اكتئاب ما بعد الولادة قد يدفع الأم لقتل طفلها

صفاء علي

هل تخيلت يوما أن تتخلص أم من رضيعها بعد الولادة نتيجة للاكتئاب؟ إنها ليست حالة مزاجية سيئة لفترة مؤقتة بعد الولادة فحسب، وإنما حالة قد تؤدي إلى محاولة الأم لإيذاء نفسها أو معاقبة رضيعها بذنب لم يقترفه.

وتشير إحصاءات إلى أن حوالي 10% إلى 13% من الأمهات يصبن باكتئاب ما بعد الولادة، وفي الحالات الخطيرة تكون معاناة الأم شديدة لدرجة أنها قد تنتحر.

واكتئاب ما بعد الولادة هو اضطراب في المزاج يصيب الأم بعد ولادة طفلها، حيث تشعر الأم بحزن شديد وقلق وإرهاق، ويصبح من الصعب عليها تقديم الرعاية اليومية اللازمة لطفلها أو حتى لنفسها، وذلك وفقا للمؤسسة الوطنية للصحة العقلية في الولايات المتحدة.

ويصيب اكتئاب ما بعد الولادة 15% من الأمهات، وهو قد يبدأ قبل الولادة بقليل أو بعدها مباشرة، ولكنه عادة يبدأ بعد الولادة بأسبوع إلى شهر، وهو حالة خطيرة، إذ في حال عدم علاجه قد يستمر لأشهر أو سنوات، وقد يؤدي إلى عدم توفير الأم للرعاية الملائمة لطفلها مما يقود إلى تعرضه لمشاكل صحية وفي النمو والتطور.

ولا يوجد سبب واضح لهذه الحالة، ولكن يعتقد أنه مزيج من عوامل متعددة، مثل:

  • انخفاض هرمونات الإستروجين والبروجيسترون بعد الولادة، مما يقود إلى تغييرات في كيمياء المخ تحفز تذبذب المزاج.
  • قلة نوم المرأة نتيجة الاعتناء بالطفل.
  • وجود سيرة مرضية للإصابة بالاكتئاب خلال الحمل الحالي أو في حمل سابق.

كما توجد عوامل خطر تزيد احتمالية تعرض المرأة باكتئاب ما بعد الولادة، منها:

  • وجود سيرة مرضية للأم للإصابة بالاكتئاب.
  • وجود سيرة عائلية للإصابة بالاكتئاب أو المرض العقلي.
  • التعرض لحدث صعب خلال فترة الحمل، مثل موت الزوج أو فقدان الدخل.
  • عدم وجود دعم عاطفي كافي من العائلة.
  • حدوث مضاعفات أثناء الولادة، أو ولادة طفل يعاني مشاكل صحية.
  • التعرض للعنف الأسري.

ومعظم الأمهات الجدد يعانين من “الكآبة النفاسية” Baby Blues بعد الولادة، أو ما يُعرف بالكآبة البيضاء، وتصيب المرأة خلالها تقلبات مزاجية مفاجئة، مثل الشعور بالسعادة، ثم الشعور بالحزن الشديد، وقد تبكي دون أي سبب، ويمكن أن تشعر بفقدان صبرها، وسرعة الانفعال، وقد تستمر حالة الكآبة النفاسية بضع ساعات فقط أو لمدة تتراوح من أسبوع إلى أسبوعين بعد الولادة، إلا أن واحدة من بين 10 سيدات يصبن بالاكتئاب الأكثر حدة والأطول أمدا بعد الولادة.

وفي اكتئاب ما بعد الولادة “Postpartum depression (PPD) تستمر الحالة عدة أشهر من ولادة أي طفل، وليس الطفل الأول فقط، وتؤثر غالبا في قدرة الأم على القيام بأداء مهامها اليومية، فتشعر بالإحباط بعد أقل مجهود ورفض للطفل الذي حرمها من حياتها الطبيعية، وقد تضطر إلى إقصائه من حياتها فلا تقوم بواجباتها تجاهه مثل رعايته وإرضاعه.

الضغوط على الأم من المحيطين في هذه المرحلة، وعدم استشارة الطبيب واعتبار سلوكياتها نوعا من التقصير، أمور قد تدفع الأم للانتحار أو إيذاء نفسها وطفلها بمختلف الطرق.

وربما تواجه المرأة التي أصيبت بهذا النوع من الاكتئاب مخاوف من إنجاب طفل جديد، لكن ليس بالضرورة أن تُصاب مرة أخرى، فلكل ولادة ظروفها الخاصة.

ذهان ما بعد الولادة Postpartum Psychosis
وهو حالة نادرة يصيب واحدة من كل 1000 سيدة خلال الأشهر الأولى بعد الولادة، وتتضمن أعراضه هلوسة سمعية وبصرية وأوهاما، تصاحبه أعراض أخرى كعدم القدرة على النوم والشعور بالغضب.

وتحتاج النساء اللواتي يعانين من ذهان ما بعد الولادة إلى العلاج على الفور ويحتجن دائما إلى الرعاية الصحية ومراجعة الطبيب المختص، لأنهن معرضات لخطر إيذاء أنفسهن أو شخص آخر.

بماذا تشعر المرأة؟
“أنا مُتعبة، أنا أم سيئة، لماذا أنا حزينة، أكره طفلي هو السبب في كل ما أعيشه من ضغط لماذا لا أتخلص منه، لماذا لا أتخلص من حياتي، أنا أم سيئة وزوجي يستحق امرأة أفضل مني وطفلي يستحق أم أفضل مني، لماذا أنا حزينة يجب أنا أكون سعيدة بأمومتي؟”.

تشعر الأم بالذنب تجاه طفلها ويرادوها دائما سؤال لماذا جاءت به إلى العالم، كما تضطرب علاقتها بالآخرين وتشعر بالانفصال عنهم، وتفقد اهتمامها بنفسها، ورغبتها في الحياة.

وربما لا تشعر الأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة بكل هذه الأعراض مجتمعة بالضرورة، فيكفي أن تصاب بمجموعة منها ليشخِّص الطبيب الإصابة ومداها.

ويخبرنا العلم أن اكتئاب ما بعد الولادة غالبا لا يدرك بسبب التغيرات في النوم والشهية والسلوك التي تُصاحب الولادة عادة، وغالبا ما تعاني النساء في صمت على أمل أن تتحسن الأمور، وتفيد التقارير البحثية بأن حوالي 50% فقط من النساء المصابات يحصلن على العلاج.

كيف التعامل؟
يجب تقييم حالة الأم طوال فترة الحمل وما بعد الولادة، وهو إجراء تتخذه بعض الدول المتقدمة. كما يمكن لكل امرأة اختيار ما يناسبها من رياضات للممارسة أثناء الحمل وبعد الولادة، إذ قد يكون للرياضة دور في تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب.

ولا بد أن تتلقى الأم خاصة الصغيرة في السن التغذية الكافية والمفيدة، وكذلك الكلمات التشجيعية والدعم من شبكة الأصدقاء والأهل في رعاية المولود لكي تستطيع الحصول على قدر كاف من النوم.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *