استشراف للجزيرة نت.. ماذا يتوقع المحللون لعام 2019؟
|يستقبل العالم عاما جديدا حافلا بالمخاوف والآمال، وتستأثر منطقتنا بالعديد من الأزمات العالقة منذ سنوات، التي لا تبدو منفصلة عن سياقاتها الدولية المعقدة.
في هذا التقرير، يستشرف موقع الجزيرة نت آراء وتحليلات نخبة من المحللين المنشغلين بأهم الملفات السياسية والاقتصادية، ليوجز كل منهم رؤيته لأهم التطورات المتوقعة في العام 2019.
حسام شاكر/ استشاري إعلامي وباحث متخصص في الشؤون الأوروبية:
– سيواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشغال العالم بتغريداته ومواقفه في 2019، بما سيعود بمزيد من الصداع على شركاء واشنطن وحلفائها، ومنهم الأوروبيون الذين سيضطرون إلى زيادة الإنفاق على المنظومة الأطلسية واحتساب خسائرهم من إجراءات أحادية الجانب يفرضها ترامب على صادراتهم.
– ستتفاقم في السنة الجديدة “حرب تجارية” بين واشنطن وبكين، وضمن “السبع الكبار” عموما، بما يضع العولمة الاقتصادية موضع تساؤل.
شاكر: لن يكف ترامب عن سياسة خليجية عنوانها “ادفعوا مقابل الحماية” (الجزيرة) |
– سترسم سنة 2019 مؤشراتها عن فرص فوز ترامب بولاية ثانية تبعا لمسار القضايا التي تلاحقه، وأيضا بموجب أدائه الداخلي والتجاذبات مع الكونغرس. وستتكرّس “الترامبية” في العالم مع وجوه شعبوية صاعدة في الأميركيتين وأوروبا وربما في غيرها.
– لن يكف ترامب عن سياسة خليجية عنوانها “ادفعوا مقابل الحماية”، مع صفقات بمئات المليارات تصاحبها إملاءات سياسية.
– وستواصل واشنطن محاولة فرض مشروعها المتعلق بالقضية الفلسطينية بصفة مُعلَنة كحزمة متكاملة دون اشتراط تسميتها “صفقة القرن”، أو بصفة مجزّأة كما جرى منذ نهاية 2017. وسيخضع التنزيل لظروف موضوعية في المنطقة ولجاهزية الشركاء أو الوكلاء في الساحتين الفلسطينية والعربية للتجاوب، وسيستمر نهج فرض الوقائع بعد الانتخابات الإسرائيلية في أبريل/نيسان المقبل.
عماد آبشناس/ كاتب صحفي وأكاديمي إيراني:
– يعكس مشروع الميزانية الإيراني الجديد الظروف الاقتصادية الصعبة المحتملة في العام الجديد، ومن المتوقع أن تتأثر علاقات إيران الخارجية بهذه الظروف وبالعقوبات. كما ستتأثر الحملات الانتخابية لمجلس الشورى الإسلامي بالدعاية الشرسة ضد حكومة الرئيس حسن روحاني.
– يراهن العديد من السياسيين الإيرانيين على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020 لتغيير الظروف المرتبطة بإيران، كما تراهن حكومة روحاني على الحزمة الاقتصادية الأوروبية للتبادل المالي المرتقبة، وإذا لم توافق توقعات الإيرانيين فسيضعف موقف المعتدلين ويزداد نفوذ المتشددين الذين يسعون للمزيد من التحدي في العلاقة مع الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة. وفي المقابل، يُتوقع تحسن علاقات إيران بالدول التي لا تمتثل للعقوبات الأميركية، ولكن يُستبعد أن تقطع إيران علاقاتها بالدول التي تمتثل لهذه العقوبات.
– على صعيد احتمال اندلاع أزمة مالية عالمية، نستحضر الظروف التي أدت إلى وقوع الحربين العالميتين الأولى والثانية من أزمات اقتصادية، واليوم تواجه العديد من الدول حصارا وعقوبات اقتصادية مثل إيران وقطر وروسيا والصين، وحتى الاتحاد الأوروبي، مما يدفع تلك الدول للدفع باتجاه تشكيل أنظمة مالية جديدة.
وعليه فإن خروج دول كبيرة من النظام المالي الذي يعتمد على الدولار الأميركي ينذر بتراكم الديون على عاتق الشعب الأميركي، وانعكاس الضغط على الدول التي تتعامل بالدولار، مما قد يؤدي إلى أزمة مالية عالمية جديدة.
