طرائف بمعتقل تازمامارت.. لحى وقط أسود وبقرة غير ضاحكة
|“تازمامارت”، اسم لقرية نائية وادعة تقع جنوب شرق المغرب، نالت شهرة واسعة بسبب السجن السري الذي حمل اسمها، وضم عشرات الضباط من الذين شاركوا في محاولتي الانقلاب ضد الملك الراحل الحسن الثاني أولا في قصر الصخيرات عام 1971، وثانيا بقصف طائرته وهي في الجو عام 1972.
وداخل المعتقل الرهيب، قضوا أكثر من 18 عاما بزنازين مظلمة، لم يروا خلالها الشمس، وتوفي أكثر من النصف بعد أن فتكت بهم الأمراض في العنبرين (كل عنبر ضم 29 زنزانة يقابل بعضها بعضا) لغياب التغذية والتهوية والعلاج والتريض والحق في رؤية للشمس.
وكل ثروة المعتقل داخل الزنزانة التي لم يغادرها إلا بعد نحو عقدين دلو وصحن وكوب من البلاستيك، وأسمال قديمة كانت هي كل سلاحه ضد البرد الشديد، ومختلف أنواع الحشرات.
داخل هذا “الجحيم” كما يصفه من بقي حيا من الضباط المعتقلين وخاصة داخل العنبر الأول، كانت الابتسامة إحدى أهم وسائل الدفاع بالنسبة لسكان الزنازين المعتمة للتشبث بالحياة، والحفاظ على المعنويات مرتفعة على أمل التمتع بأشعة الشمس وخضرة الطبيعة مجددا.
حلق وحرق
داخل تازمامارت، كانت تغيب كل وسائل النظافة، فطالت شعور السجناء ولحاهم بشكل مخيف، وفي إحدى المرات نصح محمد لغالو زميله عبد الكريم السعودي -وكانت وسيلة التواصل الحديث بشكل أقرب للصراخ- بأن يدهن لحيته بما تبقى من المرق النتن، ثم بعد أسبوع، يسأل السجان أن يمده بعود كبريت، فيحرق لحيته ويصبح وكأنه خارج لتوه من محل حلاقة بدرجة خمس نجوم.
امتثل السجين لنصيحة زميله، لكنه وبعد أن أشعل عود الكبريت فوجئ بالنار تنتشر بسرعة هائلة في لحيته حتى كادت تحرق وجهه، وهو الذي كان يظن أنها ستحرق اللحية ببطء، فما كان منه إلا أن توجه بالسباب لزميله الذي انفجر ضاحكا هو وبقية المعتقلين.
القط الأسود
يروي المعتقل بتازمامارت أحمد المرزوقي في حوار مع موقع “العمق المغربي” أن إحدى صديقات أمه نصحتها -وقد رقت لحالها الصعب بعد صدور الحكم بسجنه لخمس سنوات بالسجن المركزي بالقنيطرة- بذبح قط أسود وطبخه بالبهارات على الطريقة التقليدية، وتقديمه لولدها ليأكله، مؤكدة لها أنه سيخرج بعد أسبوع.
استجابت الأم المكلومة لنصيحة صديقتها، وبعثت بالقط المطهي إلى ولدها داخل السجن، وبدأت تعد الساعات والأيام لتحضن ابنها بعد أسبوع.
الغريب أنه بعد مرور أيام قليلة، خرج المرزوقي فعلا من سجن القنيطرة، لكن مباشرة إلى معتقل تازمامارت برفقة بقية الضباط، حيث قضى أكثر من 18 عاما.
أين المربى؟
يحكي أهل تازمامارت أن الطعام كان في حد ذاته نوعا من التعذيب، كوب من “شيء يشبه القهوة” صباحا، وبقول “تسبح في الماء” في وجبتي الغذاء والعشاء، وكانوا لا يحصلون على اللحم إلا في المناسبات الدينية أو الوطنية، أما التمر فكانوا لا يرونه إلا في شهر رمضان.
وفي إحدى المرات النادرة، حصل ساكن الزنزانة رقم 10، أحمد المرزوقي، على حصته من المربى، وهي عبارة عن ملعقتين لا أكثر، وظل يمنّي نفسه بهذه الوجبة الشهية النادرة، ثم قام لبعض شأنه، وعندما عاد نسي أين وضع الصحن، فظل يبحث في كل أركان الزنزانة المظلمة لكن من دون جدوى.
