لماذا يرفض تجار المغرب نظام الفاتورة الإلكترونية؟
|مريم التايدي-الرباط
“هادشي بزاف” (هذا كثير). هكذا بدأ “حُمان” صاحب محل صغير لبيع المكسرات والحلويات بحي الفتح بالرباط حديثه للجزيرة نت حول سبب مشاركته في إضراب التجار الذي شل العاصمة في 17 يناير/كانون الثاني الجاري.
وبملامح منهكة، ونظرة حازمة، أوضح حمان أن كل المزودين يطالبون التجار الصغار بالرقم التعريفي الموحد للمقاولة (المشروع التجاري).
وعن كيفيفة مشاركته في الإضراب والجهات الداعية إليه، قال حمان إن جمعيات مهنية وزعت إعلانات على المحلات ودعت إلى الإضراب. ويعتقد حمان -مثل كثيرين غيره من تجار المحلات التجارية الصغيرة- أن ثمن السلع سيرتفع باعتماد نظام الفاتورة، وأن الضرائب ستزيد، وقال “حتى إن كانت لديك نقود في البنك، ستقتطع الضرائب منها مباشرة”.
حمان: ثمن السلع سيرتفع إذا اعتمد نظام الفوترة (الجزيرة نت) |
إضرابات متتالية
يخوض التجار المغاربة إضرابات لأكثر من أسبوعين، مما تسبب في شل الحركة التجارية بعدد من المدن بسبب ما أضحى يعرف بالمادتين 145 و145 مكرر من المدونة العامة للضرائب، والتي تنص على “أنه يجب على الخاضعين للضريبة أن يسلموا للمشترين منهم أو لزبائنهم فواتير أو بيانات حسابية مرقمة مسبقا ومسحوبة من سلسلة متصلة أو مطبوعة بنظام معلوماتي وفق سلسلة متصلة”.
واشتعل فتيل حراك التجار بعد أن أقدمت مصالح جمركية على توقيف الشاحنات وحجز السلع.
وانطلقت الشرارة الأولى لغضب التجار واحتجاجاتهم، من كبريات الأسواق بالمغرب مثل الدار البيضاء (أكبر مزود) وإنزكان (المزود الثاني)، التي توقفت بها الحركة التجارية، مما أحدث ارتباكا في تزويد المواطنين بالسلع، وارتفاع الأسعار، الأمر الذي استنفر المصالح المسؤولة، وعجل بعقد مجموعة من اللقاءات بين المسؤولين وممثلي التجار جهويا ومركزيا.
نقلت معركة التجار مع الفوترة الرقمية إلى البرلمان المغربي، وشكلت نقطة ساخنة في النقاش، وأوضحت الحكومة أن الأمر لا يهم صغار التجار، أو من يعرفون “بتجار القرب”، وأكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أن الأمر يهم التجار الخاضعين للمحاسبة.
وترى أوساط سياسية وإعلامية أن حراك التجار زوبعة سياسية بنيت على إشاعات مغرضة لخلق البلبلة والضغط على الحكومة، في حين يرى آخرون أن يد الجبايات تبحث عن مدخل لها من جيوب صغار التجار.
ولم يخف رئيس الحكومة خلال كلمة بالبرلمان أن هناك من يصطاد في الماء العكر وينشر الأكاذيب. في حين استغرب العديد من المتتبعين المشاركة المكثفة لتجار القرب في الإضراب بناء على إجراء لا يمسهم.
الإضراب دعت له جمعيات مهنية وتسبب في شل الحركة التجارية بعدد من المدن (مواقع التواصل) |
اتفاق هش
ورغم تنازلات الحكومة وتراجعها، وإعلانها وقف العمل بإجراء المطالبة بالرقم التعريفي للمقاولة، استمر التجار في الإضراب، وشلت الحركة التجارية من جديد في كل من الرباط وفاس وتمارة، ويتوقع حسب نداءات الإضراب أن تشهد مدن طنجة وسلا والقنيطرة إضرابات الأسبوع المقبل.
وكانت الهيئات المهنية، الممثلة للتجار، عقدت لقاءات مطولة مع المديرية العامة للضرائب، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وانتهت بتوقيع محضر اتفاق نص على وقف جميع الإجراءات المرتبطة بالفوترة الإلكترونية، التي أثارت غضب التجار في العديد من المدن المغربية.
واتفقت الأطراف على أن صغار التجار، الخاضعين للنظام الجزافي، أو تجارة القرب عموما؛ غير معنيين بالفوترة الإلكترونية، ولا يسري عليهم أيضا التعريف الموحد للمقاولة، مع إعفائهم من تضمينه في فواتيرهم عند البيع، أو الشراء.
إلغاء المادة
ويؤكد الحاج العمري إبراهيم -الذي يزاول التجارة من 44 سنة- للجزيرة نت أن قطاع التجارة بالمغرب غير مستعد للفوترة الرقمية.
ويجزم التاجر -وهو واحد ممن شارك في إضراب الرباط- أن إجراء من هذا النوع لا يُمنع بالكلام، بل يجب أن تلغى المادة المعنية من مدونة الضرائب. وأضاف العمري أنه كما نص على القانون بالبرلمان يجب أن يلغى وبنص قانوني.
وأكد العمري أن التجار بخوضهم الإضراب يحمون أنفسهم ويحمون المستهلك الذي يشتكي من ضعف قدرته الشرائية، نافيا أن يكون الإضراب ضمن أجندة سياسية.
نوفل الناصري: يصعب اعتماد الفوترة العادية ناهيك عن الرقمية في بعض المناطق النائية بالمغرب (الجزيرة نت) |
أهداف الفوترة
وعن أهداف نظام الفوترة، يوضح الخبير الاقتصادي نوفل الناصري أنه يمكن من ضبط المتهربين من الضريبة، وتوسيع الوعاء الضريبي، ومحاولة دمج القطاع غير المهيكل، كذلك القضاء على التمويه التجاري.
ويشير الناصري إلى أن الاقتصاد المغربي به قطاع غير مهيكل، وفيه عدد كبير من تجار القرب، ومنهم من يشتغل في مناطق نائية، وبالتالي يصعب اعتماد الفوترة العادية ناهيك عن الرقمية.
ويرى الخبير الاقتصادي أن المغرب يحتاج الكثير من الوقت لتنزيل مثل هدا القرار. ويعتبر أن المستقبل للرقمي، قبل أن يستدرك “لكن إلى متى تبقى مجموعة من الحيتان التجارية الكبيرة تأكل الغلة وتنعل الملة”، حسب تعبيره.
المصدر : الجزيرة