هوية جديدة للاحتجاجات في الأردن برسائل غاضبة للقصر
|محمود الشرعان-عمان
“من الشعب الأردني.. (معناش) والأردن ليست عمان بل كل المناطق النائية والمخيمات” رسالة احتجاجية لم تنطلق من الدوار الرابع بالعاصمة هذه المرة، بل قيلت وسط مبنى رئاسة الوزراء، وأمام رئيس الحكومة عمر الرزاز.
جاء الحديث خلال اجتماع دعت إليه الحكومة مع حراكيين من مختلف التوجهات السياسية، للحوار في إطار القانون بهدف الوصول لحلول توافقية تجاه الملفات كافة.
ورُفع شعار “معناش” للمطالبة بإلغاء قانون ضريبة الدخل باحتجاجات شعبية أطاحت بالحكومة السابقة التي كان يرأسها هاني الملقي في يونيو/حزيران الماضي، بينما يحاول الرزاز احتواء الاحتجاج الذي يطالب بإسقاط نهج تعيين الحكومات.
وأكد رئيس الوزراء في اللقاء على أن التعبير عن الرأي والاحتجاج بالطرق السلمية حق كفله الدستور والقانون، وعلى المجتمع ومؤسساته تقبل الرأي الآخر.
واعتذر حراكيون آخرون عن الاجتماع بالحكومة، لاعتقال واستدعاء الأجهزة الأمنية ناشطين وصل عددهم قرابة 24 ناشطا، حسب لجنة الحريات بنقابة المهندسين.
محاولة الحكومة احتواء الشارع لم تنجح حتى الآن، إذ تزامن لقاؤها بالحراكيين مع صدور بيان “مش ساكتين” دعا للمشاركة باحتجاجات اليوم الخميس، وإشعال فتيل الاحتجاجات مجددًا، بعد إقرار قانون ضريبة الدخل من قبل الحكومة.
احتجاجات سابقة (رويترز) |
هوية الحراك الجديد
الفراغ السياسي بالشارع شَكلَ هوية جديدة للحراك الشعبي والشبابي، فأظهر دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تخلِي النقابات عن المطالب، وغياب الأحزاب، مما هيأ الشارع ليشكل خارطة جديدة للاحتجاج.
ويرى المعارض علاء الفزاع أن الدعوات نجحت، واعتبر أن الاحتجاجات الجديدة “فريدة” لتوجهها تدريجياً نحو عدم الاندراج تحت المسميات الكلاسيكية، إذ ابتعدت عن دائرة الأحزاب، وتنطلق اليوم بمعزل عن جزء كبير من قيادات الحراك الشعبي التي قادت الشارع خلال الربيع العربي.
ويضيف الفزاع للجزيرة نت أن الدعوة الأخيرة كانت مفاجئة للنظام والأحزاب وجزء كبير من الحراك، وكونها آتية من “المجهول” مما دفع الأجهزة الأمنية للتصرف بتوتر ووتيرة اعتقالات واستدعاءات لم تمارسها منذ سنوات “فالشارع معبأ بالغضب والاحتقان، ومستعد للسير خلف أية دعوات احتجاج”.
ويتفق معه الصحفي إسلام صوالحة الذي يرى أن المظاهرات الأخيرة يتيمة بلا أب ولا أم، ولا يمكن أن ننسبها لقوى سياسية بعينها، والنمط الذي ظهرت عليه مختلف تماما عن مظاهرات رمضان الماضي.
فعدم وجود طيف سياسي يقود الشارع يشجع الناشط الشبابي حسين الصرايرة الذي يؤكد أن الاحتجاجات نقية تماماً من أي تنظيم سياسي، فقد استغنت جميع هذه الأطياف عن الناس، ونأوا بأنفسهم عن الصدام مع الدولة وأجهزتها، على حد وصفه.
ويرى القيادي بجماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد أن الغريب في المشهد الجديد كون بعض التيارات السياسية توجست من طبيعة المحرك الحقيقي لهذه الاحتجاجات “إذ إن البعض يتوقع وقوف الجهات الرسمية خلف الحركة الاحتجاجية، لاستخدامها كورقة ضغط على المجتمع الإقليمي والدولي لجلب المنح والمساعدات المالية”.
ومن الناحية الجغرافية، فبعد تشكل هوية جديدة للحراك الشعبي، ظهرت خارطة مختلفة للاحتجاجات، فقد اعتاد الشارع الأردني خلال السنوات الماضية على محدودية المشاركة في العاصمة أو المحافظات.
ويلاحظ المعارض الفزاع وجودا أكبر بكثير للمحافظات إذا ما قورنت بيونيو/حزيران الماضي، و”يختلف حراك اليوم عن حراك 2011 وما تلاه بأن المزيد من الوجوه تشارك وتدخل في الأجواء”.
ويرى الناشط الصرايرة أن الشارع باحتجاجات اليوم تطور أكثر من ذي قبل، إذ يشهد عقلاً جمعيا ذكيا يجدد البرهنة على أنه قادر على إدارة ملفاته جميعها سياسية كانت أم اقتصادية وحتى اجتماعية، فقد كسر المحتجون حاجز العناوين العريضة إلى تفاصيل دقيقة وخطط عمل قابلة للتطبيق والقياس.
رسائل للقصر
“اسمع يا ساكن دابوق.. فليسقط حكم الصندوق” أحد الهتافات التي عادت مجددا إلى الشارع الأردني بعد غيابها، إذ يطالب المحتجون بإسقاط النهج الاقتصادي، والارتهان إلى قرارات صندوق النقد الدولي، مخاطبين الملك عبد الله الثاني، بإشارة لمكان وجود قصره.
ويشير الفزاع إلى أن الحراك الشعبي الحالي يمتلك ورقتين مهمتين، أولاهما آلاف النشطاء ممن تمرسوا على الحراك والتحشيد، وهم نشطاء يمارسون سياسة الاحتجاجات الاستنزافية إزاء القصر.
أما الثاني فيتمثل في قدرة الحراك على إسقاط نصف حكومات الملك منذ عام 2011 وإضعاف النصف الآخر، مما يعني استهدافه لاختيارات الملك وإسقاطها محاولًا دفعه لتغيير النهج كلياً، دون المخاطرة بأمن البلاد بإسقاط النظام دون وجود بدائل حقيقية.
ويقول صوالحة إن الدولة العميقة لن تسمح بأي حال من الأحوال باتساع رقعة الاحتجاجات، وهناك شواهد تعزز هذه القناعة مثل تعطيل البث المباشر على مواقع التواصل أو محاولة ضبط التغطية الإعلامية للمظاهرات، إضافة إلى حملة التشويه والتجييش والتحريض ضد المظاهرات وربطها بجهات خارجية.
ويعتبر بني ارشيد أنه “يمكن فهم محاولة احتواء هذا الحراك بطرق مختلفة” حيث الاعتقالات من جهة، ولقاء رئيس الوزراء مع مجموعة من نشطاء الحراك من جهة أخرى، فـ “النسخة الجديدة تشكل تحديا واضحا لجميع المكونات الأردنية، فهل تستطيع الجهات الرسمية بأدواتها المتعددة احتواء الحراك والسيطرة عليه؟”.
المصدر : الجزيرة