محمد الجوادي/ مستشار الائتلاف العالمي للمصريين في الخارج:
أتوقع تطبيعا مع إسرائيل من قبل الدول التي تضغط عليها السعودية (مثل اليمن وموريتانيا والسودان والبحرين)، وأن تتأخر الرياض لتأتي في ترتيب يجعلها تطبّع بعد تطبيع الأغلبية، وذلك مع احتساب الدول المطبعة حاليا.
وسوف تمارس السعودية ضغوطا على دول مجلس التعاون الخليجي قبل لقاء القمة الخليجية الأميركية مطلع العام لمحاولة رأب الصدع الخليجي.
وفي رأيي فإن إقبال العرب على التطبيع سيكون لعنة على إسرائيل، لأنه سيسرع من معدلات تفكك بنيانها السياسي والعنصري، فالعرب الذين يسعون للتطبيع يريدون تحسين علاقتهم مع الإدارة الأميركية المتصهينة، وهذا الهدف لم يكن واضحا طيلة سبعين عاما كما هو واضح الآن، مما يجعل من كيان إسرائيل مجرد مكتب إقليمي للوساطة، ويسلب من المجتمع الإسرائيلي ثلاث قوى، هي قوة العقيدة في أرض الميعاد والتضحية من أجلها، وقيمة القتال الوجودي التاريخي، وقيمة صورة إسرائيل الطليعية في مجالات العولمة والاستثمار ودولة المؤسسات.
سيكون الوضع السياسي والاقتصادي لمصر في 2019 أسوأ من سابقه، وذلك جراء حزمة جديدة من اشتراطات صندوق النقد الدولي التي ستنعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية، ولارتباطها بالخصخصة وإعادة هيكلة الموارد البشرية في الأجهزة الحكومية، بحيث تتجه الحكومة إلى تقليص حجم قوة العمل، الأمر الذي سيؤدي إلى اختلالات اجتماعية كبيرة.
هذا بجانب ترسيخ النظام من سلطاته وضمانات استمراره بعد الانتهاء من إجراءات تعديل ما يسمى دستور 2014 الذي أقر بعد الانقلاب العسكري، لتمرير بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى وفاته.
في السياق نفسه، سيكون العام 2019 استمرارا للفشل الكبير في ملف شبه جزيرة سيناء، وفق سياسات ممنهجة يتبناها النظام لتفريغها من سكانها، واستمرار الانتهاكات ضد مواطنيها، وصولاً إلى الهدف الأكبر وهو استكمال الخطوات الإجرائية لتنفيذ صفقة القرن، بعد أن فرط النظام نفسه في جزيرتي تيران وصنافير عام 2016 لصالح السعودية، وبما يخدم مصالح الكيان الصهيوني، وهو ما بدأت ملامحه العامة تظهر في الإعلان عن تأسيس ما يسمى كيان البحر الأحمر بين عدة دول عربية، لتنضم إليه إسرائيل رسميا لاحقا.
عبد الرزاق العرادي/ كاتب في الشأن الليبي:
– سقط خيار الحسم العسكري وسقط خيار تفاهم مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبذلك أصبح لليبيا أربعة رؤساء وحكومتان وجيشان ومصرفان مركزيان.
العام الجديد سيبدأ بالملتقى الجامع الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة للدعم، ويُفترض أن يجمع الفرقاء وحاملي السلاح وبعض الشخصيات من قادة الرأي والمجتمع.
ويتوقع أن يسفر الملتقى عن ميثاق وطني يحمل في طياته أسس التعايش وخارطة طريق جديدة.
– المجتمع الدولي يضغط باتجاه إيجاد صيغة يتم من خلالها إدماج اللواء المتقاعد خليفة حفتر في العملية السياسية. ويُتوقع أن يقبل حفتر بخضوع القوات المسلحة للسلطة المدنية، ويتوقع أيضا أن تسارع المليشيات المسلحة إلى التفاهم مع المؤسسات النظامية من خلال مسار تأهيلي تدريبي.
– لن تكون هناك انتخابات في 2019، وهناك اتفاق بين النخب الليبية على أن تجرى الانتخابات بعد تحقيق عدة شروط، من أهمها إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات ونزع فتيل الكراهية بين أفراد الشعب عبر مصالحة حقيقية، وكذلك جمع السلاح ودمج المسلحين والتوافق حول المسار الجامع الذي يشارك فيه الجميع.
