المهاجرون بالمغرب يقيمون نعم.. لكن ماذا يشتغلون؟
|مريم التايدي-الرباط
في الوقت الذي كان فيه قادة العالم يتداولون في ميثاق الهجرة الدولي بمراكش في المغرب كان علي -وهو مهاجر من جنوب الصحراء- يطبع على ذراع شاب مغربي وشم طائر الفينيق الأسطوري في الطابق السفلي لأحد المجمعات التجارية بالعاصمة الرباط.
يفد على علي البالغ من العمر 26 سنة شباب مغاربة وأجانب من مختلف الأعمار والفئات راغبين في وشم “طاتواج” على أجزاء مختلفة من أجسادهم، ومنهم من يقصده لإزالته.
في محل صغير يغلقه علي بستائر للحفاظ على خصوصية زبائنه كان مجرد سؤاله من أين وكيف جاء للمغرب كفيلا بأن يظهر مدى الألم الذي يخفيه.
بدا متوترا ومتلعثما “لدينا عائلات كبيرة، ونرفض أن ترى صورنا في مواقع التواصل الاجتماعي” يقول علي.
أعطى علي العدة لمساعده ليكمل طائر الفينيق، في حين اغرورقت عيونه بالدموع قائلا “ندبر أمورنا، نحن بخير”.
تسوية وواقع
كان المغرب قد أطلق في وقت سابق إستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء من أجل ضمان تدبير أفضل لموجات الهجرة، وبلغ عدد طلبات تسوية الوضعية التي تم التقدم بها أزيد من 56 ألف طلب (يقدر عدد طلبات تسوية الوضعية التي تم قبولها لحد الآن بأكثر من 43 ألفا).
لاجئ من جنوب الصحراء يطبع وشما على ذراع زبون (الجزيرة) |
وتشير التقديرات المتعلقة بالمهاجرين غير النظاميين أو السريين غير المشمولين بالإحصائيات الرسمية -حسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة حكومية استشارية)- إلى أن عددهم يبلغ حوالي عشرين ألف مهاجر يقيمون بشكل غير قانوني فوق التراب المغربي.
ويبقى السؤال: كيف يعيش كل هؤلاء، ماذا يشتغلون وكيف؟ من هم زبائنهم؟ كيف ينخرطون في الدورة الاقتصادية المغربية؟
تبرز معطيات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لسنة 2017 أن عدد العمال المهاجرين في المغرب بلغ 26 ألفا و283 شخصا، ويشتغل أغلبهم في قطاع الخدمات والتجارة ثم قطاع الصناعة التحويلية، وقطاع البناء.
في المقابل، لا يشتغل في قطاع الفلاحة واستغلال الغابات والصيد سوى بعض المئات من العمال المهاجرين.
عمر.. مريم.. وآخرون
بابتسامة عريضة استقبلنا عمر في محل لإصلاح الهواتف.
يقول عمر -الذي جاء إلى المغرب من السنغال- بفرنسية مكسرة “نعيش بشكل عادي وسط المغاربة”، ويتابع بالدارجة المغربية “بشوية بشوية نولفو السوق” (شيئا فشيئا نألف السوق).
تبدو على عمر علامات الارتياح، ويعمل معه مهاجر آخر من بلده.
أما مريم التي اعتقدت بداية أننا زبائن فسريعا ما انطفأت الابتسامة من وجهها، فركت أصابعها ونظرت يمنة ويسرة قبل أن تقبل الحديث معنا.
تحكي مريم كيف جاءت من الكونديفوار (ساحل العاج) منذ أربع سنوات، بعد أن فقدت والديها في الحرب، وتؤكد أنها لم تهجر بلدها عبثا، وأنها جاءت إلى المغرب لتعمل وتساعد من بقي من عائلتها.
