“حراقة” الجزائر.. من قوارب الموت إلى منصات التواصل
|محمد أمير-الجزائر
“أدعو لنا ربي معاكم، ما بقالناش بزاف ونوصلوا إسبانيا لكن الوقود خلاصلنا”، بهذه اللهجة المحلية يتحدث أحد الشباب الجزائري في فيديو مصور في عرض البحر لمجموعة من “الحراقة” (تسمية محلية للمهاجرين غير النظاميين) على متن قارب كاد أن يحول حلمهم إلى جحيم بسبب نفاد الوقود والمؤونة.
فضل الشاب فيصل من محافظة غليزان (320 كلم غرب عاصمة الجزائر) رفقة بعض الحراقة الآخرين تصوير فيديو تحدثوا فيه عن آمالهم لبلوغ إسبانيا التي كانوا يحلمون بالوصول إليها.
كانت الظروف الجوية مواتية، أظهروا عزيمة كبيرة وكأن لا شيء قد يحدث، قطعوا العزم على الهجرة السرية وظهروا عبر الفيديو في قمة السعادة بهجر وطنهم رغم المغامرة الخطيرة.
يقول فيصل في الفيديو “لم يتبق للوصول إلى شاطئ الأحلام بإسبانيا سوى بعض الوقت لكن للأسف الوقود يكاد ينتهي” ليقاطعه أحد أصدقائه على القارب “خليناهالكم” (يعني تركنا لكم البلاد)، في إشارة واضحة منه على سعادته لترك الجزائر.
يضيف فيصل “كان من المفترض أن تدوم الرحلة البحرية بين 18 و20 ساعة، لكنها تعطلت ليومين آخرين بسبب نفاد الوقود لتضطر المجموعة إلى البقاء دون ماء ولا أكل طيلة اليومين الإضافيين”.
ويروي فيصل عبر فيديو ثان بعد أن اتصلوا بالبحرية الإسبانية التي تدخلت لانتشالهم من قاربهم المعطل، “الظروف كانت سيئة للغاية، نفد الوقود والحمد لله اتصلنا بالبحرية الإسبانية فمدت لنا يد المساعدة “. ويضيف “رفض بحار جزائري من منطقة بوزجار بمحافظة عين تيموشنت مساعدتنا وتركنا في عرض البحر بلا ماء ولا وقود”.
ظاهرة مستفحلة
واستفحلت في المدة الأخيرة بالجزائر ظاهرة بث فيديوهات “قوارب الموت” للمهاجرين غير النظاميين عبر منصات التواصل الاجتماعي التي باتت تستغل للترويج لمغامراتهم البحرية.
ولا يخل يوم من ظهور شباب في مقتبل العمر على منصات التواصل يركبون قوارب تتقاذفها أمواج البحر يمينا وشمالا دون أن يكترث هؤلاء لما قد يحث معهم من خطر وهم يبحرون للضفة الأخرى بحثا عن الجنة المفقودة.
ويتحدث الشاب طارق من نواحي محافظة وهران عن تغيير موقفه من الهجرة غير النظامية بعد أن شاهد تلك المشاهد الصادمة لقوارب الموت عبر فيديوهات منتشرة على منصات التواصل.
ويقول للجزيرة نت “كنت أحلم بالحرقة (الهجرة) وأعددت كل شيء لذلك لكنني غيرت رأيي تماما بعد أن شاهدت هؤلاء الشباب فوق الزوارق وسط البحر”. ويضيف “صدقوني شعرت بالخوف وحمدت الله أنني لم أنفذ ما كان في رأسي وسأسعى جاهدا للحصول على التأشيرة للسفر قانونيا”.
ويروي أسامة من نواحي العاصمة حجم المعاناة التي رافقت رحلتهم الفاشلة بعد نجاته رفقة 12 شابا من أصدقائه عبر قارب الموت بعد أن ضلوا الطريق بسبب الأمواج العالية للبحر وتدهور الملاحة تلك الليلة. ويقول “الحمد لله نجونا بأعجوبة فتخيلوا بقاءنا ما يفوق 33 ساعة والأمواج تغمر قاربنا، لولا لطف الله لكنا في عداد الموتى”.
ويستعيد أسامة تلك اللحظات الصعبة التي وصفها بالمرعبة قائلا “فقدنا الأمل في الوصول للضفة الأخرى رغم أننا كنا نرى أضواء اليابسة في إسبانيا بأعيننا، لكننا لم نقدر على مواصلة الرحلة إلى أن هدأت الأمواج ووصلنا جزيرة إيبيزا فقررت رفقة صديق التوجه لـبرشلونة“.
ويضيف أسامة أنه اعتقل رفقة صديقه من قبل الشرطة الإسبانية وتم ترحيلهما للجزائر. وهنا أكد أنه بعد نجاته لم يعد يفكر على الإطلاق في الهجرة غير النظامية مجددا بسبب تلك الرحلة المرعبة.
دعوة صريحة
ويفسر الأستاذ المحاضر في الإعلام والاتصال بجامعة مستغانم الدكتور محمد حمادي ظاهرة “الحرقة” وتصوير الشباب “الحراقة” لأنفسهم وهم في عرض البحر بأنها دعوة صريحة منهم لأقرانهم للهجرة غير النظامية خصوصا وأن هناك من الشباب من يرفض الفكرة أساسا.
ويضيف حمادي أن للظاهرة دلالات عدة منها تبرير هؤلاء الشباب للهروب من الواقع المرير الذي يعيشونه بالجزائر، ورد واضح منهم على كل من انتقدهم وقال إنهم يجازفون بأنفسهم ويعرضونها للتهلكة عبر قوارب الموت، معتبرا أنهم يريدون إثبات وجودهم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويعتبر حمادي في حديثه للجزيرة نت أن هذه الفيديوهات من شأنها أن تساهم في التأثير على الشباب ورفع نسبة الهجرة غير النظامية عبر الزوارق المطاطية، وتمدهم إلى حد بعيد برؤية شاملة لأطوار الرحلة وتحفزهم أكثر خصوصا إذا ما كللت العملية المصورة بالنجاح وبالتالي يتخذونها مرجعا لهم.
والغريب في الأمر أن الفيديوهات المتداولة أظهرت التزايد المعتبر لرحلات الشباب عبر قوارب الموت ومن الجنسين وكل الفئات العمرية، إذ ظهر أطفال رضع وقصر وفتيات في مقتبل العمر فضلن الهجرة غير النظامية لأسباب مختلفة.
ودقت منظمات حقوقية ناقوس الخطر على التزايد الرهيب للظاهرة واستنكرت صمت الجهات الرسمية التي لم تحرك ساكنا أمام ما يجري من قبل شباب فضلوا المخاطرة بحياتهم على البقاء بالجزائر وكلهم أمل في تحسين ظروفهم المعيشية والحصول على وثائق الإقامة في بلدان الضفة الشمالية.
المصدر : الجزيرة