سقوط الخيار العسكري وتعثر المسار السياسي وآمال الملتقى كل ذلك لن يكون حائلا أمام سيناريو الفوضى والاغتيالات ومحاولات تكرار سيناريو بنغازي في طرابلس، من خلال المزيد من العمليات الإرهابية، ولكنها عمليات استخباراتية إقليمية تستخدم تنظيم الدولة الإسلامية كسلاح داعم للفوضى ومنع الاستقرار إلا وفق شروطهم ومشروعهم.
هجوم انتحاري على وزارة الخارجية الليبية في طرابلس الشهر الماضي (مواقع التواصل) |
محمد المنشاوي/ محلل سياسي مقيم بواشنطن:
– سيشهد العام 2019 الكثير من الدراما السياسية غير المسبوقة في التاريخ الأميركي، خاصة مع بدء فعاليات الانتخابات الرئاسية، فالديمقراطيون في الكونغرس سيحاولون تهديد شرعية ترامب بمنعه من بناء الحاجز الحدودي كما وعد قواعده الانتخابية المحافظة والمعادية للمهاجرين، مما قد يقلل حظوظه في الانتخابات القادمة. وسيفاجأ ترامب بتحديات من داخل حزبه الجمهوري لمنافسته على الترشح لعام 2020، على غير ما جرت العادة.
– تقرير المحقق روبرت مولر قد يخرج بتوصيات دراماتيكية إذا أثبت تواطؤ ترامب الشخصي مع جهات روسية أو معرفة الرئيس بتواطؤ آخرين من فريقه، مما سيستدعي بدء إجراءات عزله.
– ستضغط واشنطن ومؤسساتها لتسريع التطبيع العربي مع إسرائيل، حتى لو لم يكتب النجاح لصفقة القرن التي سيطرحها ترامب عقب الانتخابات الإسرائيلية في أبريل/نيسان المقبل.
– سيستمر الكونغرس وخاصة مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، في التحقيق في علاقات مشبوهة بين ترامب والسعودية، وفي موقف ترامب من محمد بن سلمان ومسؤوليته عن مقتل جمال خاشقجي. وأعتقد أن ترامب سيرضخ للأجهزة الاستخباراتية ولضغوط الكونغرس والإقرار بمسؤولية ولي العهد السعودي، لكن هذا لن يعني تلقائيا الإطاحة بمحمد بن سلمان، فالقرار يجب أن يتخذ في الرياض.
إبراهيم العلبي/ صحفي وكاتب سوري:
– بالنظر إلى جملة المؤشرات حول تسارع التطبيع مع إسرائيل بصورة فجة ومستعجلة، لا سيما من قبل المحور السعودي-الإماراتي، فإنه يُتوقع أن يشهد العام 2019 سلسلة خطوات أخرى ستصل على الأرجح إلى إقامة علاقات دبلوماسية وافتتاح سفارات، وهذا يشمل على الأقل البحرين والإمارات والسعودية.
التسابق على التطبيع مع إسرائيل مرتبط أساساً بما يسمى “صفقة القرن” التي تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتمريرها بكل الطرق الممكنة. ويُتوقع أن تطرح الصفقة في العلن ويبدأ التفاوض عليها عام 2019، دون الجزم بإمكانية تمريرها في نفس العام.
– سوريا ستشهد في بواكير العام الجديد عملية عسكرية تركية جديدة، سواء في منبج أو تل أبيض أو رأس العين، أو في جميعها، وبالتزامن أو على التوالي، وهذا على فرض أن ترامب يريد فعلاً التنسيق مع تركيا بشكل خاص لإنجاز قرار الانسحاب من سوريا، وهو المرجح حتى الآن. وبشكل عام، أصبح واضحاً أن العمل جار في كواليس القرار العربي على تحجيم القضية السورية، ويُتوقع أن يشهد 2019 ولادة تدريجية لحلف جديد بين المحور السعودي-الإماراتي ونظام بشار الأسد، هاجسه الحقيقي مواجهة “الخطر” التركي، وشعاره فصل الأسد عن إيران.