تستأجر مريم محلا، وتقدم مختلف خدمات الحلاقة والتزيين، ومثل كثير من المهاجرات جنوب الصحراء اللواتي يمتهن الحلاقة (لأغلبهن طاولات بالشارع حيث يعرضن خدماتهن) توفر مريم لزبوناتها شعرا مستعارا وأظافر وجفونا، وتصنع ضفائر “الراسطا” وصباغة الشعر لزبونات مغربيات وأجنبيات.
وتضيف مريم وقد ابتهجت أساريرها وذهب توترها “لا أفكر في مغادرة المغرب، أحس أنني بخير، لدي أوراق إقامة، وأعمل، وأُحترم”.
في الرباط يحاول الكثير من المهاجرين جنوب الصحراء الاندماج الاقتصادي على قدر المستطاع، فتجد منهم من يفترش الأرض لبيع منتجاته، ومن يصنع لنفسه من الشارع محلا يخيط فيه، أو يصلح الأحذية، أو يعرض خدمات متنوعة في البناء وحمل الأثقال ونقل الأمتعة، وحتى الحلاقة والتجميل.
في مشهد بات يملأ العاصمة تجد عربات لبيع السمك المجفف، والموز الأسود، والشعر المستعار ومنتجات مختلفة من جنوب الصحراء.
البحث عن الحرية
غير بعيد عن محل مريم التقينا منصور في المجمع التجاري “رضا” بقلب العاصمة -الذي أصبح طابقه السفلي في غضون خمس سنوات سوقا خاصا بالمهاجرين من جنوب الصحراء- يعمل على آلة الخياطة.
منصور حديث هجرة للمغرب مر عبر الجزائر في رحلة طويلة على الأقدام، وهو لا يريد الالتفات وراءه، يعمل على توضيب جنبات الشعر المستعار، ويصلح الملابس وما يطلب منه من زبائن المحل الذي يشتغل فيه.
وعلى خلاف عمر ومريم فإن منصور يعمل لصالح سيدة مغربية هي صاحبة المحل، يقول بابتسامة لم يفسح لها المجال “جئت إلى المغرب لأبقى هنا، حيث توجد الحرية والسلام”.
منصور يعمل على آلة الخياطة في سوق تخفيض رضا بالرباط (الجزيرة) |
قصة نجاح
محمد التوت لاجئ سوري، خرج من سوريا سنة 2013 بسبب أوضاع الحرب، يدير اليوم مطعما في أحد أرقى أحياء الرباط.
يقول محمد وهو يحكي عن رحلته إن “الوجع لا ينسى”، مضيفا أن وضعه في البداية كان صعبا جدا، ويتابع محمد بلكنة مشرقية “اشتغلت نادلا، وأنا عمري ما توقعت أشتغل هيك شغلات”.
حين استفاد محمد من تسوية وضعه القانوني فكر في إنشاء مشروع خاص به، اقترض وعمل بجد وإصرار، واستفاد من دعم بسيط من برنامج لدمج اللاجئين تقدمه المفوضية السامية للاجئين عبر شركاء لها في المغرب.
بدأ بمحل “شاورما” صغير يبيع فيه السندويشات وبعض المقبلات، ووسع مشروعه ليصير بطلا ضمن الوجهات المفضلة بالرباط، مطعم “أبطال الشام”.
دمج محمد الثقافتين المغربية والسورية، فوظف عمالا نصفهم سوريون ونصفهم مغاربة، وزين المحل بديكور يمزج المغربي بالمشرقي.
وإذا كان محمد قد حقق نجاحا فغيره كثير من السوريين في وضعيات صعبة وصلت حد التسول، ومن المهاجرين جنوب الصحراء شباب يتخذ من المقابر سكنا ويعيش على الصدقات، ومنهم من يبيت في العراء والمخيمات.
ويبقى السؤال مفتوحا: كيف سيحمي الميثاق الأممي المهاجرين ويضمن حقوقهم وكرامتهم، وكيف تستعد الدول المستضيفة لأمواج المهاجرين المتتالية للمستقبل؟
المصدر : رويترز