قات ونرجيلة وبحر.. هكذا يقارعون الحرب في الحديدة
|الجزيرة نت-خاص
على ضفاف البحر الأحمر، تبدو مدينة الحديدة متقدة بالحياة، رغم تصاعد حدة النزاع فيها منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي، بعد تقدم القوات المدعومة من الإمارات إلى تخومها الجنوبية والشرقية، في مساع لاستعادة السيطرة عليها من الحوثيين.
وفي أزقة المدينة وشوارعها المزدحمة، يصر نحو 600 ألف شخص -هم سكان المدينة بحسب تقديرات الأمم المتحدة– على الاستمتاع بساعات الغروب من على كورنيش المدينة، رغم التحذيرات المتكررة لهم بالابتعاد عن الشواطئ.
وفاقم انحسار التهديدات العسكرية وتوقف المعارك منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من تدافع السكان بصورة أكبر إلى سواحل المدينة التي لطالما وُصفت بعروس البحر الأحمر، في لحظات خالدة يناجون فيها أمواج البحر.
وحين كانت الشمس تغوص بأشعتها في مياه البحر، كان أستاذ اللغة العربية فؤاد المصباحي يرخي ساقيه في المياه، وعلى مقربة منه كانت العشرات من الأسر والأطفال يلعبون في رمال الشاطئ.
البحر سلوتنا
يقول المصباحي إنه اعتاد على أن يقضي مساء أيامه على البحر، فهناك يجد سلوته من منغصات الحياة المستمرة التي بدأت منذ اندلاع الحرب في اليمن مطلع 2015، وفي بعض الأيام ينضم إليه العشرات من أصدقائه وزملائه.
ويضيف للجزيرة نت أن البحر لم يقس على سكان المدينة في أي ظرف أو حال، وإنما كان أنيسهم في حالات الفرح والحزن، ولذلك فإن المئات منهم اعتادوا على الجلوس في المساء على كورنيش البحر، ليكون خليلهم في الشدائد.
ويتابع “رغم الحرب المستمرة، فإن سكان المدينة يستمتعون بقضاء وقتهم هنا، عدا الأيام التي تتصاعد فيه حدة القتال، لذا آثر السكان الاحتماء بمنازلهم”.
وعلى امتداد الساحل، يحرص سكان المدينة بما في ذلك الرجال والنساء، على تناول القات، وهي نبتة منبهة يلوكها اليمنيون في أفواههم لساعات تمنحهم الحيوية والنشاط، للهرب من مشاكل الحياة وأخبار الحرب.
وبموازاة ذلك، تصطف الأكشاك التي تقدم الوجبات الخفيفة والنرجيلة لمرتادي الكورنيش، في مشهد يبدد آلام الحرب التي تسببت في أكبر كارثة إنسانية بالعالم، وانهيار شامل للوضعين الاقتصادي والإنساني.
متنفس للحياة
وفي الوقت الذي كانت فيه رحى الحرب تدور في الأحياء الجنوبية كانت بدرية العلمي تندب حظها، وتقول “ذيك الأيام ما كنا نقدر حتى نروح للبحر، حبسونا في البيت وجلسنا مخنوقين، أول ما توقفت الحرب رحت مع صديقاتي للبحر أجري”.
وتتحدث الممرضة في مستشفى الثورة العام، للجزيرة نت، إنه في الوقت الذي أُعلن فيه دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين القوات الحكومية والحوثيين حيز التنفيذ، اتجهت مع صديقاتها إلى كورنيش المدينة، للاستمتاع بمنظر البحر.
وتقول “لا يوجد متنزهات مفتوحة في المدينة، كما أن الحدائق معطّلة مع استمرار الحرب، ولم يبق لنا إلا البحر الذي حرمونا منه لأسبوعين، شعرنا فيها بحالة من الضجر والضيق”.
وتحرص العلمي على اصطحاب أفراد أسرتها إلى الساحل للاستمتاع بالجو، رغم أن الجو الشتوي خلال هذه الأيام غير مناسب للاصطياف على الساحل، خصوصا الأطفال الذين لا يترددون بالغطس في المياه الباردة.
وتقول صديقتها سوسن محمد إن البحر أضحى هو الحياة لسكان المدينة في مقابل الموت الذي يهددهم في أي لحظة، وإن الجلوس على الشاطئ يستحق المخاطرة باجتياز العشرات من الحواجز التي أنشأها الحوثيون في الطرقات والشوارع.
وتضيف للجزيرة نت “نتنفس الحياة كلما نخرج للبحر، لذلك أعبر من البيت عشرات الحواجز للوصول إلى البحر”.
صنع البهجة
ورغم عشق سكان المدينة الساحلية للبحر، فإن انهيار الحياة جاء على حساب سعادتهم، فظلام الليل يأتي على كورنيش المدينة مع انقطاع الكهرباء منذ أربعة أعوام، مما يدفع الأهالي إلى المغادرة خصوصا النساء والأطفال.
وانعكس ذلك في انهيار النشاط التجاري للعاملين في الأكشاك، ومالكي قوارب النقل في البحر.
ويشير بلال الصليفي -وهو مالك لأحد القوارب- إلى أنه يحاول صنع البهجة لسكان المدينة، لكن الظروف الجديدة المتمثلة في انهيار الاقتصاد وعزوف الناس عن زيارة الساحل ليلا، جعل مردوده الاقتصادي يتراجع إلى أقل من النصف.
ويضيف للجزيرة نت “في السابق كانت تُنظم مهرجانات وفعاليات على الكورنيش، مما يعزز من حضور السكان للاستمتاع”.
ويقول سامي الأحمدي -وهو مسؤول في المجلس المحلي للمدينة- إن السلطات غير قادرة على تحسين كورنيش الساحل بسبب الحرب التي تشنها قوات “العدوان” على المدينة، مشيرا إلى إن هناك مشاريع استثمارية في قطاع السياحة مستمرة.
يذكر أن مدينة الحديدة وجهة للسياحة الداخلية قبل اندلاع الحرب، وكانت الطريق الرابطة بينها والعاصمة صنعاء تعج بحركة المسافرين الذين يحرصون على قضاء أيام على شاطئ المدينة، لكن مع اندلاع الحرب توقف ذلك.
المصدر : الجزيرة