شباب اليمن والثورة.. كانت أحلاما وتبخرت
|الجزيرة نت–خاص
منتصف أبريل/نيسان 2011، كانت المظاهرة تسير في شارع الستين (غربي العاصمة صنعاء)، وكان لاعب المنتخب اليمني للمصارعة عقبة محمد يصرخ مع الجموع: “الشعب يريد إسقاط النظام”، وكانت أحلامه تكبر مع كل هتاف يرتفع.
لكن بعد ثمانية أعوام، يقول الشاب -الذي أضحى كهلا وترك الرياضة وبات مدمنا على مضغ القات (نبتة منبهة يلوكها اليمنيون في أفواههم لساعات لتمدهم بالنشاط والحيوية)- إن الثورة أصبحت ذكرى. وبتنهيدة عميقة يضيف “قلّبت لنا المواجع”.
عقبة هو واحد من آلاف الشبان اليمنيين الذين أُصيبوا بانتكاسة عميقة، إثر تدهور الأوضاع واندلاع الحرب بعد الثورة التي انتهت بتنحي الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بعد أن سلّم سلطاته لنائبه الرئيس عبد ربه منصور هادي.
ودخل اليمن في أزمات سياسية منذ ذلك الحين، وتفجرت بانقلاب جماعة الحوثيين وسيطرتها على الحكم في سبتمبر/أيلول 2014. وعقب ذلك تدخل التحالف السعودي الإماراتي لإنهاء الانقلاب في مارس/آذار 2015.
وأدت تلك الحرب إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وبات نحو 22 مليون يمني (80% من السكان) بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفق الأمم المتحدة.
حلم منصة التتويج
ورغم ذلك، يحاول البطل السابق للجمهورية في المصارعة فئة الناشئين أن يتمسك بآماله في إنهاء دراسته الجامعية، بعد أن ترك حلمه باعتلاء منصات التتويج خلف ظهره، إثر إصابته بقطع في الرباط الصليبي بالركبة قبل عامين.
وكمن فقد عزيزا، يقول عقبة للجزيرة نت بأسى “شاركنا في ثورة 11 فبراير لأجل حلم نهضة البلد الذي ظل كسيحا طوال عقود، وكنت على استعداد للتضحية بنفسي من أجل ذلك، لكن اليوم أريد الفرار إلى أي وجهة”. ويضيف “بلادنا أصبحت طاردة لنا، حتى علاجي من إصابتي بات أمرا غير ممكن”.
ويعكس جسد عقبة المترهل حال اليمن، بعد أن كان شابا رياضيا. وبضحكة ساخرة يقول “تبخرت أحلامنا، أفكر في اليوم الذي أعيشه، أما الغد فهو متروك للقدر، وإذا كنا محظوظين فلن يكون أسوأ حالا من اليوم”.
ويضيف عقبة “كل الشباب الذين حلموا بالتغيير للأفضل أصبحوا محبطين، ولذلك باتت الهجرة ملاذنا نحو عالم لم يعد يفتح أبوابه لنا، وللأسف باتت تذكرة السفر مجرد حلم”.
البحث عن الحرية
وفي الوقت الذي كان الشاب -الذي يشير لاسمه بإسماعيل لاعتبارات أمنية- واحدا من قيادات ثورة فبراير، يحاول اليوم أن يتوارى عن الجميع، بعد أن مُنع من الخوض في الشأن العام على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول للجزيرة نت “حلمنا بالحرية وضحينا من أجلها في ثورة 11 فبراير، أُصبت في إحدى المرات بالرصاص الحي من قِبل بلاطجة النظام السابق، لكن اليوم أنا ممنوع من الحديث عن الأوضاع، حتى أنني أتحدث إليك بهوية أخرى”.
ويرجع السبب إلى أن ثلاثة من أفراد أسرته ما يزالون في سجون الحوثيين، متهمين بالانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية، وهي التهمة التي درجت جماعة الحوثيين على إلصاقها بمعارضيها، خاصة من نشطاء حزب الإصلاح.
ويقول عقبة “كنت في عداد المختطفين، لكن وساطة قبلية حالت دون ذلك، وعلى إثر ذلك كتبت تعهدا بأن أتخلى عن نشاطي السياسي”.
ويتمني هذا الشاب -الذي تعدى عمره الثلاثين- أن يغادر اليمن، فالهجرة باتت حلمه المؤجل، غير أنه يخشى أن تتبخر كما تبخرت أماني اليمنيين في ثورة فبراير، فكما يقول “ذهب كل شيء، فالوضع لم يعد يُحتمل”.
ويوافقه مروان الحاج، وهو أحد الشبان الذين شاركوا في أول اعتصام بساحة الثورة، إذ يقول للجزيرة نت “أريد الخروج من هذه البلاد التي ضاقت علينا”.
ويستذكر الحاج أيامه الأولى في ساحة الثورة، وهو يحاول أن يتدثر من البرد في إحدى الخيام المكشوفة قرب ساحة الاعتصام، حيث كانت قوات الأمن المركزي تستعد لاقتحامها والاعتداء على المتظاهرين، لكن إرادته مع رفاقه كانت أقوى.
الهجرة هي الحل
وهاجر معظم شباب الثورة إلى خارج البلاد منذ اندلاع الحرب مطلع عام 2015، واستقر مقام بعضهم في تركيا، وآخرون في القاهرة، في حين آثر معظمهم الهجرة إلى السعودية للبحث عن فرصة عمل.
لكن التضييق الأخير من قِبل السلطات السعودية على العمالة الأجنبية، دفع بعضهم للهجرة غير النظامية إلى أوروبا، وسط ظروف بالغة التعقيد، كما عاد جزء منهم إلى اليمن ملتحقا بالقوات الحكومية في حربها ضد الحوثيين.
ويقول الحاج “لم يعد في اليمن ما يستحق الحياة، إما إن تكون منافقا مع أي طرف في الصراع لتعيش، أو أن تموت وحيدا بهدوء”.
المصدر : الجزيرة