تحيا مصر.. الحديقة الخلفية لاقتصاد السيسي الموازي
|وفي احتفالية للصندوق الأحد الماضي شكر السيسي المتبرعين على المساهمة في الصندوق الذي تغيب عنه المراقبة المالية بعد قرار رئاسي شرعنه البرلمان المصري عقب عام من التأسيس، وفق مراقبين.
ومنذ تدشين الصندوق حملت دعوات التبرع وعودا ضخما من رجال أعمال بالتبرع بملايين الجنيهات لم يتسن التأكد من جديتها، وذلك بالتوازي مع حملات قادها السيسي بنفسه بدعوة الفقراء للتبرع بـ”الفكة ومصروف طلبة المدارس”، بخلاف حديث تقارير إعلامية عن ابتزاز وإجبار مشاهير ومسؤولين على دعم الصندوق.
بلا رقابة
تعود نشأة الصندوق إلى يونيو/حزيران 2014 حين أعلن السيسي تنازله عن نصف راتبه البالغ 42 ألف جنيه مصري وعن نصف ما يمتلكه من ثروة لصالح مصر.
ولاحقا، أعلنت الرئاسة المصرية تدشين صندوق “تحيا مصر” تفعيلا لمبادرة السيسي لدعم الاقتصاد وأنشأت حسابا بنكيا لتلقي مساهمات المصريين تحت إشراف مباشر منه، مشيرة إلى أن الصندوق سيخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
وظهر السيسي في أحد البنوك وهو يحمل حقيبة معلنا عن تبرعه للصندوق ليتبعه الكثير من المسؤولين والمشاهير في لقطات مشابهة.
ولم يتم العمل بالصندوق رسميا إلا بعد عام من إطلاق المبادرة وتحديدا في يوليو/تموز 2015 حين نشرت الجريدة الرسمية -ليكون قانونا ساري المفعول- أن الصندوق له شخصية اعتبارية ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري.
وبموجب القرار الرئاسي الذي أقره مجلس النواب ألغيت الرقابة المالية على الصندوق ضمنيا بعيدا عن الموازنة العامة للدولة.
وفي يوليو/تموز 2014 نقل موقع “فيتو” المقرب من السلطات عن مسؤول مصرفي بالبنك المركزي قوله إن “الصندوق فرض على حساباته نوعا من السرية لعدم الكشف عن الحسابات التي ستعرض دوريا على السيسي”.
إدارة الظل
وفقا للموقع الإلكتروني للصندوق، فإن إدارته تضم قادة عسكريين سابقين وحاليين إلى جانب وزيرة الاستثمار سحر نصر، وعضوية المفتي السابق علي جمعة، ورجلي الأعمال محمد الأمين ونجيب ساويرس.
لكن تقارير صحفية تؤكد أن إدارة الصندوق تخضع فعليا لمكتب السيسي مشاركة مع الجيش الذي أعلن سابقا تبرعه بمليار جنيه (الدولار حوالي 18 جنيها) للصندوق.
وحاولت الجزيرة نت التواصل مع عدد من المسؤولين المعلنين عن الصندوق، لكنهم رفضوا الإدلاء بتصريحات عن طبيعة التبرعات، في حين اكتفى المدير التنفيذي الحالي للصندوق إبراهيم كرم في تصريح مقتضب بالتأكيد على أنه من الصناديق السيادية.
وطالب في تصريحه للجزيرة نت بالرجوع إلى المتحدثين الإعلاميين باسم الصندوق لمعرفة نشاطاته، والذين لم يتسن التواصل معهم.
كما تحفظ خبراء اقتصاد على الإدلاء برأيهم بشأن موارد الصندوق وطبيعة نشاطه، واكتفى أغلبهم بالتأكيد على أنه “سيادي وقائم على السرية التي تمتلكها فقط الأجهزة السيادية التي تديره”.
وهو ما يدفع للتساؤل: هل يتم الإنفاق على المشروعات الكبرى من أموال الصندوق، خاصة المشروعات التي يعتبرها السيسي أهم إنجازاته، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة التي تقول الحكومة إنها لا تتحمل تكاليفها.
وخلال افتتاح بعض المشروعات شاهد المصريون السيسي وهو يطمئن الوزراء والمسؤولين بأنه سيوفر التكاليف المطلوبة، دون أن يعرف أحد من أين يأتي السيسي بالأموال.
وهو ما دفع الإعلامي المقرب من السلطة عمر أديب للتساؤل “من أين يأتي السيسي بأموال المشروعات الكبرى؟”.
أرقام متضاربة
خلال الأربع سنوات ونصف السنة هي عمر الصندوق لم يصدر بيان رسمي واحد يكشف حجم التبرعات بدقة بخلاف تصريحات متضاربة غابت عنها الإحصاءات الرسمية، وهو ما جعل مراقبين يطلقون عليها “أحد أسرار الأمن القومي بالبلاد”.