– الأزمة الخليجية لا يبدو أنها ستشهد تطوراً ملموساً، سواء باتجاه الانفراج أو التعقيد، ولعل الأرجح أن نرى تراجعا نسبيا لوتيرة السجال المحموم بين طرفي الأزمة.
ياسر محجوب/ كاتب وأكاديمي سوداني:
لا يبدو الحديث عن مصير الرئيس السوداني عمر البشير استنادا إلى الاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة واقعيا دون الغوص في خلفياتها ومسبباتها، ولا يمكن تصور انفراج اقتصادي بدون حلول سياسية، لكن النخبة الحاكمة لا ترى غير الحلول الأمنية لمواجهة المتظاهرين، مع إطلاق اتهامات الخيانة والعمالة وإرجاع الضائقة الاقتصادية إلى الأقدار الإلهية والتربص الدولي والحصار الأميركي، بجانب الوعود بأن موازنة 2019 ستأتي بالحلول الشافية.
محجوب: النخبة الحاكمة لا ترى غير الحلول الأمنية لمواجهة المتظاهرين (الجزيرة) |
هذه الحالة التي تعتري النظام تفقده زمام المبادرة وتجعله بين خيارين؛ إما المواجهة مع الشعب أو التعاطي مع مطالب الجماهير. لكن شوارع الخرطوم أضحت كأنها ثكنة عسكرية، وهذا ليس أمرا طبيعيا وسيسبب إرهاقا للقوات الأمنية وتوقفا لعجلة الاقتصاد. كما أن استمرار المظاهرات سيدفع العالم الخارجي إلى التشكيك في هيبة السلطة وقدرتها على إدارة البلاد، وسيشجعه على التدخل.
ومع ارتفاع سقف الاحتجاجات إلى حد المطالبة برحيل البشير، فإن مصيره قد يكون دراماتيكيا ما لم يحسن التعاطي مع هذه التطورات. وإذا كانت لديه فرصة للبقاء فهي تتلخص في ترؤسه فترة انتقالية تُعدّ لحكومة مختلفة تماما عن الحكومات التي شكلها البشير على مدى ثلاثة عقود. وهذا لن يتأتى إلا بعد تحرك سياسي سريع وعاجل يقدم حلولا مقنعة ويجري جراحات مؤلمة تطال كل الهرم السلطوي، مع توافر خطاب سياسي واضح ومحكم المفردات.
المطيري: يبدو أن الأزمة الخليجية مستمرة في 2019 (الجزيرة) |
طارق نافع المطيري/ كاتب وباحث كويتي:
حجم الأزمة الخلیجیة منذ بدایتھا كان كبیرا، وظھر بجلاء أن الخلاف لا یقتصر عـلى بعض المطالبات من قبل دول الحصار، بل اتضح أن تلك المطالبات لم تكن إلا تغطیة لنوایا غـزو عسكري لدولة قطر، مما دفع الأخيرة إلى اتخاذ التدابیر اللازمة لحمایة نفسھا.
ورغم الدعوات الأميركیة لحل الأزمة فقد تم تحييد الموقف الأميركي لسببین رئیسیین، وهما تذبذب هذا الموقف وضعف الثقة فيه عند طرفي الأزمة، وعدم استقرار البیت الأبیض مع ساكنه ترامب الذي یواجه مشكلات كبرى داخلية وخارجية.
إذن وفقا لضخامة حجم وعمق الأزمة الخلیجیة، ولزاویة نظر الأطراف التي تجاوزت مرحلة الخلاف إلى العداء، وبعد تحیید أو تعطیل العامل الأميركي المؤثر في السياسات الخليجية، يبدو أن الأزمة ستستمر في 2019 وأنه لا يظهر في الأفق ما یدعو للأمل في حلھا.
الشمري: الأوضاع الاقتصادية في العراق تقف على أرضية هشة (الجزيرة) |
إحسان الشمري/ رئيس مركز التفكير السياسي العراقي:
لن يطرأ تغيير على المستوى السياسي في العراق خلال العام الجديد، فالانغلاق السياسي مستمر، والحكومة تواجه تحدي استكمال التشكيلة الوزارية وتخضع لضغوط الأحزاب التي تعمل على تثبيت المحاصصة وتحويل مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات. والحكومة قد تواجه مصدات بعدم تنفيذ برنامجها، وسيكون البرلمان ساحة لتصفية الحسابات، مما سينعكس على تشريع القوانين أو على مستوى تقديم الخدمات وعلى مكافحة الفساد.
