مؤتمر دولي.. الدوحة تحيي الذكرى السبعين لمشروع مالك بن نبي النهضوي
|أحمد دعدوش-الدوحة
سبعة عقود مرت على صدور الكتاب المرجعي “شروط النهضة” للمفكر الجزائري مالك بن نبي، وما زالت أسئلة النهوض التي شغلت عقل هذا المفكر الكبير تشغل الأجيال المعاصرة، ما دفع جامعة حمد بن خليفة في الدوحة لاستضافة مؤتمر دولي للتذكير بهذا المشروع الفكري المتجدد الذي يبدو كأنه قد كتب لواقعنا المتأزم اليوم.
وعلى مدى ثلاثة أيام استضافت الجامعة عشرات المفكرين والباحثين لتسليط الضوء مجددا على مشروع بن نبي النهضوي، وكان الختام مساء اليوم الاثنين.
وفي حديث للجزيرة نت، قالت رحمة بن نبي ابنة المفكر الراحل إن مشروع والدها لم يفهم في وقته لأنه كان سابقا لعصره، فكان على سبيل المثال من أوائل الذين تحدثوا عن العولمة والحضارة الإنسانية في وقت مبكر، كما أن الواقع السياسي للاحتلال الفرنسي -الذي كتب بن نبي أفكاره في ظله- كان قد زرع في عقول الكثير من الجزائريين الشعور بالدونية، فسعى بن نبي إلى إقناعهم بأن “القابلية للاستعمار” ليست سوى مرض قابل للعلاج.
وأبدت الدكتورة رحمة -التي قدمت ورقة عن شروط النهضة في ما بعد الحداثة- تفاؤلها بأن يفهم فكر والدها من قبل الجيل المعاصر، ولا سيما أن أفكاره قد تجاوزته ولم تعد مرتبطة بشخصه، بل أصبحت أفكارا مستقلة تلقى رواجا في معظم أرجاء العالم الإسلامي.
رحمة بن نبي تقدم ورقة في المؤتمر (الجزيرة) |
وعلى هامش المؤتمر، قال رئيس اللجنة المنظمة الدكتور بدران بن لحسن للجزيرة نت إن هدف المؤتمر هو إحياء الأسئلة التي شغلت المصلحين والمجددين من رواد الفكر الإسلامي في القرن الماضي، وهي أسئلة التخلف والنهوض.
واعتبر بن لحسن أن أطروحة بن نبي تتميز بتشخيصه الواقعي لمختلف المقاربات التي طرحت لدى الأمم بشأن النهضة، فضلا عن اقتراحه مشروعا يتجاوز حدود الدول القومية والصراعات المذهبية ولا يكتفي باتخاذ ردود الفعل على المشاريع الغربية.
بن لحسن: بن نبي أكد أن الحضارة الغربية أوصلت البشرية إلى إخفاق الضمير (الجزيرة) |
وأضاف أن الرؤية الحضارية لدى بن نبي تنظر للحضارة برؤية كلية ولا تهمل التفاصيل الجزئية، وأنه اهتم بالولاء للإسلام بطريقة نقدية فكان يرى أن التاريخ الإسلامي على الرغم من كل ما فيه من الفضائل تكمن فيه أيضا العديد من الأسباب التي تكرس تخلفنا.
لكن بن نبي -بحسب أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة حمد- شدد في مشروعه على أن الحضارة الغربية التي أنجزت تقدما تكنولوجيا فريدا لا تمثل النموذج المطلوب، فقد أوصلت البشرية إلى حالة من إخفاق الضمير، وعلينا أن نتخلص من عقدة النقص تجاهها عبر مقاربة الفهم والتمييز بين الإيجابيات وعوامل الإخفاق والتعلق بالمادة، وهذا لا يحدث إلا بجهود قصدية لا عشوائية، وعبر الاهتمام بالإنسان المأزوم نفسه.
أطروحات ونقاشات
انطلق المؤتمر صبيحة السبت برعاية رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع الشيخة موزا بنت ناصر، واستضاف المنظمون ضيوف الشرف في جلسة نقاشية، وهم أنور إبراهيم نائب رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، ورئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، والمؤسس المشارك لحزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، حيث قدم كل منهم رؤيته لمشروع بن نبي.
وفي انعكاس عملي لمشروع بن نبي على الواقع الإستراتيجي المعاصر اقترح رئيس المؤتمر عماد الدين شاهين أن تتبنى الدوحة وإسطنبول وكوالالمبور وتونس مشروعا دوليا للنهضة بحيث يأخذ على عاتقه مهمة تطوير برامج تطبيقية لإدماج الشباب وهيئات المجتمع المدني والأهلي في الخطط النهضوية لهذا المحور الجيوإستراتيجي.
إبراهيم زين أحد منظمي المؤتمر (يسار) يقدم مداخلة (الجزيرة) |
وفي اليوم الثاني، ناقش باحثون مرموقون من دول عدة ثلاثة أسئلة، هي سؤال المنهجية والمصطلح، وسؤال الإيمان والحرية، وسؤال الثقافة والتنمية.
ومن بين الأطروحات المهمة تحدث الأستاذ في جامعة إيابدان في نيجيريا الحافظ الدوسو عن تميز بن نبي في حواره مع التاريخ الإسلامي لاستنباط الأمراض وتشخيص علاجها الذي أثمر كتابه “شروط التجديد” الصادر عام 1949.
كما تحدث المفكر المغربي عبد السلام باجي عن الروح الدينية الفعالة في فكر بن نبي، فهي عنده مبتدأ الحضارات ومنتهاها، فعندما تنتهي الفكرة الدينية من أي مجتمع تفقد الروح هيمنتها على الغرائز المكبوتة وتبدأ رحلة الانهيار.
أما المفكر الجزائري عمار جيدل فركز في ورقته على أن بذور التحضر كامنة في الإيمان الأصيل، وهو الإيمان الذي عرفه جيل التنزيل (الصحابة)، موضحا أن بن نبي ميز بين معارف الإيمان والمعارف الإيمانية سعيا للتركيز على الإيمان الباعث على الحضارة.
إحدى جلسات اليوم الختامي من المؤتمر (الجزيرة) |
اليوم الختامي
وفي اليوم الثالث والأخير، ركز المؤتمر على أسئلة التاريخ والذاكرة، والعلاقة مع الحضارة الغربية، والمستقبل والوحدة.
ومن السودان، تحدث المفكر عبد الرحمن أحمد عثمان عن حاجتنا لإعادة تشكيل العقل المسلم بعدما غلبت عليه فكرة التعلق بالمادة، وقال إن بن نبي كان ينتقد استيراد الأفكار المميتة بدلا من الأفكار الحية المنتجة، معتبرا أن الأخيرة تماثل القيم العليا التي أحياها الإسلام كالصدق والأمانة والعدل.
من جهة أخرى، قدم الباحث الجزائري عبد القادر بخوش ورقة عن مقولات الاستغراب لدى بن نبي، وقال إن المراد به هو الدراسة القصدية المنظمة لدراسة الغرب على غرار الاستشراق، حيث كان بن نبي يشدد على ضرورة معرفة الغرب معرفة مؤسساتية لا عشوائية، وكان له السبق في طرح هذا المبدأ الذي يلقى رواجا اليوم.
المصدر : الجزيرة