رئيس “حمس”: لن نكون “أرانب سياسية” وسنفوز إن توفرت النزاهة
|حاورته/فاطمة حمدي-الجزائر
رفض الدكتور عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) الحزب الإسلامي في الجزائر استخدام البعض عبارة “الأرانب السياسية” بخصوص قادة الأحزاب والشخصيات “التي تترشح لانتخابات مزورة”، مؤكدا ثقته في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل/نيسان المقبل “إن كانت حرة ونزيهة”.
وقال مقري في حوار مع الجزيرة نت إن “الانتخابات الجارية جاءت في ظرف استثنائي”، مشيرا إلى أن قرار مجلس الشورى لـ”حمس” جاء “ليؤكد أننا معنيون بالانتخابات الرئاسية، وترشح (الرئيس الجزائري عبد العزيز) بوتفليقة شيء غير معقول بسبب حالته الصحية المتدهورة”.
وتابع “ترشحنا هو تعبير عن رفضنا للعهدة الخامسة، نحن حينما ننسحب من الانتخابات نكون قد قدمنا خدمة للنظام لأنه يريد إبعادنا عن الساحة، إذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة فإن حظوظنا في الفوز بالرئاسيات ثابتة سواء إن ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة أو ترشح آخرون”.
وقال إنه “لم يحدث أي نوع من الجدال حول موضوع من سيكون مرشح الحركة غير رئيسها، لأن العرف في الجزائر أن يترشح رئيس الحزب، وحالة الثقة بين رئيس الحركة وأعضاء مجلس الشورى كبيرة وترشيحه كان بالإجماع”.
خيار مقاطعة الانتخابات
ونفى مقري “أن يكون حزبه قد تأخر في إعلان ترشحه للانتخابات مقارنة بالأحزاب الأخرى”، مشيرا إلى أن “الحركة كانت مجتهدة في السعي لمبادرة التوافق الوطني التي أطلقتها منذ الصيف الماضي”، مضيفا “حاورنا مختلف الأطراف سلطة ومعارضة عبر أكثر من خمسين جلسة دون جدوى، وحين لم يتحقق التوافق أعلنا الترشح”.
وقال مقري “هناك إستراتيجية قديمة لتيئيس قوى التغيير من المشاركة في الانتخابات لكي يجعل النظام السياسي أحزابه تتداول يوما ما على السلطة دون حاجة إلى التزوير في غيابنا، ونحن لا يمكن أن نسمح لهم بذلك، سنشارك في الانتخابات حتى يتوقفوا عن التزوير أو يبقوا يعانون من اللاشرعية أو الشرعية المعطوبة بسبب التزوير الذي يلجؤون إليه حين نكون حاضرين في الانتخابات”.
حظوظ الحركة
وعن حظوظ الحركة في رئاسيات 2019، قال المتحدث “نحن نتنافس للفوز، وإن كانت الانتخابات حرة ونزيهة حظوظنا في الحكم كبيرة”، نافيا أن يكون لأحزاب السلطة قاعدة شعبية، متسائلا “إن كان هذا الطرح سليما فلماذا يتم تزوير الانتخابات في الجزائر؟ ولماذا يرفضون تشكيل لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات؟”.
وقال الدكتور مقري إن “التزوير في الجزائر بات أمرا مفروغا منه، والاعتراف بحدوثه من قبل جميع الأطراف أكبر دليل”، مضيفا “حتى رئيس الحكومة شكا علانية من التزوير، بل ثمة مسؤولون صرحوا لوسائل الإعلام بأن التزوير يتم من أجل المصلحة الوطنية، ولا اختلاف على هذه القناعة، موالاة ومعارضة”.
تزوير الانتخابات
ونفى السياسي الجزائري أن يكون للمراقبة الدولية للانتخابات دور في الحد من التزوير، مطالبا بإنشاء لجنة وطنية مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات.
واعتبر ذلك الحل الوحيد في بلاده حاليا من الناحية التقنية، وأن الضمان الحقيقي للكف عن التزوير هو الإرادة السياسية التي يدفع إليها تطور ميزان القوة لصالح المعارضة، وهو أمر آت لا محال بسبب تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الجزائر والمقاومة السياسية الثابتة من المعارضة.
وأشار مقري إلى أنه “لا توجد شفافية في تسيير الشأن العام ولا توجد رقابة ولا يوجد توازن بين المؤسسات، وعلى الرغم من وجود هوامش للحريات في الجزائر فإنها غير كافية تماما لمكافحة الفساد والوصول إلى تداول حقيقي على السلطة، هناك نقائص كبيرة وثغرات واسعة في معايير الديمقراطية، واستمرار هذا الحال خطير على مستقبل البلد ولذلك نسعى لتحقيق انتقال ديمقراطي سلس متفق عليه”.
وعن طرح انسحاب الأحزاب المعارضة في الجزائر من الانتخابات رفضا لما تصفه بالتزوير، قال المتحدث “نحن نفعل ما فعلته أحزاب معارضة كثيرة في بلدان مرت بنفس التجربة التي نمر بها، وهو ما نسميها المقاومة السياسية حتى تتوفر الظروف المساعدة على تحقيق الديمقراطية”.
