إنهاء المراقبة الدولية في الخليل.. مسمار إسرائيلي في نعش أوسلو
|قبل نحو أسبوعين من حلول الذكرى الـ 25 لمجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بيد أحد المتطرفين الإسرائيليين أنهت إسرائيل عمل بعثة الوجود الدولي المؤقت في المدينة المحتلة بالضفة الغربية، التي تشكلت بعد تلك الجريمة المروعة لمراقبة الأوضاع هناك لنحو عقدين.
ورغم الرفض الواسع لتلك الخطوة التي اتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إرضاء للمستوطنين مدفوعا بالتحضير للانتخابات الإسرائيلية المقبلة، فإنها لقيت دعما وترحيبا أميركيين تجسدا عمليا في حيلولة واشنطن دون صدور بيان “أسف” من مجلس الأمن الدولي للقرار الإسرائيلي.
فما ظروف تأسيس تلك البعثة؟ وما طبيعتها؟ وما المهام المنوطة بها؟ ومن المستفيد من إنهاء عملها؟
مجزرة الحرم
أثناء صلاة فجر يوم الجمعة 15 رمضان 1414هـ الموافق 25 فبراير/شباط 1994، وعند سجود المصلين في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، اقتحم المسجد يهودي أميركي يدعى باروخ غولدشتاين وفي يديه بندقيته الرشاشة وقنابل يدوية، منفذا مجزرة راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات المصابين.
ثبت لاحقاً أن غولدشتاين لم يرتكب المجزرة وحده، بل شاركه فيها جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين أغلقوا باب الحرم حتى لا يتمكن المصلون من مغادرته، ومنعوا كذلك سيارات الإسعاف من الاقتراب من المنطقة، وحين حاول المواطنون نجدة المصلين قابلهم جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص الكثيف، مما أوقع على الفور 29 شهيدا وعشرات الجرحى.
لاقت مجزرة الحرم الإبراهيمي تأييدا من الغالبية العظمى في إسرائيل، وعندما سئل الحاخام اليهودي موشي ليفنغر عما إذا كان يشعر بالأسف على من قتلهم غولدشتاين، رد قائلا “إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني مقتل ذبابة”.
هذا ويعتبر اليهود غولدشتاين بمثابة قديس، كما جعلوا من قبره مزارا، وقد خصص الكيان الصهيوني عددا من جنود حرس الشرف الذين يؤدون له التحية العسكرية كل صباح.
طبيعة البعثة
بعد هذه المجزرة المروعة، جاء تشكيل بعثة الوجود الدولي المؤقت في مدينة الخليل، وهي بعثة مدنية غير مسلحة، بدأت عملها على الأرض عام 1997.
التشكيل
يعمل في البعثة -المعروفة اختصارا باسم “تيف”- 64 موظفا دوليا من الدانمارك والنرويج وإيطاليا والسويد وسويسرا وتركيا، إلى جانب 20 موظفا محليا. وتوظف البعثة مراقبين يتحدثون العربية والعبرية، ومراقبين لهم خلفيات شرطية أو عسكرية.
المهام
لبعثة الوجود الدولي المؤقت عدة مهام تشمل:
– تعزيز الشعور بالأمن لدى الفلسطينيين في الخليل.
– المساعدة على تنمية الاستقرار وخلق بيئة ملائمة للتواصل من أجل تعزيز رفاهية الفلسطينيين في الخليل وتنمية اقتصادهم.
– مراقبة تعزيز السلام والازدهار لدى الفلسطينيين.
– المساعدة في تنمية وترويج وتنفيذ المشاريع المقدمة من الدول المانحة.
– تشجيع النمو الاقتصادي والتنمية في الخليل.
– تزويد التقارير وتنسيق نشاطات البعثة مع السلطات الإسرائيلية والفلسطينية، وتشارك البعثة هذه التقارير كذلك مع الدول الست المكونة لها.
وتحاول البعثة الحفاظ على وجود مرئي في مدينة الخليل، وخاصة في المناطق الساخنة مثل: البلدة القديمة، وتل الرميدة، وطارق بن زياد، وجبل جوهر. كما تسيِّر دوريات ملاحظة ومراقبة يومية للوضع في المدينة.
اتهمات إسرائيلية
هاجمت وزارة الخارجية الإسرائيلية البعثة أكثر من مرة، واتهمتها بتقديم روايات أحادية الجانب حول الأوضاع في الخليل، لكن هذا الاستياء الإسرائيلي من عمل البعثة بلغ ذروته بإعلان نتنياهو يوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي إنهاء عمل البعثة.
الموقف الفلسطيني
رفضت السلطة الفلسطينية القرار الإسرائيلي واعتبرته تخليا عن تطبيق اتفاقيات دولية، وحذرت من أنه سيخلق أجواء من التصعيد والفوضى.
واعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات إنهاء إسرائيل عمل البعثة “بمثابة دق المسمار الأخير في نعش الاتفاقات الموقعة”.
واتهم عريقات الحكومة الإسرائيلية بأنها “تريد استمرار ارتكاب الجرائم وإعطاء الضوء الأخضر للمستوطنين بارتكاب الجرائم واستباحة الدم الفلسطيني دون أي رقابة أو تقارير وبحماية الجيش الإسرائيلي”.
كما أكد أن “إسرائيل بهذه الخطوة تريد القول إنه ليس لأحد تقرير المصير على هذه الأرض إلا لليهود، وكجزء من مشروعها لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية“.
وقالت الخارجية الفلسطينية إن عدم تمديد فترة عمل البعثة الدولية استمرار للسياسة الإسرائيلية في التنكر للاتفاقيات الموقعة والتمرد على الشرعية الدولية وقراراتها ورفضها بالمطلق، ولمنع وجود أي بعد دولي على ساحة الصراع خشية فضح الجرائم والانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال والمستوطنون بحق الشعب الفلسطيني.
واعتبرت أن وقف عمل البعثة إعلان صريح وواضح من جانب الاحتلال عن قراره تهويد البلدة القديمة في الخليل، والسيطرة على مزيد من الأرض الفلسطينية المحيطة بها، وممارسة أبشع أشكال التطهير العرقي للمواطنين الفلسطينيين وتهجيرهم منها، ومضاعفة أعداد المستوطنين فيها.
الموقف الدولي
في 7 فبراير/شباط الجاري تقدمت الكويت وإندونيسيا -العضوان غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي- بطلب إلى مجلس لإصدار بيان يعرب عن أسفه لقرار الاحتلال الإسرائيلي إنهاء مهمة البعثة، واعتبرتا أنه “ليس من حق” إسرائيل إنهاء هذه المهمة.
وتضمن نص المشروع الإقرار “بأهمية بعثة الوجود الدولي المؤقت في الخليل”، و”جهودها الرامية إلى تعزيز الهدوء في منطقة شديدة الحساسية، والوضع الهش على الأرض، الذي يخاطر بمزيد من التدهور”، لكن الولايات المتحدة منعت صدور البيان.
في المقابل أعرب العديد من أعضاء المجلس عن “أسفهم” للقرار الإسرائيلي، وشمل ذلك الأوروبيين مثل بلجيكا وألمانيا وبريطانيا، إضافة إلى روسيا والصين. وقالت النرويج -التي رأست بعثة المراقبة المتعددة الجنسيات على مدى 22 عاما- إن “القرار الإسرائيلي الأحادي الجانب يمكن أن يعني توقف تنفيذ جزء مهم من اتفاق أوسلو“.
المصدر : الجزيرة + وكالات