وخلال تلك الفترة تناولت تقارير محلية إجمالي الأرقام التي تراوحت منذ تدشينه بين 4 و10 مليارات جنيه على الرغم من إعلان السيسي أن المستهدف من الصندوق جمع مئة مليار جنيه.
والأحد الماضي، قال السيسي خلال احتفالية للصندوق إنه تلقى وعدا من الأمين العام للصندوق محمد أمين بوضع مئتي مليار جنيه فيه، دون أن يوضح الكيفية التي سيتم بها ذلك.
هذه الأرقام المتضاربة لم تبين تحديدا حجم المصروفات على المشاريع التي أعلن الصندوق تبنيها أو إذا كانت حصيلته النهائية التي توجد به.
ويشير الموقع الإلكتروني للصندوق إلى أنه قائم على خمسة برامج تقوم على تطوير العشوائيات والقرى ودعم الفقراء والرعاية الصحية والأزمات، إلى جانب دعم البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، وخلال الاحتفالية التي حضرها السيسي مؤخرا احتفالا بالصندوق تم عرض فيلم تسجيلي يتناول أبرز أعمال الصندوق.
فكة و”صبّح بجنيه”
لا يترك السيسي فرصة إلا ويطالب فيها المصريين بالتبرع حتى ولو بجنيه، بدأها بمبادرة “صّبح على مصر بجنيه” لجمع أربعة مليارات جنيه في السنة، وذلك في خطاب قال فيه “والله العظيم لو ينفع اتباع اتباع علشان خاطر مصر”.
وفي سبتمبر/أيلول 2016 طالب السيسي بالتبرع بشكل دائم بـ”الفكة” التي يصعب سحبها من الحسابات البنكية لدعم العشوائيات.
وفي أواخر 2016 قادت انتصار السيسي زوجة الرئيس المصري حملة تبرع للصندوق في مشهد أثار حفيظة مغردين إزاء الأزياء والحلية باهظة الثمن التي ظهرت بها، في مقابل مطالبة الأسر الفقيرة بالتبرع بجنيهات معدودة لدعم الاقتصاد.
حملات ابتزاز
منذ إنشاء الصندوق صيف 2014 تحدث مراقبون عن إجبار مشاهير ورجال أعمال على التبرع، لكن لم يصدر أي تصريح من هؤلاء يؤكد أو ينفي تلك الأخبار.
وما يؤكد هذه الفرضية حديث السيسي نفسه أثناء تدشينه مشروع محور قناة السيسي حين خاطب رجال الأعمال قائلا “هتدفعوا يعني هتدفعوا، باقول أهو هتدفع يعني هتدفع، خلي بالك يعني إيه صندوق أنا أشرف عليه؟”.
ومن أبرز هذه الوقائع قيام طائفة “البهرة” بالتبرع بثلاثين مليون جنيه لصالح الصندوق، لتجنب الدعوات التي كانت تطالب بحظر نشاطها في البلاد.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي أثار إعلان الداعية الشهير محمد جبريل تبرعه بثلاثة ملايين جنيه للصندوق جدلا وتساؤلات بشأن دوافعه، وهل جاء تحت ضغوط أمنية أم بمبادرة شخصية كونه جاء بعد نحو شهر من عودته إلى مصر وتوقيفه لساعات في المطار، حيث قضى سنوات عدة بالخارج إثر منعه من الإمامة والخطابة في المساجد المصرية بتهمة استخدام الدعاء في الأمور السياسية، وهي ما عرفت إعلاميا بقضية “الدعاء على الظالمين”.
كما استقبل السيسي نجم كرة القدم المصري محمد صلاح، وقالت وسائل الإعلام إن اللقاء جاء عقب تبرع صلاح بخمسة ملايين جنيه لصندوق “تحيا مصر”، لكن صلاح كشف في لقاء تلفزيوني أنه لم يكن يعلم سبب اللقاء.
الرز الخليجي
في فبراير/شباط 2015 كشف تسريب من مكتب السيسي عندما كان وزيرا للدفاع عن حجم المنح المالية الخليجية لمصر التي قدرها مدير المكتب عباس كامل بأنها تتجاوز ثلاثين مليار دولار.
آنذاك أكد كامل للسيسي في التسريب أنه يبذل جهودا كبيرة مع رجال الأعمال لحثهم على دعم “اقتصاد البلاد المتدهور” ضمن مخطط يبدو أن صندوق “تحيا مصر” سيكون بذرته الأولى، بحسب مؤشرات عدة.
غير أنه لا يعرف على وجه الدقة ما إذا كانت الأموال الخليجية تدخل ضمن نطاق الصندوق أم لا، حيث طلب السيسي أن تحول المساعدات إلى حساب خاص بالجيش خارج الموازنة العامة للدولة حتى يتمكن السيسي من التصرف فيها بحرية بعد فوزه بالرئاسة مع وضع “قرشين” في البنك المركزي.
فهل دخلت هذه الأموال ضمن حسابات صندوق “تحيا مصر” وينفق منها السيسي على المشروعات التي يستخدمها للتسويق لإنجازاته؟
المصدر : الجزيرة