وأكد أن موقف الحركة يشبه موقف حزب الشعب الجزائري قبل اندلاع الثورة التحريرية حين كان يشارك في انتخابات المجالس التي كانت الإدارة الاستعمارية الفرنسية إلى أن انتقلت الحركة الوطنية إلى رؤية أخرى وهي الثورة”.
وأشار إلى أن حركة مجتمع السلم كان يمكن أن تقاطع الانتخابات احتجاجا على التزوير لو قررت كل المعارضة ذلك للانتقال جماعيا إلى أساليب سلمية أخرى للضغط على النظام السياسي، وهذا لم يحدث إلى الآن”.
وعن أبرز سبل التزوير في بلاده، قال مقري إن “أساس التزوير هو إخفاء حقيقة الكتلة الناخبة، وهي الملاحظة الأساسية التي سجلتها لجنة الاتحاد الأوروبي سابقا، حيث تصب أرقام وهمية لصالح أحزاب الموالاة، و يتم التصويت المتكرر، إلى جانب إقحام أسماء أموات لا يشطبون من السجلات”، كاشفا عن “تورط بعض القضاة في عملية التزوير، حيث يقومون بتغيير نتائج المحاضر بعض الأمثلة منها بلدية برج الكيفان في الجزائر العاصمة في التشريعيات السابقة”.
مبادرة التوافق
وعن مبادرة التوافق الوطني، قال رئيس “حمس” إن مبرراتها هي عمق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة بالجزائر بحيث لا يستطيع أي رئيس وحده أو حكومة وحدها مواجهتها.
وتهدف المبادرة إلى اتفاق السلطة والمعارضة على رؤية للإصلاحات الاقتصادية والسياسية ثم الاتفاق على مرشح للانتخابات الرئاسية يقود هذه المبادرة مع حكومة توافقية لمدة خمس سنوات.
وقال في السياق “عرضنا هذه الفكرة على الأحزاب المعارضة الأساسية وأحزاب الموالاة وكدنا أن نحقق نتيجة لولا غياب الثقة وطغيان الأنانية”، مؤكدا أن “حزبه هو الوحيد الذي أبدى استعداده للتنازل”.
وفي الخصوص ذاته، استغرب مقري من عدم تقديم أحزاب الموالاة مرشحها رسميا لحد الآن، معتبرا ذلك أمرا مثيرا للتساؤل، وأرجع ذلك لمرض الرئيس الشديد.
وقال إن ما يحدث قد يكون خطة تسير وفقها أحزاب الموالاة والجهات المتحكمة لإبعاد المنافسين الفعليين.
وأرجع الدكتور مقري التأخر أيضا إلى احتمالية “وجود صراع داخل أذرع السلطة حول هوية خليفة بوتفليقة، لأن كل المعطيات تشير إلى أن الضبابية التي تسود الساحة السياسية في الجزائر سببها خلاف على أعلى مستوى”.
أزمة الجزائر
وعبر مقري عن تخوفه مما وصفها بالمرحلة الأخيرة والمستقبلية التي تعيشها البلاد، “حيث تم إهدار أكثر من ألف مليار دولار في عشرين سنة دون الوصول إلى تحقيق التنمية وبقيت الجزائر معتمدة بنسبة 98% على مداخيل العملة الصعبة من البترول والغاز”.
وأضاف أنه في 2021 لن يبقى في احتياطي الخزينة من الصرف سوى 35 مليار دولار بعدما كان في حدود 180 مليار دولار سنة 2014.
وحذر من أن الدولة ستضطر للعودة إلى الاستدانة في أفق 2022، لأنها ستلجأ إلى ما تبقى من احتياطي الخزينة وسحب عشرين مليار دولار كل سنة لضمان توازن الميزانية، مضيفا “هذا إذا وجدت من يقرضها لأنها ستكون أمام صندوق النقد الدولي بلدا غير قادر على تسديد ديونه”.
واعتبر أن ذلك “سيجعل أطرافا خارجية تستغل الظرف للسيطرة على البلد وإلغاء سيادته على قراره بل على أرضه”.
وقال مقري إن هذا الوضع الذي قد تصل إليه الجزائر خلال السنتين المقبلتين سيجعلها “عاجزة على تغطية الواردات فتقع لدينا ندرة في المواد الأساسية والمواد الأولية كما سينهار الدينار”.
وشبه مقري وضع الجزائر عندئذ بما تمر به “فنزويلا الذي يعتبر بلدا بتروليا كبيرا وصل إلى الإفلاس، وباعتبار عدم وجود بلدان مغرية للهجرة على الحدود الجزائرية ستتعاظم مشكلة قوارب الموت نحو أوروبا”.
