شاهد.. عازف عود يُنعش القدس والمقدسيين بموسيقى الشارع
|أسيل جندي-القدس
ببشرته السمراء وابتسامته التي لفتت عشرات المارين بجواره خلال عرض الشارع الذي قدمه لأول مرة في البلدة القديمة بالقدس، نجح عازف العود المقدسي كنعان الغول في إدخال البهجة على قلوب كل من سمع أنغام آلته التي انسجمت مع عراقة المكان وأكدت على عروبته.
اختار الغول باب العامود من الداخل ليقيم أحدث عرض ضمن سلسلة عروض موسيقى الشارع التي انطلق بها قبل عام في شارع الزهراء بالقدس، وتنقل في عدة شوارع حول البلدة القديمة، لكنه ارتأى مؤخرا ضرورة تنظيم عروض داخل سور القدس التاريخي لإنعاش الأسواق والأزقة بأجواء فرح تغزلها أنامله على أوتار آلة العود الإلكترونية التي يحملها ويتنقل بها.
يعلن العازف المقدسي عادة على صفحته في فيسبوك عن تنظيمه عرضا موسيقيا في الشارع الفلاني باليوم التالي، وقبيل انطلاق عرضه الأخير التقط صورة للمكان الذي سيقف فيه ونشرها على المنصات الاجتماعية بهدف حث المقدسيين على الحضور وإنعاش الحركة في الأسواق.
تجربة جديدة
وصلنا قبله إلى البلدة القديمة وواكبنا تحضيراته للعرض، وكان أبرزها تبادل الحديث مع أصحاب الحوانيت التي وقف أمامها، إذ لم يعتد التجار ولا المارة على هذا النوع من العروض، ثم بدأ بتمديد خيوط الكهرباء للسماعة وجهاز إلكتروني آخر للإيقاعات، وبعد الانتهاء من التحضيرات انطلق بعزف “أنا لحبيبي” للفنانة اللبنانية فيروز.
كل من مر أمامه التفت إليه، منهم من التقط صورة له ومضى، ومنهم من تسمر أمامه وانسجم مع عزفه، أما أصحاب الحوانيت المجاورة فخرجوا بحثا عن مصدر الصوت، ومنهم من لم يتقبل الفكرة وحاول إيقاف العرض بحجة الضوضاء الصادرة عن العزف.
كنعان يتنقل ببصره بين الوجوه والعربات التي تنقل البضائع، والفلاحات اللاتي لم يتوقفن عن دعوة الزبائن إلى شراء خضرواتهن الشتوية، ويستمر بعزف مزيد من الألحان على أوتار عوده، فعزف للراحلين وديع الصافي وأم كلثوم، ثم وصلة أغان فلسطينية مثل “وين ع رام الله” و”علّي الكوفية”، وختم عزفه بنشيد “موطني”.
وخلال عزفه الأنشودة أغمض عينيه مرارا وخفتت ابتسامته وحرص على ترديد بعض كلماتها “موطني موطني الحسامُ واليراعُ لا الكلامُ والنزاعُ رمزنا.. مجدُنا وعهدُنا وواجبٌ إلى الوفا يهزُّنا”.
نظر إلى المتجمعين حوله تارة وإلى سور القدس التاريخي على يساره تارة أخرى، ثم أنهى عزف الأنشودة وانحنى لتحية كل من أُعجب بعرضه، ولملم عدته وجلس لاحتساء مشروب ساخن في المقهى الصغير الذي عزف أمامه، وهناك سرد للجزيرة نت رحلته مع آلته الموسيقية.
اعزف في بيتك
التحق المقدسي كنعان الغول -الذي تنحدر عائلته من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى– بمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى عندما بلغ الثامنة من عمره وتخرج منه عام 2011، ثم تخصص في آلة العود بالجامعة العبرية في القدس لمدة عامين.
يقول إنه انسحب من الجامعة العبرية لينطلق بمشروعه الخاص “اعزف في بيتك” الذي بدأ من خلاله تعليم الموسيقى في المنازل، ومنه إلى مشروع “كورال” لتعليم الغناء والعزف في مدارس القدس عبر تأسيس جوقات في عدة مدارس.
أما فكرة عروض الشارع فكانت بهدف فحص تقبل الشارع الفلسطيني لموسيقى جديدة يعمل الغول على إنتاجها ويمزج فيها عزف العود بإيقاعات حديثة، ولشعوره بسلاسة تواصله مع الناس بعد عزفه على العود في عدة مطاعم فلسطينية، فقرر الانطلاق إلى شوارع القدس وإنعاشها بالعزف.
أبرز المعيقات التي واجهها كنعان في عروض موسيقى الشارع هي عدم تقبل بعض المقدسيين للفكرة، إذ اعتادوا على هذا المشهد في الشطر الغربي من المدينة، لكنهم استهجنوا إقدام عازف مقدسي على ذلك، بينما يقول “نحن نعيش في حالة توتر دائمة ونحتاج إلى متنفس، وأعتقد أن الموسيقى إحدى الوسائل الناجحة في تخفيف الضغط”.
وعن المكان الذي يتمنى أن يعزف فيه لكن يصعب عليه تحقيق ذلك، قال “أتمنى أن أعزف على مدرجات باب العامود، لكنني متردد لأن المكان حساس ومحاط بالنقاط العسكرية، وقد يعرضني تجمهر الناس حولي للمساءلة بحجة عدم التنسيق مع البلدية والشرطة لتجمع أكثر من عشرين شخصا”.
ألّف العازف المقدسي أربع مقطوعات موسيقية هي “اللامنتهى، وقُم، وحاجز، ونكبة” قدمها في عروضه، ويعكف حاليا على إنتاج مقطوعات موسيقية تتعلق بالحياة اليومية في القدس.
“القدس هي الألم الذي بسببه أنتج الموسيقى، ولو ولدت بمدينة أخرى وعشتُ في رخاء ربما كنت سأعجز عن التأليف والتلحين.. فالقدس هي القضية والفكرة التي تشعل الحماس بداخلي لأخدمها من خلال الموسيقى وأنشر الفرح في شوارعها عندما أرى الابتسامات تعلو وجوه من يتوقفون أمامي للاستماع لعزفي”.
تطلعات عالمية
بجوار العازف الشاب (27 عاما)، تجلس زوجته المقدسية نور بكري التي بدت منسجمة مع عزف زوجها للمقطوعات الموسيقية المختلفة، كما دققت في المشاهد من حوله بدءا من مرور عناصر القوات الخاصة وجنود الاحتلال مرارا أمامهما، مرورا بتدخل بعض التجار ومحاولتهم إعاقة استمرار العرض بحجة الضوضاء، الأمر الذي دفعها للنهوض عن الكرسي لمناقشتهم بعيدا عن العزف لضمان استمرار انسجام زوجها والمتجمهرين حوله.
وعند سؤالها أين ترين كنعان بعد خمس سنوات من الآن؟ أجابت “أراه يقود فرقة موسيقية تعزف إحدى مقطوعاته الخاصة على مسارح عالمية”.
زكي هيمو المسن المقدسي الذي استضاف كنعان وزوجته في المقهى الخاص به، عبّر عن سعادته بمبادرة العازف الشاب الأولى من نوعها في القدس، وقال إن زبائنه من السياح الأجانب راقت لهم الأجواء وطلبوا مزيدا من المشروبات للاستمتاع بالعزف.
وقبل أن يودع ضيوفه تمنى على كنعان التفكير بإنعاش كافة أسواق البلدة القديمة بعرض أسبوعي حتى تنتشر أجواء الفرح التي يتوق لها المقدسيون.
المصدر : الجزيرة