بالسخرية والخيال.. كاتب فرنسي يقتحم الفضاء قبل قرون
|عمران عبد الله
هل تعلم أن وصف أول آلة مصممة خصيصا للسفر عبر الفضاء ظهر في كتاب نُشر عام 1657؟ نعم هناك بالفعل من تصور ذلك في عمل يعتبر من أولى قصص الخيال العلمي، واعتبرت القصة المثال الأول لرحلة فضاء تعمل بالطاقة الصاروخية ولفكرة المحرك النفاث ونشرت بعد وفاة المؤلف.
ورغم أنه ليس من الواضح تماما كيف يمكن أن تعمل هذه القوة المدفوعة بالتفريغ، فمن المدهش أن أحدهم كان يتأمل في السفر عبر الفضاء في منتصف القرن السابع عشر.
إذن من كان هذا الشخص الذي تصور مركبة لاستكشاف عوالم جديدة بعيدة عن الأرض؟ لقد كان فرنسيا شابا يدعى سيرانو دي برجيراك، الذي كان يكتب خليطا إبداعيا من العلوم والخيال والأدب وشكل نموذجا للعديد من الكتاب اللاحقين، ويصعب الجزم بهدف أسلوبه الخيالي إن كان لإيصال أفكاره غير المعتادة للقراء بطريقة تجعلهم يقتنعون بها تماما، أو لأنه ربما وجد في القصص والحكايات تعويضا عن جفاف وجدية دروس الفيزياء.
سيرانو دي بيرجيراك وبطله وجهان لعملة واحدة عنوانها المغامرة وتحدي المألوف (غيتي) |
وكانت حياته، في بعض النواحي، أكثر إثارة للاهتمام من الكوميديا الرومانسية. كان جنديا وعازفا ومبارزا، تقاعد من الجيش بسبب الجروح عام 1639، وعمره يناهز 20 عاما. درس في الجامعة وكان ضليعا في المناقشات الفلسفية والعلمية في وقته.
خاص في أنواع أدبية عدة، كتب مسرحيات وهجاء سياسيا، ونشر مجموعة من رسائل الحب الخيالية التي تسخر من رسميات الحب. من أعماله الناجحة “دول وإمبراطوريات القمر”، وسلسلته “دول وإمبراطوريات الشمس”.
لم تُنشر أعماله في حياته، ولكن بعد عامين من وفاته في 1655. سخر دي بيرجيراك من الحضارة الأوروبية عبر المواجهات التي تخيلها مع الغرباء، وفي هذه الحالة، كانوا من خارج الأرض، وشكلت تصوراته حول الرحلات الفضائية إرثا علميا وتكنولوجيا.
في الجزء الأول من محاولة للوصول إلى القمر لإثبات أن هناك حضارة تنظر للأرض على أنها قمرها، يقود الراوي بنفسه عملية الإقلاع من باريس إلى السماء عن طريق ربط زجاجات الندى بنفسه، لكنه يفشل ويرتد إلى الأرض.
يشتبه به جنود محليون ويخبرونه أنه في فرنسا ويأخذوه إلى حاكم المقاطعة الذي أخبره أنه في الحقيقة في فرنسا جديدة. يشرح الراوي للحاكم أن كل المادة تتشكل وتأتي النجوم، وبمجرد نفاد الوقود من الشمس، سوف تستهلك الكواكب وتستعيد الدورة.
يحاول الراوي مرة أخرى بناء طريق للوصول إلى القمر، هذه المرة من خلال آلة طيران تطلق من حافة الجرف. رغم تحطم الطائرة، يعلق الجنود المحليون الصواريخ عليها، على أمل أن تطير للاحتفال بيوم عيد القديس يوحنا المعمدان.
وعندما يفكر رجل في استخدام هذا الجهاز يحاول الراوي تفكيكه بينما يضيء محرك الاحتراق لكن الآلة تقلع وترسله إلى الفضاء. ويكتشف سكانا لهم أربعة أرجل، وأصواتا موسيقية، وأدوات مدهشة تطبخ وجبة الطعام، بالإضافة إلى شبح سقراط والأديب دومينغو غونساليس وتشمل مناقشاته مع الفلاسفة تصوراته عن الألوهية ورأيه عن كون البشر لا يستطيعون تحقيق الخلود، وأنه ليس لديهم أرواح حسب ما يرى، وبعد هذه المناقشات يعود الراوي إلى الأرض.
وفي الجزء الثاني يبتكر آلة جديدة تركز الطاقة الشمسية من خلال المرايا لتوليد رشقات من الهواء ترسل الراوي إلى الشمس. ويلتقي بهؤلاء الذين يعيشون على الشمس ويعلمونه الكثير عن النظام الشمسي عن طريق تحرك الذرات. وعلى سطح الشمس، يحاكم على جميع الجرائم التي ارتكبتها البشر في حق الطيور، ولكن يعرفه كائن يطلق سراحه.
البطل الشبيه
تعج كتب التاريخ بالتفاصيل عن سيرانو دي بيرجيراك الحقيقي، ولكن الحكم عليه من خلال كتبه يفيد بأن الرجل كان ساخرا غير وقور، وكان أيضا ذكيا ولماحا. وربما كان ديركونا بطله الجريء صورة ذاتية له، فهو يقوم برحلاته الأولى في قارب مصنوع من زجاجات الندى، بناء على فكرة أن الندى يتبخر بسبب وجود نوع من الجاذبية للشمس.
وتفشل هذه الخطة وتتعطل في كندا. ومع ذلك، تمكن من الوصول إلى القمر بفضل قوة الجذب بين القمر ونخاع العظم الذي كان يفركه ديركونا على كدماته لتشفى. رغم أن هذا يبدو كخرافة في العصور الوسطى، فإنه تعبير عن الشكوك الكثيرة في ذلك الوقت.
تحدي المقدسات الغربية
خلال رحلاته يدير ديركونا باستمرار مناقشات فلسفية مع شخصيات أخرى حول الأفكار العلمية. وفي كندا، ناقش مع الوالي ما إذا كانت الأرض في مركز الكون كما قال أرسطو، أو الشمس كما أصر غاليليو.
والمركبة الفضائية نفسها التي استخدمها ديركونا للذهاب إلى الشمس تحدت فكرة أرسطو بأن الفراغ كان مستحيلا في الطبيعة، وهي قضية أثارت في ذلك الوقت جدلا شرسا بين الفلاسفة الطبيعيين.
المصدر : مواقع إلكترونية