برنامجه الانتخابي
وعن برنامج حزبه في حال اعتلائه رئاسة الجزائر، قال “سنعمل على تحقيق التوافق الوطني بمشاركة كل مكونات الساحة السياسية والمجتمعية دون إقصاء، نحن نعيش أزمة اقتصادية تستوجب عملا جادا وفق رؤى متفق عليها وحكما راشدا، ويمكننا حل مشكلة رؤوس الأموال الضرورية للتنمية في حال عدم توفر ما يكفي من مداخيل المحروقات بتوفير بيئة أعمال مناسبة لجذب المستثمرين في الفرص الكبيرة المتاحة في الجزائر في المجالات الزراعية والصناعية والخدمات”.
وأضاف “نطمح إلى تحقيق الأمن الغذائي والخروج من التبعية”.
وعن برنامج حزبه السياسي أشار “لدينا رؤية سياسية متمثلة في التوافق الوطني، إلى جانب خطة اقتصادية تفصيلية أعدها خبراؤنا في اللجان القطاعية المتخصصة وقد صدرت في وثيقة “البرنامج البديل” بما يتناسب مع الوضع الراهن.
تغيير الدستور
وفي رده على من يعتبر تغيير الدستور في الجزائر أصبح “ظاهرة متكررة”، قال مقري إن الوثيقة الدستورية الحالية أسست لنظام سياسي شاذ لا هو نظام رئاسي ولا نظام برلماني ولا نظام شبه رئاسي، الدستور الحالي يعطي صلاحيات إمبراطورية للرئيس دون أن يتحمل هذا الأخير مسؤولية تسيير الحكومة وتحمل تبعات الفشل إن وقع”.
وتابع “نحن سمينا التعديل الأخير مسخا دستوريا، ولذلك وجب القيام بإصلاحات دستورية عميقة للانتقال إلى نظام برلماني أو شبه رئاسي ولتعديل القانون الانتخابي، بوتفليقة أنتج دستورا لنفسه خلال عهداته المتتالية ولكن هذه المرة يجب إقامة دستور للبلاد في عهدنا وما بعدنا”.
وعن ربط اسم حزب “حمس” ومقارنته في كل المناسبات بالنظام في تركيا، رفض مقري حصرية المقارنة مع النموذج الاقتصادي والسياسي التركي، معتبرا ذلك مجرد مبالغة إعلامية، مؤكدا أنه أقرب إلى النموذج الماليزي، علما أنه أمين عام منتدى كوالالمبور الذي يرأسه مهاتير محمد.
وأضاف أنه مطلع على تجارب دول كثيرة كانت في نفس مستوى الجزائر وتطورت مثل ماليزيا وتركيا وإندونيسيا بين البلدان الإسلامية، وفيتنام وبولونيا في الدول التي كانت في المعسكر الشرقي وكذلك البرازيل وجنوب أفريقيا.
علمانية الجزائر
وعن احتمالية اعتماد الحزب الإسلامي في الجزائر على النموذج العلماني في تسيير البلاد، قال مقري “لكل بلد مرجعياته وخصوصياته وتاريخه، الثورة التي حررت البلد حددت طبيعة وهوية الدولة المتمثلة في بناء دولة جزائرية ديمقراطية اجتماعية شعبية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية”.
وأكد مقري أن حزبه لن يخالف السياق التاريخي لبلاده “نحن دولة نوفمبرية وطنية”.
وعن الهوية السياسية لبلاده قال إن الجزائر ليست دولة إسلامية بالمفهوم الشائع إعلاميا، مشددا على أهمية انتقاء المصطلحات.
وأوضح أن” الجزائر دولة مسلمة لأن شعبها مسلم”، معتبرا أن مسألة الهوية في الجزائر محسومة، وأن من يزالون يبحثون في مسألة الهوية السياسية للدولة الجزائرية أقلية، بالنسبة لنا هذه المسألة حسمها بيان أول نوفمبر”.
وقال مقري إن “أحزاب المعارضة في الجزائر لا تريد الاتفاق على رأي واحد بشأن الانتخابات الرئاسية، مؤكدا أن حركة مجتمع السلم اقترحت على كل الأحزاب السياسية المعارضة تقديم مرشح يمثلها ولكنها لم تتوصل إلى ذلك”.
وأضاف “نحن على استعداد لأن نتنازل للمعارضة إن اتفقت على مرشح واحد أو في حال تحقق التوافق الوطني بين السلطة والمعارضة”.
“الثورة” ليست خيارنا
وعن احتمالية لجوء حمس إلى “ثورة” ردا على تصريحات الجنرال المتقاعد علي غديري الذي دعا الشعب “للقطيعة مع النظام”، قال مقري “عملنا عمل سياسي سلمي ولا يمكن أن نتجاوز ذلك، ومن لديه الثورة كمشروع هو حر في ما يريد”.
وفي ختام حديثه، دعا مقري أحزاب السلطة والمعارضة إلى التوافق الوطني للانتقال الديمقراطي السلس في الجزائر بالنظر إلى المخاطر التي تهدد البلد والتي قد تجعل السلطة في مواجهة الشارع في آجال غير بعيدة إن بقيت في تعنتها ورفضها للتوافق الوطني والانتقال الديمقراطي.
المصدر : الجزيرة