التسريبات الفاضحة بمصر.. إلهاء أم ابتزاز للمعارضين؟
|عبد الكريم سليم-القاهرة
بالتوازي مع سعي النظام لتعديل الدستور لإبقاء السيسي في السلطة لمدد أخرى، انشغل المصريون الأيام الماضية بفضائح جنسية طالت نائبي برلمان عارضا التعديلات، ليختلط الغضب من تدني الأخلاق بحديث حول ابتزاز للمعارضين وإلهاء للجماهير.
اثنان من نواب تكتل 25-30 -الذي يصف نفسه بالمعارض- كانا في قلب الفضيحة التي تفجرت بشكل مفاجئ، أولهما المخرج السينمائي خالد يوسف الذي كان له دور كبير في إبراز مظاهرات 30 يونيو 2013 التي كانت توطئة لانقلاب عسكري بعد ثلاثة أيام وقاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع على الرئيس المنتخب آنذاك محمد مرسي.
أما الثاني فهو هيثم الحريري الذي نال معظم شهرته من كونه نجل النائب اليساري السابق أبو العز الحريري، ثم اتجهت إليه الأنظار بعدما عبر عن العديد من الآراء المعارضة لسياسات السيسي وحكومته رغم أنه من كان مؤيدي مجيئه للسلطة.
وعلى حين غرة انتشرت بمواقع التواصل مشاهد جنسية للنائب والمخرج مع ممثلتين مغمورتين بينما تم تسريب مكالمة جنسية للنائب الشاب، ليشتعل الجدل بين من اختار التركيز على الفضائح ومدلولاتها من وضاعة وسوء أخلاق، ومن رأى أن المصيبة الأكبر هي أن تعمد السلطة إلى فضح معارضيها من أجل الضغط عليهم، فضلا عن إلهاء الشعب عن تعديلات تمهد لتخليد السيسي في الحكم.
وتظهر مشاهد الفيديو الفاضح المسرب المخرج السينمائي مع ممثلتين مبتدئتين جرى القبض عليهما مؤخرا، واعترفتا أمام النيابة أن ما جرى ليس بدعا في الوسط الفني، وأنهما اضطرتا لذلك بإغراء منه من أجل الحصول على أدوار في أفلامه.
أما التسريب الآخر فتضمن محادثة للحريري (وهو كرفيقه في التسريبات ممن نظموا مظاهرات الثلاثين من يونيو) مع امرأة متزوجة تتضمن تلميحات لا أخلاقية.
جدل النقد والدفاع
ورغم أنه لم يتسن التأكد من صحة المكالمات والفيديوهات، فإن ما نشرته وسائل الإعلام المحلية بشأنها يؤكد أن “تحريات الشرطة أثبتت صحتها وأنها ليست مزيفة، كما أن المخرج المعروف يظهر بها”.
لكن بيانا للمخرج اعتبر أن المسألة “تصفية حسابات” بسبب موقفه الرافض للتعديلات الدستورية المقترحة، مشيرا إلى أن الحملة تضمن أيضا تشويها للفن المصري وإساءة للفنانات المصريات.
وتلقى النائب العام المستشار نبيل صاق بلاغا يطالب برفع الحصانة البرلمانية عن يوسف، وإحالته للمحاكمة الجنائية على خلفية واقعة اتهامه بالارتباط بالفيديوهات “الجنسية الفاضحة”.
وشدد البلاغ على أن ما قام به المخرج يمثل العديد من الجرائم الجنائية، فضلا عن تشويه صورة منصب عضو مجلس النواب وتشويه صورة مصر أمام العالم بسبب ما يقوم به من أفعال مخلة وفاضحة.
وبعد أن ظلت القضية محل اهتمام كبير في مصر لعدة أيام، خرج النائب العام اليوم ليقرر حظر النشر فيها، فضلا عن مطالبة وزارة الاتصالات بحجب المواقع التي تبث أي مواد أو مقاطع منافية للآداب.
واشتعل الجدل على منصات التواصل بين مدافع عن البرلمانيين ومنتقد لهما، في حين أبرز الإعلام المؤيد للسلطة خبرا يؤكد أن الحريري “صحح” مواقفه الرافضة لتعديل الدستور وهو ما لم يعلق عليه النائب الشاب بالتأكيد أو النفي.