اختفى الصحن، وتبخر حلم ازدراد ملعقتي المربى، وبعد أن كانت المعنويات مرتفعة نزلت للحضيض.
لكن سرعان ما فوجئ المرزوقي وهو يجلس على المصطبة الإسمنتية الباردة المخصصة لنومه أن صحن المربى ملتصق به إذ جلس عليه سابقا ولم ينتبه للأمر في ظلام الزنزانة الدامس.
تزوج أميركية
مبارك الطويل، كان أحد المعتقلين، لكنه كان أيضا زوج نانسي الأميركية التي غيرت اسمها بعد إسلامها إلى “ثريا”، وفي تازمامارت كانت هذه “طاقة قدر” فتحت في وجه صاحبها.
فقد اجتهدت نانسي في إثارة قضية زوجها ورفاقه داخل المؤسسات السياسية الأميركية بعدما طلب منها زوجها من داخل المعتقل -عبر رسائل مسربة- بدء التحرك لكشف مأساتهم أمام العالم، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفعلا نجحت في مهمتها، ونقلت السلطات المغربية فريقا من الأطباء لمعالجته، وخصصت له طعاما فاخرا من المشويات واللحوم وما لذ من الأطعمة، وذلك إلى جانب سرير وثير دافئ، ووسائل النظافة والأدوية الضرورية.
كما سمحت له أيضا بأخذ حصته من الشمس يوميا، وكان الوحيد الذي باستطاعته مغادرة زنزانته والسرداب المظلم للتمتع بملكوت الله. وكان كريما مع زملائه، فلم يبخل عليهم بالأطعمة والأدوية التي تصله.
هذا الوضع دفع كثيرا من السجناء، وجلهم قضوا فترات طويلة في التدريب بالولايات المتحدة، لعض أناملهم ندما على عدم التزوج بأميركية تحسبا لتقلبات الدهر، وبينهم الضابط الزموري الذي كان يصرخ “أينك يا جولييت، أينك يا مارين، أينك يا فلانة، لو كنت أعرف ما سيحصل لي لتزوجتكن جميعا”.
لله درك
نشرت جريدة “المساء” المغربية في أحد أعدادها أن أحد السجناء طلب من سجانه مزيدا من الماء وقد أخذ منه العطش مأخذا عظيما، فاستجاب السجان على مضض لهذا الطلب، وناول الماء للسجين متبرما، فشكره السجين وخاطبه بقوله “لله درك”.
لكن السجان فوجئ بتلك الكلمات، وبدأ يرغد ويزبد وهو يخاطب السجين “هل تقول إني أضررت بك؟ كيف؟ هل هذا جزائي على منحي إياك مزيدا من الماء، تتهمني بالإضرار بك”؟ فما لبث المعتقلون أن انفجروا ضاحكين لخلط السجان بين “درك” و”ضرك” (من الإضرار)، فظن أن المعتقل يدعو عليه.
البقرة غير الضاحكة
ويحكي المرزوقي أيضا أنه نُصح -بعد إطلاق سراحهم- باستثمار بعض ماله في مشروع فلاحي يدر عليه المال، فاشترى بقرة وعجلها وسلمهما لفلاح ليرعاهما، لكن الفلاح كان نصابا، فما لبث أن اتصل بالمرزوقي بعد أيام ليخبره أن العجل مات، بينما هو باعه بنحو ستمئة دولار واستفاد من ثمنه.
أما البقرة فقد وجدها المرزوقي في حالة مزرية، وتأكد له أن الفلاح كان يتاجر في العلف ويتركها دون أكل، فحاول استدراك الأمر وبدأ يهتم بها بنفسه، وراودته فكرة جعلها تتزاوج مع عجول المنطقة لعل وعسى تلد له عجلا يبيعه ويعوض بثمنه بعضا من خسارته.
ويقول إنه بعد عقدين من الاعتقالات والأحداث الرهيبة خلال محاولة الانقلاب ثم بعد ذلك في تازمامارت، انتهى به الحال لدفع المال لنقل البقرة إلى عجول المنطقة للتزاوج، ويعلق على ذلك ضاحكا “ما أعرفه، أن الذكر هو الذي يدفع المهر لزوجته، وليس الأنثى ووليها”.
وليت الأمر نجح، فقد ازدادت البقرة هزالا ولم تمنح صاحبها العجل الذي كان يحلم به، فباعها لتفادي خسارات مضاعفة.
المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي,الجزيرة,مواقع إلكترونية