أردنيات يتفوقن في مهنة السباكة رغم نظرة المجتمع
|همام العسعس-عمّان
منذ ساعات الفجر الأولى وقبل أن تنسج الشمس خيوطها في لواء الشونة الجنوبية إلى الغرب من محافظة البلقاء الأردنية، تستيقظ عائشة ورفيقتاها يسرى ونهاد، ويسابقن الوقت للوصول إلى إحدى المصانع عند طرف العاصمة الأردنية عمان، فلديهن يوم حافل بأعمال تركيب المغاسل ومرافق الصرف الصحي.
شغف بالمهنة
“شوفي لك صالون تجميل أحسن لك”، جملة اعتادت عائشة العشوش (38 عاما) سماعها من النساء قبل الرجال، وهي التي دفعتها الظروف الاقتصادية للإقدام على مهنة السباكة، فتعرضت للكثير من الانتقادات الحادة بداية الأمر، كونها من طبقة محافظة لا تتقبل فكرة اقتحام المرأة مهنة “خاصة بالرجال”.
تضيف عائشة للجزيرة نت أن الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد دفعتها للإقدام على ممارسة هذه المهنة، فضلا عن شغفها بها واعتمادها على نفسها في كسب الرزق.
تشكيك الزملاء
تذكر عائشة -في حديثها للجزيرة نت- أنها وصديقاتها غالبا ما يتعرضن لمضايقات الرجال في ورشة العمل، من خلال التشكيك بقدرتهن على إنجاز العمل كالذكور، إلا أنهن دوما يفاجئن أصحاب العمل بتفوقهن على الرجال والتزامهن بتسليم العمل في الوقت المحدد، إضافة لمحافظتهن على نظافة المكان على عكس ما يقوم به الرجال، بحسب قولها.
بداية القصة
تعود قصة عائشة وصديقاتها إلى عام 2010، عندما عقدت المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (giz) دورة في أعمال السباكة قدمتها الخبيرة الألمانية برغغتا شلختن، وتقول عائشة إن نصف اللواتي انضممن للدورة انسحبن نتيجة ضغط المجتمع والأهل.
بقيت عائشة تعمل هي وصديقاتها بشكل محدود في ورشات صغيرة، إلى أن تأسست “جمعية السباكات الرائدات النسائية التعاونية”، وأصبحن يعملن بشكل رسمي تحت مظلتها.
ازدهار العمل
تكمل عائشة العشوش حديثها للجزيرة نت، فتقول إنها بعد تأسيس جمعية السباكات لاقت هي وصديقاتها انفراجا ماديا، واكتسبت تأييدا من أغلب المعارضين لها، واتسعت ممارسة هذه المهنة لتشمل عشرات النساء الذين التحقن بدورات السباكة وانضممن للجمعية.
كان أبرز العطاءات التي استلمتها جمعية السباكات: مشروع “المنظور الاسلامي” الذي دُشن بالتعاون مع وزارة الأوقاف الأردنية، بتمويل من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي.
وتقوم فكرته على توفير مياه نظيفة للمتوضئين، من خلال العمل على تنظيف خزانات المساجد، إضافة لتركيب قطع توفيرية بهدف الاقتصاد في استهلاك الماء. وقد عملت عشرات السباكات في أكثر من 150 مسجدا في مناطق المملكة، ولمدة سنتين كاملتين.
سباكات سوريات
وتضيف رئيسة الجمعية تهاني الشطي -للجزيرة نت- أن الجمعية سلمت منذ تأسيسها أكثر من عشرين عطاء ومبادرة بالتعاون مع وزارة المياه الأردنية، إضافة إلى تدريب ثلاثمئة امرأة في مختلف محافظات المملكة، ولم يقتصر التدريب على الأردنيات فقط بل شمل نساء سوريات، كون المشروع يختص بتمكين ودعم المرأة الأردنية والسورية اللاجئة على حد سواء.
وتذكر الشطي أن أهداف الجمعية تحققت من خلال تمكين المرأة معنويا واقتصاديا، إذ إنهن لم يعتدن الخروج خارج مناطقهن، إلا أنهن اليوم يجبن محافظات المملكة سعيا في طلب الرزق، إضافة لتحدثهن بكل فخر وعزيمة في لقاءات متلفزة واحتفالات عن تجربتهن.
الخصوصية والأمان
وتفسر الشطي للجزيرة نت أن سبب اختيارهن لهذه المهنة يكمن في أهمية الخصوصية والأمان، فربات البيوت يفضلن التعامل مع السباكات كونهن سيدات مثلهن، وهو ما يحافظ على خصوصيتهن وأمانهن ويشعرهن بالراحة في التعامل معهن.
تجربة مُلهمة
يسرى نمور (42 عاما) تروي للجزيرة نت كيف لاقت استهجانا من صديقاتها عندما سمعن فكرة عملها سباكة، بالرغم من دعم زوجها وأبنائها، مضيفة أن النساء لم يكن يثقن بقدراتها في إنجاز العمل المطلوب على أتم وجه مقارنة بالرجال، إلا أنها بعد أن حققت نجاحا في هذه المهنة أصبحت ملهمة للكثير من صديقاتها اللواتي شككن في قدرتها على الاستمرار، وأصبحن يطلبن الانضمام لها نظرا لما تعود به هذه المهنة عليها من نفع مادي ومعنوي.
مهن صناعية
يسرى نمور -التي لم يحالفها الحظ في دخول الجامعة، وتوقفت عند الثانوية العامة- ذكرت للجزيرة نت أنها أنهت إلى الآن أكثر من ثماني دورات، جُلها تركزت حول المهن الصناعية، كصيانة الكهرباء وتمديدها وتركيب ألواح الطاقة الشمسية، وهي ماضية في الحصول على شهادة مزاولة لمهنة السباكة خلال هذه الأيام.
لا فرق
وتضيف يسرى نمور، أن لا فرق بين الرجل والمرأة في القدرات، بعكس ما تعتقد النساء من أن هذه المهن لا تناسب المرأة كونها مملوءة بالمخاطر، فضلا عن حاجتها لجهد في حمل المعدات وأعمال الحفر، ولكن تجربتها أثبتت أن المرأة تستطيع أن تقوم بهذه الأعمال وبكل سهولة.
وتختم نمور بالقول “إن الرجال هم من رسّخ فكرة عجز المرأة عن القيام بهذه المهن، وأن النساء سلمن عقولهن لهذه الافكار”.
التعاون الألماني
وتعلق يارا ناصر ممثلة الشركات الاستشارية الداعمة لجمعية السباكات، بتمويل من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، على الأثر الذي لمسته على حياة السيدات بسبب عملهن في هذه المهنة، قائلة إن “فكرة أن تكون المرأة سباكة تحتاج إلى الجرأة”.
وتضيف يارا للجزيرة نت أن وظيفة هذه الشركات الاستشارية تتمثل في البحث عن فرص عمل وتنمية لهؤلاء النساء، وربطهن بالقطاع العام والخاص، وتفعيل الدور الإعلامي، ليتمكنّ من الاعتماد على أنفسهن في المستقبل.
المصدر : الجزيرة