في إسبانيا.. التغريد دعما لفلسطين يجرّك للمحاكمة
|أيمن الزبير-فالنسيا
لا يبدو مقرّ محكمة مدينة فالنسيا الإسبانية غريبا على أنظار المواطنين، فواجهته عمّرت طويلا في نشرات الأخبار التي نقلت فصول محاكمة بعض السياسيين الذين نهبوا ثروات الإقليم وجعلوا اسم فالنسيا مرادفا للفساد المالي ومساوئ المحسوبية.
لكن صورة بناية ما يعرف بـ”مدينة العدالة” تبدو مختلفة لحظة وصول مجموعة من الشباب الإسبان والكتلان في صبيحة اثنين بارد من شهر يناير/كانون الثاني.
عِوَض كاميرات الإعلاميين وربطات عنق محامي أعرق هيئات الدفاع، امتلأ مدخل المحكمة ببسمات وتصفيقات من الداعمين لثمانية نشطاء تم جرهم إلى القضاء بعد نشرهم تغريدات على منصات التواصل الاجتماعي، تدافع عن الشعب الفلسطيني وتطالب إدارة مهرجان غنائي في إقليمهم بعدم التعاقد مع المطرب الإسرائيلي ماتيسياهو، الذي ينفي وجود الشعب الفلسطيني ويتعاون في جمع التبرعات للجيش الإسرائيلي وبرر علانية الهجوم على “أسطول الحرية” الهادف لكسر الحصار عن غزة في عام 2010.
خورخي راموس طولوسا، أحد المتهمين في هذه القضية، يرفض فصل تحريك هذه المتابعة عن التحالفات الجديدة بين إسرائيل واليمين المتطرف في أوروبا، ويبرر قراءته بالسيرة المهنية لمحامي الاتهام الذي دافع في السابق عن أعضاء مجموعات يمينية تتبنى العنف وعن متهمين بقضايا فساد مالي.
كوردوبا: هناك قناعة لدى المنظمات الصهيونية بأن الرد على النشطاء بلباقة وأسلوب حضاري لم يعد يجدي (الجزيرة) |
لوبي صهيوني
ويضيف “أنه يعمل باسم لجنة لا يكاد يعرفها أحد، لجنة مكافحة التمييز العنصري ومعاداة السامية.. إنها لجنة من الممكن عبر تسجيلات فيديو أن يُرى أنها على علاقة وثيقة بأنخيل ماس ومنظمة العمل والاتصال من أجل الشرق الأوسط، التي تعد الآن جزءا من اللوبي الصهيوني الإسباني وتنتمي لليمين المتطرف الأكثر نشاطا، وتقدم منذ أعوام دعاوى قضائية ضد البلديات التي تنضم لحركة مقاطعة إسرائيل وتعلن عن كونها فضاءات حرة من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، لأن الدولة الإسبانية هي الفضاء الذي يوجد فيه أكبر عدد من البلديات والإدارات العامة المنضمة إلى حركة مقاطعة إسرائيل، ونحن نُعتبر مرجعية عالمية في ذلك”.
هذا التشخيص لا تعارضه الناشطة اليهودية ليليانا كوردوبا التي جاءت إلى مدينة فالنسيا خصيصا لنقل تضامن شبكة اليهود المعارضين للصهيونية للنشطاء المُتابعين.
وتقول “منذ سنة 2015 تناقلت وسائل إعلام إسرائيلية خبر اجتماع اللوبيات الصهيونية لإجهاض نجاح حركة مقاطعة إسرائيل عبر استهداف الرسل بدل الرسالة، وهناك قناعة في أوساط المنظمات الصهيونية مفادها بأن الرد على تحركات النشطاء المؤيدين لفلسطين بلباقة وأسلوب حضاري لم يعد يجدي نفعا، وبالتالي يجب جرهم إلى ردهات المحاكم واتهامهم بمعاداة السامية وممارسة الكراهية”.
مثل هذه التهم تقابلها أحكام ثقيلة في إسبانيا، فجريمة الكراهية يعاقب عليها القانون الإسباني بأحكام قد تصل إلى السجن أربع سنوات فضلا عن المنع من ممارسة الوظائف الحكومية لمدة مماثلة؛ لكن هذا الشبح الذي يجثم على صدور النشطاء الثمانية لم يخفض من منسوب الثقة لديهم، فبعد مثولهم أمام قاضي التحقيق للإدلاء بأقوالهم، استخدموا حقهم في عدم الرد على الاتهامات الموجهة إليهم، وهو ما يمثل الفصل الأول من فترة التحقيقات التي قد تنتهي بإغلاق ملف القضية أو الاستمرار في المحاكمة.
غيض من فيض
يؤكد كارلوس ماركوس، أحد الناشطين المُتابعين، أن ما يواجهونه ليس سوى غيض من فيض من معاناة الشعب الفلسطيني، ويقول “هذه المحنة سنحملها على أكتافنا عن طيب خاطر”.
ويضيف ماركوس “نحن في آخر المطاف نعيش في فالنسيا وسط امتيازات عدة، لذلك لا يمكن أن نقارن محنتنا بما يواجهه الشعب الفلسطيني من ظلم، ولذلك نأمل في أن نواصل تعلم أبجديات النضال من هذا الشعب العظيم”؛ رسالة لا تختلف في فحواها عما يخالج أفئدة معظم المتهمين.
الشابة إيريني إستيبان تغالب الدموع وتصر على إبلاغ كلمتها لفلسطين، وتردد بثبات المناضلين المتمرسين “لن نيأس، وسنستمر بهاماتنا عالية وقلوبنا مفتوحة.. نحن وأنتم على حق، والقمع فصل من فصول المواجهة”.
المصدر : الجزيرة