقديرا لعملهن وتكريما لتضحياتهن.
المصدر : الجزيرة