تعديل الدستور يأتي رغم أن السيسي أكد مرارا أنه لن يفعل (الجزيرة) |
سياسة الإلهاء
ويرى مراقبون أن التسريبات لا تعدو كونها فصلا جديدا بمسلسل إلهاء بلا نهاية، لطالما مارسه النظام لصرف الأنظار عن قضايا جوهرية، وهذه المرة يسعى لاستثمار هذه الفضائح للإلهاء عن تعديلات دستورية خطيرة تكرس السلطات في يد الرئيس والجيش.
واستند المدافعون عن البرلمانيين -المتهمين بالسقطات الأخلاقية- إلى سوابق الأجهزة الأمنية بهذا الصدد، للتدليل على أن الأمر لا يعدو كونه حلقة جديدة في مسلسل استخدام سقطات الفنانين والمشاهير المعارضين إن صحت للإلهاء عن التعديلات الدستورية، والنيل من سمعتهما وجعلهما عبرة لمن تحدثه نفسه بأن يعارض التعديلات مثلهما.
بالمقابل، يؤكد مؤيدون للنظام أن معارضة البرلمانيين للتعديلات بلا وزن ولا قيمة، فالمعارضون لها بالبرلمان أقلية، وهي ستمر على أي حال، مما ينفي وجود مبرر لاستهداف السلطة لهما بالتسريبات.
جدل التعديلات الدستورية والتسريبات الفاضحة يأتي في خضم الذكرى الثامنة لثورة يناير (رويترز) |
الهدفان معا
من جهته، يرى المحلل والخبير بشؤون الأجهزة الأمنية أحمد فريد مولانا أن الأجهزة الأمنية المصرية “تقرأ من كتالوج واحد” وهي ذات منهج متوارث في التعامل مع الأزمات والمعارضين.
ويتوقع مولانا -في حديثه للجزيرة نت– ردودا قاسية من قبل النظام ضد أيٍ بمجلس النواب يتجرأ على معارضة التعديلات، مضيفا أن “للجميع في يوسف والحريري عبرة”.
وتمثل التعديلات الدستورية للسيسي أمرا جوهريا وملحا -وفق ما يعتقد مولانا- لذا فلا مجال لديه لتقبل أي معارضة ولو شكلية للتعديلات وبالأخص ممن دعموا الانقلاب سابقا.
ويلفت مولانا إلى سابقة قيام الأجهزة الأمنية بمثل هذه السياسة، في واقعة مشابهة ضد المعارض (سابقا) عبد الحليم قنديل في عهد المجلس العسكري حينما نشط في معارضته قبل أن يوالي السيسي مؤخرا.
الإلهاء لا الإضرار
بدوره، يؤكد الكاتب الصحفي سيد أمين أن كثيرا مما يتم تسريبه يراد به أهداف قريبة وبعيدة المدى، ويفرق بين تسريبات بعضها يخدم السلطة بشكل مباشر لضرب المعارضين، وبين تسريبات هدفها الإلهاء لخدمتها بشكل غير مباشر لصرف أنظار المصريين عن سياسات ينتهجها النظام وتضر بالشعب.
فهدف النظام بالتسريبات الأخيرة هو إلهاء الشعب وصرف الأنظار عن التعديلات الدستورية -كما يؤكد الكاتب- مستبعدا أن يكون الهدف هو الإضرار بشركائه في الانقلاب أمثال يوسف والحريري.
وأضاف أمين “فهو يدرك جيدا أن هذه التسريبات لن تضر كثيرا بيوسف لأن سلوكياته الأخلاقية تخصه، بينما يمتلك النظام ضد حلفائه ما هو أكبر من الفضائح الأخلاقية بدليل خضوع الكثير من السياسيين والكتاب للسيسي، وهم الذين كانوا شرسين جدا في معارضة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك“.
وسبق أن شهد عام 2015 تسريب مشاهد ليوسف مع زوجة أستاذ جامعي -لم يتسن التأكد من صحتها- ويجري حاليا التلويح في وسائل الإعلام بهذه القضية تهديدا بإحيائها مجددا.
وجرى استدعاء نفس القضية ضد يوسف عام 2016 بالتزامن مع مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية بالبرلمان، وهي الاتفاقية التي حصلت المملكة بموجبها على جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، في حين مرر النظام الاتفاقية برلمانيا رغم معارضة أعضاء تكتل 25-30 دون أي إضرار أو استبعاد نتيجة فضائح أخلاقية.
المصدر : الجزيرة