أما العلاقة مع إقليم كردستان ففيها الكثير من التحديات التي تحتاج إلى إعادة صياغة وفق القاعدة الدستورية، فالنفط وكركوك والبشمركة والاختصاصات الاتحادية بحاجة إلى تنازلات.
كما أتوقع أن يواجه العراق تحديا كبيرا في الحفاظ على التوازن الخارجي بسبب الحرب الباردة بين واشنطن وطهران. أما الأوضاع الاقتصادية فتقف على أرضية هشة جراء تذبذب أسعار النفط، مما سينعكس على حياة المواطنين وارتفاع نسبة البطالة ومستويات الفقر، في ظل انعدام الاستثمار الخارجي وعدم قدرة القطاع الخاص على ملء الفراغ.
العبيد: سيزداد خطر اليمين المتطرف في الغرب (الجزيرة) |
عارف العبيد/ أستاذ جامعي في العلوم السياسية:
سيشتد الصراع على إدلب بين تركيا وروسيا بسبب قربها من المناطق الساحلية، وستبقى جزءا من الإستراتيجية التركية ودورها في مستقبل سوريا، لذا لن تتخلى عنها تركيا بسهولة، وستستطيع من خلالها قلب الأوراق إذا حاولت موسكو خيانة أنقرة عبر العملية السياسية المتفق عليها في أستانا. وستسيطر تركيا على المناطق الكردية الحدودية وتترك لروسيا السيطرة على الرقة ودير الزور بعد الانسحاب الأميركي.
وفي الغرب، سيزداد خطر اليمين المتطرف بسبب سياسات التقشف واستغلال أزمة اللاجئين والدعم الروسي لتلك الحركات، وهو أكبر خطر على مستقبل أوروبا، وليس التطرف الإسلامي كما يشاع.
وفي منطقة شرق المتوسط، سيشتد الصراع للسيطرة على منابع الغاز، وسيصبح أعداء الأمس حلفاء اليوم من خلال التعاون المصري اليوناني القبرصي الإسرائيلي ضد تركيا. أما روسيا فستتحرك لحماية مصالحها وتتحالف مع تركيا ضد هذا الحلف، بهدف إفشال خطة مد الأنبوب البحري إلى أوروبا، وسيزداد الصراع بسبب فشل ترسيم الأحزمة الاقتصادية لكل دولة، وكذلك بسبب شهية الشركات العالمية للقدوم لاستغلال غاز المنطقة.
جلب العام 2018 في نهايته تطورات مهمة لليمن، إذ تمكن المبعوث الأممي مارتن غريفيث من فتح باب لعملية سياسية أوحت للوهلة الأولى بأن الأمم المتحدة قد تعيد اليمنيين إلى مسار السلام الذي بقي خيار الضرورة لطرفي الصراع. لكن أخطر ما أنجزه غريفيث هو أنه دشن عهداً من مناطق الصراع المنفصلة، وأمّن لها المرجعيات الدولية، كالقرار (2451) الصادر عن مجلس الأمن، الذي حصن مهمة بعثة المراقبة الدولية في الحديدة وموانئها.
وهذا يحمل على الاعتقاد بأن حرب السعودية والإمارات في اليمن لن تؤول إلى النهايات التي يتوقعها حلفاؤهما من الحكومة الشرعية. والأسوأ أن هذا الاتفاق دلل على أن الرياض يمكن أن تساوم بعد أن غرقت في مشاكل ذات طابع عالمي، قد تهدد بترتيبات انتقال للسلطة في الرياض.
وتأسيساً على الخطوات الإماراتية حيال دمشق، فإن شعار مواجهة المشروع الإيراني في اليمن لم يعد له ما يدعمه في المواقف السياسية والأخلاقية للسعودية والإمارات.
لهذا، إذا استمر مأزق الرياض في ضوء التصعيد ضدها في الغرب، وإذا احتفلت إيران بانتصارها النهائي في سوريا، فقد نرى تطورات جديدة في اليمن، مثل التخلص من الرئيس عبد ربه هادي وسلطته، وإنهاء الحرب بنتائج غير حاسمة، وإبقاء ملفات النزاع مفتوحة، مع تدخلات تكسر احتكار النفوذ السعودي-الإماراتي الراهن، وهو في المحصلة هزيمة إقليمية أخرى وأكثر خطورة للرياض.
المصدر : الجزيرة