مواقع التواصل الاجتماعي وهندسة الإدمان
|يمضي الشخص العادي ما يقرب من أربع ساعات على هاتفه كل يوم، وهو ما يشكل 25% من وقت اليقظة، وأغلب ذلك الوقت مخصص لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا ما خلص له تقرير لتطبيق مومنت لتتبع الوقت الذي يستخدمه أكثر من 4.8 ملايين شخص.
ومع أن الكثيرين استفادوا من وسائل الإعلام وتطبيقاته ويرون فيها نموذجا جيدا للعولمة التي قربت المسافات والبشر، فإن شين باركر أول رئيس لشركة فيسبوك لا يرى هذه الفوائد بوسائل الإعلام الاجتماعية حيث قال “إنها تغير حرفياً علاقتك بالمجتمع، ومع بعضنا البعض، والله وحده يعلم ما تفعله بأدمغة أطفالنا”.
ويضيف باركر -الذي صنع ثروة من وراء فيسبوك، في مقابلة سابقة مع موقع أكسيوس- أن فكرة فيسبوك تتمحور حول إبقاء المستخدم على المنصة لأكبر وقت ممكن وتشجيعه لتقديم معلومات ومشاركة أكبر، عن طريق خدمات تحفز هرمون الدوبامين، مثل ميزة الإعجاب والمشاركة والتعليق على الصور التي تعطي الشعور بالارتياح مما يحث على الاستمرار بالمشاركة والبقاء أطول فترة ممكنة على المنصة وهو هدف الشركة الأساسي.
باركر أكد وجود هندسة معينة لتحويل مستخدمي منصات التواصل إلى مدمنين (رويترز) |
ومما يدعم حديث باركر -عن وجود هندسة معينة تستخدمها المنصات الاجتماعية لجذب المزيد من المستخدمين وتحويلهم إلى مدمنين لإبقائهم لأطول وقت ممكن على منتجاتهم- إنشاء شركة في وادي السيليكون “دوبامين لاب” بهدف استخدام تقنية تعلم الآلة لجعل تطبيقات الشركات الأخرى أكثر إدمانا.
وطورت الشركة -التي أسسها أخصائيان بعلم النفس العصبي وعلم الاقتصاد العصبي- برنامجا لمراقبة ردود أفعال المستخدمين وطلباتهم المختلفة عند إرسال إشعارات الشركات وكيفية تحسينها وتطويرها لحث المستخدم على قراءتها والبقاء لفترة أطول، وهي تقول إن هذا التطبيق زاد إيرادات الشركات التي تستخدمه بنسبة وصلت 10%.
سيكولوجية الإدمان وبرمجة العقل
سأل مقدم البرامج الشهير أندرسون كوبر مدير المنتجات السابق في غوغل ترستان هاريس في مقابلة لبرنامج 60 دقيقة “هل تقوم شركات وادي السيليكون ببرمجة التطبيقات أم برمجة عقول الناس؟” فأجاب بأن هذه المنتجات من أجهزة وتطبيقات وخصوصا منصات التواصل الاجتماعي مصممة لإعادة تشكيل عادات المستخدمين، وشبهها بماكينات القمار حيث يسحب المستخدم ودون أن يشعر صفحة التحديث في فيسبوك للأسفل ليظهر له آخر المستجدات على هذه المنصات.
وتسمى هذه الحالة في علم النفس “الخوف من فوات الشيء أو فقدانه” التي تجعل المستخدمين دائمي الترقب لكل ما هو موجود على وسائل التواصل الاجتماعي خوفا من تفويت حدث أو موضوع مهم.
ويرى هاريس أن سناب شات قد استخدمت هذه الخاصية في ميزة التتابع (ستريك) التي توفرها وتقوم على إعطاء علامات للمستخدم في حالة إرسال ومشاركة الفيديو عبر التطبيق وتخصم منه في حالة عدم المشاركة مما يضطر المراهقين لمتابعة الإرسال حتى لا يخصم من مجموع ستريك الخاص به.
ويقول الطبيب النفسي المختص بعلاج الإدمان علاء الفروخ إن هناك فرضيات حول طريقة تأثير الإنترنت وألعاب الفيديو وشبكات التواصل على بعض المناطق في الدماغ والتي تسمى منطقة التحفيز والمتعة (reward circuit). وهذا الشعور باللذة والمتعة يزيد إفراز الدوبامين بكميات متزايدة، ولتحقيق نفس المتعة واللذة بشكل دائم يجب قضاء ساعات متزايدة والقيام بألعاب متجددة وتحديات متنوعة بشكل تصاعدي.
وهذا يشبه الإدمان على المؤثرات العقلية والتي يتعاطاها المدمن بكميات متزايدة لتحقيق نفس المتعة رغم أن مفعول المؤثرات العقلية كيميائي بيولوجي وليس سلوكيا، كما هو الحال في إدمان مواقع التواصل.
ويرى فروخ أن إدمان القمار من أنواع الوسواس القهري حيث يعتبر اللعب المتزايد سلوكا ناتجا عن وساوس عند المستخدم تجعله يشعر بالقلق والتوتر ويحاول التخلص منه باللعب.
وهنا يكمن الفرق بين الإدمان التقليدي والسلوكيات التي غايتها الأساسية تحقيق المتعة واللذة وتركها يسبب القلق والتوتر، وبين السلوك القهري -كالقمار- الذي دافعه الأساسي تجنب التوتر والقلق أكثر منه تحقيق المتعة.
ويجد الطبيب النفسي روابط مشتركة بين الإدمان والسلوك القهري في حالات مواقع التواصل، فالبعض يجدها سبيل للتخلص من التوتر والألم، وآخرون يجدون فيها المتعة واللذة مما يجعل تصنيفها صعبا ويحتاج دراسات معمقة في هذا المجال.
مؤسسو الشبكات الاجتماعية وطبّاخ السم
عنونت جريدة غارديان في مقال “لا تنتشِ من بضاعتك أبدا، لماذا لا يستخدمها مديرو مواقع التواصل؟ وتحدثت عن عدم استخدام كبار المديرين في مواقع التواصل هذه المنصات.
فبحسب المقال فإن زوكربيرغ لديه 12 مشرفا لمساعدته في تحديث صفحته على فيسبوك. وهو ليس وحده الذي لا يستعمل فيسبوك بشكل كبير، بل أن المديرين بالشركة ليس لديهم أي نشاط يذكر على الشبكة.
وقال شاماث باليهابيتيا نائب الرئيس السابق لنمو مستخدمي فيسبوك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي -خلال محاضرة في كلية الدراسات العليا بجامعة ستانفورد- إنه نادرا ما يستخدم فيسبوك، وإن أولاده “غير مسموح لهم باستخدامه”.
ويضيف المقال أن الأمر نفسه ينطبق على مديري تويتر حيث يغرد أربعة فقط من مجموع تسعة كبار بالشركة أكثر من مرة يوميا، أما الرئيس المؤسس جاك دورسي فتغريداته لا تتجاوز 23000 تغريدة منذ إنشاء الموقع وهي أقل من غالبية المستخدمين الذين التحقوا بالطائر الأزرق بنفس الفترة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة أبل تيم كوك إنه عندما يتعلق الأمر بابن أخيه فإنه يعارض وجوده على شبكة اجتماعية.
المصدر : الجزيرة