الجريمة الأسرية بمصر.. خطر حقيقي أم ستار لفشل أمني؟
|عبد الرحمن محمد-القاهرة
بشكل ملحوظ، ارتفعت وتيرة الكشف عن جرائم “بشعة” في مصر يرتكبها أحد أفراد الأسرة بحق ذويه، كان آخرها منذ أيام اتُهام طبيب بذبح زوجته وأبنائه الثلاثة نهاية العام الماضي، لتكمل سلسلة من الجرائم الشبيهة بلغ عددها سبع جرائم خلال النصف الثاني من عام 2018.
ووفقا للرواية الأمنية، فقد قتل طبيب في محافظة كفر الشيخ (شمال القاهرة) زوجته أخصائية تحاليل طبية بسبب خلافات أسرية، ثم قتل أطفاله الثلاثة الذين لم يبلغوا العاشرة من عمرهم، خوفا على مستقبلهم من الضياع بعد مقتل أمهم.
وتعددت أشكال تلك الجرائم ما بين قتل أحد الزوجين للآخر، أو قتل أحد الأبناء أو جميعهم، أو قتل أحد الوالدين، كما اختلفت الأسباب الدافعة لها، إلا أن المشترك بينها صدمة الشارع المصري بعد كشف جهات أمنية عن هوية الجاني، وتسابق الإعلام المحلي إلى الحديث عنها، ووجود روايات مشككة.
التشكيك الذي دعمته روايات أصدقاء وأقرباء متهمين بارتكاب تلك الجرائم، اعترفوا -حسب الرواية الأمنية- باستقامة المتهمين وعدم توفر أي دوافع مقنعة لارتكابهم تلك الجرائم، عززه كذلك تراجع أحد المتهمين بقتل ولديه، مبررا اعترافه السابق بأنه جاء بعد تعذيب وضغط، حسب روايات ذويه.
وبينما اتفق خبراء ومراقبون على افتقاد الجهات الأمنية للمصداقية التي تسمح بتمرير رواياتها، أقروا بأن معدلات الجريمة بشكل عام والجرائم الأسرية بشكل خاص زادت زيادة ملحوظة خلال المدة الأخيرة، مرجعين ذلك إلى توفر مختلف الأسباب الدافعة لذلك.
ويأتي في مقدمة تلك الأسباب، تردي الأحوال الاقتصادية بسبب الهزات الاقتصادية المتتابعة التي تعرض لها المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة، والتي ألقت بظلالها على المناحي الاجتماعية والأوضاع النفسية المختلفة للشعب المصري.
وحسب دراسة لأستاذة علم الاجتماع الجنائي في جامعة عين شمس حنان سالم، فإن جرائم القتل العائلي تمثل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل، وأن السياسات الاقتصادية الحديثة من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي، لما أحدثته هذه السياسات من مشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة.
تردي الأحوال الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة ألقى بظلاله على المناجي الاجتماعية والأوضاع النفسية المختلفة للشعب المصري (غيتي إيميجز) |
أجندة إعلامية
ويرى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق في تصريحات صحفية، أن الإعلام لديه أجندة تركز على الحوادث، وتجعلها تحظى بأولوية خاصة، ذاهبا إلى أنه ربما يكون الدافع في ذلك إلهاء الناس عن الاهتمام بالشؤون السياسية.
وحسب آخر تصنيف لقاعدة البيانات العالمية “نامبيو”، الخاص بتصنيف الدول حسب معدلات الجريمة بها، فإن مصر سجلت الترتيب الثالث عربيا والـ24 عالميًا في معدلات الجريمة، في حين لم تكشف الداخلية المصرية عن إحصاءات التقرير السنوي لقطاع الأمن العام منذ نهاية التسعينيات.
الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي عمرو أبو خليل يعتبر غياب البيانات والإحصاءات الحقيقية للجرائم الأسرية أمرا يتعذر معه إجراء تحليل حقيقي للواقع، ويصف ذلك بالكارثة في ظل التشكك في اعترافات من تدعي السلطات قيامهم بتلك الجرائم، مع ثبوت الكذب والتلفيق في عدد منها.
ويعدد في حديثه للجزيرة نت ضمن أسباب ازدياد العنف الأسري، عدم وجود تأهيل نفسي واجتماعي للمقبلين على الزواج، وغياب الدعم النفسي والاجتماعي على المستوى الفردي أو الجمعي للزوجين، وزيادة العنف بصورة عامة في المجتمع والذي ألقى بظلاله على الأسرة، وتفاقم الضغوط الاقتصادية.
“كارثية” غياب الإحصاءات الدقيقة والتشكك في روايات السلطات المصرية، يراها أستاذ الطب النفسي والخبير الاجتماعي أحمد عبد الله عاملا مساعدا على زيادة “الرعب والارتباك” بين المصريين، ويعزز لديهم الإحساس بالتهديد المستمر، في ظل حالة أمنية متردية واضحة، يحرص النظام والإعلام الموالي له على عدم تناولها بشكل فعال.
ويرى في حديثه للجزيرة نت أن الحالة المصرية تجتمع فيها جميع الأسباب والمقدمات التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف بشكل عام والجرائم الأسرية بشكل خاص، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو النفسي، إضافة إلى أسباب بيولوجية.
خبراء نفسيون: الحالة المصرية تجتمع فيها جميع الأسباب والمقدمات التي تؤدي لارتفاع معدلات العنف (غيتي إيميجز) |
تشكك وريبة
وانطلاقا من روايات التشكيك في الرواية الأمنية بإدانة آباء وأمهات وأزواج بحالات العنف الأسرية المرصودة مؤخرا، يؤكد عبد الله أن المصريين لم يعودوا يشعرون بوجود أي شكل من الحساب والرقابة على أجهزة الدولة، وأن من يسعى للوصول إلى رواية حقيقية بات في حاجة لتوكيل محقق خاص كما الحال بدول أخرى.
أما الخبيرة النفسية والاجتماعية سحر طلعت، فترى أن المنظومة الاجتماعية والأمنية مختلة بشكل كبير في مصر، وهو ما ينذر بأزمات نفسية طاحنة، كما تشير إلى أنه في ظل وجود حالة تخوف حقيقية من المنوط بهم الحماية (الجهات الأمنية)، فإن الكثير من المختصين ينظرون إلى مستقبل الواقع الاجتماعي بتخوف شديد.
لكن مع تشككها في الروايات الأمنية بالحالات المرصودة مؤخرا، ترى طلعت في حديثها للجزيرة نت أن ذلك لا يعني نفي اتساع دائرة العنف الأسري، في حين تذهب إلى أن الحرص على تداول هذه الروايات الصادمة له تأثير على المجتمع حيث يزعزع إحساس الأمان.
في مقابل ذلك، ينفي رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي اتساع دائرة العنف الأسري بمصر، ويرى أن أغلب التقارير والدراسات التي تشير إلى ذلك “مغرضة” وتستهدف استقرار المجتمع المصري، رافضا في الوقت ذاته التشكيك في تحقيقات الجهات الأمنية ورواياتها.
ويرى في حديثه للجزيرة نت أن وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب الأول فيما يتصوره البعض من اتساع دائرة العنف الأسري، في الوقت الذي يرى فيه أنه لا جديد في مستوى تلك الجرائم وإنما ما جدّ هو تناولها وتسليط الضوء عليها.
المصدر : الجزيرة