الاعتقال السياسي رحى تدور وتؤرق الفلسطينيين

الجزيرة نت

لثمانية أيام أضربت الفلسطينية خديجة فتاش (أم نضال) عن الطعام رفضا لاعتقال نجلها “سياسيا” على أيدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مدينة سلفيت بالضفة الغربية مطلع الشهر الجاري، ونقلت للمشفى بعد أن ساءت حالتها الصحية.

ظلت خديجة (50 عاما) على هذه الحال حتى أفرج عن نجلها بعد عشرة أيام من اعتقاله، لكن فاجعتها لم تنته، فاعتقاله مجددا أمر وارد وهي لا تكاد تحصي عدد المرات التي استدعي واعتقل فيها أبناؤها وزوجها الذي توفي قبل عدة أشهر.

تقول أم نضال إن تجربتهم مع الاعتقال السياسي مريرة للغاية وقد صاروا “هدفا دائما” للأجهزة الأمنية، حيث اعتقل كل من ابنيها نضال ومراد لأكثر من شهرين، بينما اعتقل زوجها أضعاف ذلك وحرم من وظيفته.

ولم يسلم أبناء أم نضال أو غيرهم من المعتقلين سياسيا من إعادة اعتقال الاحتلال الإسرائيلي لهم، وهو ما يعرف بسياسة “الباب الدوار”، بحيث يتبادل الاحتلال وأجهزة الأمن الفلسطينية تلك الاعتقالات.

المأساة ذاتها يواجهها الشاب (أ. ق) في غزة من اعتقال واستدعاء لدى جهاز الأمن الداخلي، فما إن يفرج عنه حتى يُستدعى ثانية أو يتم اعتقاله، والسبب هو ممارسته عمله “بشيء من الحرية” كما يقول.

تبادل الحملات
تتبادل الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة حملات الاعتقال السياسي، وتتبادل معها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) الاتهامات بشن كل طرف حملة اعتقالات على عناصر وكوادر الطرف الآخر، وكلاهما يرفضان أن يسمياه اعتقالا سياسيا، لكنه كذلك وفق ما يقوله كل من تجرع مرارته.

ويتصاعد الاعتقال السياسي بين الطرفين في المناسبات والفعاليات التي تخص كلا منهما، كما تُمنع إقامة النشاطات الحزبية كعقاب إضافي.

وفي الضفة تزيد الاعتقالات والانتهاكات وتتصاعد -وفق ما تقوله لجنة أهالي المعتقلين السياسيين- بالتزامن مع عمليات المقاومة ضد الاحتلال، استجابة للتنسيق الأمني.

وتذكر اللجنة في تصريح للجزيرة نت عبر الإنترنت أنها سجلت أكثر من أربعة آلاف انتهاك للأجهزة الأمنية في الضفة الغربية خلال عام 2018، منها 1251 اعتقالا سياسيا و949 استدعاء للتحقيق وأكثر من 400 احتجاز، إضافة إلى مداهمات المنازل وقمع الحريات وقطع رواتب موظفين.

وتضيف اللجنة أن الاعتقالات السياسية طالت نحو 800 أسير محرر من سجون الاحتلال، وطلبة جامعات ونشطاء ومحاضرين جامعيين، وأن مدينة الخليل كان لها نصيب الأسد من ذلك، ومن أكثر من 130 حالة اعتقال سياسي سجلت منذ بداية العام الجاري وطالت نحو مئتي مواطن.

طلاب من جامعة النجاح بنابلس يحتجون على الاعتقال السياسي (الجزيرة)

اتهامات باطلة
ووفقا للجنة أهالي المعتقلين، فإن غالب الاتهامات تدور حول “إثارة نعرات طائفية” أو ذم السلطة أو المشاركة في أنشطة للكتلة الإسلامية في الجامعات وبفعاليات استقبال الأسرى المحررين ورفع رايات حماس، كما يحاكم بعضهم بتهمة “مقاومة الاحتلال”، وهو ما يؤكد أنها “اعتقالات سياسية”.

وكذلك تؤكد فتح أن الاعتقالات بحق كوادرها مستمرة في قطاع غزة وأنها طالت العشرات من أبنائها، وتناقلت وسائل الإعلام المحسوبة على الحركة أن ما يزيد على 500 من كوادر فتح اعتقلوا تزامنا مع ذكرى إحياء انطلاقة الحركة السنوية قبل ثلاثة أسابيع.

وجاء على لسان القيادي بفتح في قطاع غزة عبد الله أبو سمهدانة، أن القيادي في الحركة إبراهيم أبو النجا تعرض لاعتداء أثناء إيقاد شعلة الانطلاقة، وأن هذا سيظل “وصمة عار” على من نفذوه.

وزاد الطين بلة في قطاع غزة الاعتداء الذي طال مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني، حيث حمّلت فتح حركة حماس مسؤولية ذلك، لترد حماس بأن من نفذوا الاعتداء هم أبناء فتح وأن أحدهم موظف في الهيئة.

وتقول لجنة الحريات المنبثقة عن لجان المصالحة الفلسطينية على لسان عضوها في الضفة الغربية خليل عساف، إن الاعتقالات “سياسية” ويؤكد ذلك أن المعتقلين لا تتم محاكمتهم، لأن المحاكم “تورط نفسها” بمخالفة القانون إذا ما قامت بذلك.

اعتقال هدفه الإقصاء
وتُمنَع لجنة الحريات من أداء عملها وتتهم -بحسب عساف- من كلا الطرفين (فتح وحماس) بأنها “تعكر الأجواء وتحرض”، بل تنفي تلك الأجهزة بالمطلق أن “الاعتقالات سياسية” ولهذا “يبررون اعتداءاتهم”.

وكل ذلك برأي عساف هدفه إلغاء الآخر وبالتالي منع أي دور سياسي أو تنظيمي له، ويقول إن الإقصاء تحت الاحتلال معناه عدم مقاومة الاحتلال وتخفيف “حدة إجرامه”.

وينتقد عساف دور الفصائل الوطنية وعدم وقوفها في وجه هذا الاعتقال ويصف دورها بـ”السلبي”، وأن هذا الموقف أفقد الناس -ولا سيما من يعانون الاعتقال السياسي- الثقة بهذه الأحزاب.

والحل كما يراه عساف يكون بالاعتراف أولا بأنها اعتقالات سياسية، والإقرار بأنها انتهاكات مضرة للطرفين، واستخلاص العبر منها لإحداث “تسامح شامل”.

ويبقى الاعتقال السياسي مؤلما ومضرا بالمجتمع من كل الجوانب، وهو يولد حالة من الكراهية، فمن يمارسه -وفق الدكتور رائد نعيرات أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح بنابلس- يريد “إقصاء الآخر”، ويضيف أن الحل يكون بالمصالحة فقط وبتفعيل لجنة الحريات ومن دون ذلك فإنها ستتصاعد.

ورغم سوئه، لم يصل الاعتقال السياسي حد “الكراهية وادخار الثأر” حتى اللحظة  كما يقول مراقبون، لكنه ليس مستبعدا أن يتجاوزه إذا استمر وزاد بالحط من كرامة المعتقلين أكثر.

المصدر : الجزيرة

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *