في القدس.. الهدم الذاتي لكسر إرادة الفلسطينيين
|أسيل جندي-القدس المحتلة
لم يحلم المقدسي نعيم أبو دويح (53 عاما) بالسكن في بيت فارهٍ ولا بقصر منيف، جُلّ ما حلم به منزل متواضع يؤويه وأسرته، ليزيح عن نفسه عبء إيجارات منازل القدس الباهظة التي أثقلت كاهله.
جمع ما ادّخره من عرق جبينه على مدار 35 عاما وغامر قبل شهرين ببناء منزل مساحته 150 مترا مربعا في أرض والده المجاورة لمنزله المستأجر في حي الصلعة ببلدة جبل المكبر جنوب القدس.
قبل الشروع بالبناء توجه أبو دويح لمهندس مقدسي للحصول على استشارته، وأخبره الأخير بأن المنطقة التي ينوي البناء بها تصنفها السلطات الإسرائيلية على أنها أراض خضراء، لكنها تنوي تحويلها لمنطقة سكنية، ونصحه باستئناف البناء مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة المضي في إجراءات الحصول على ترخيص رغم الشروط التعجيزية والمبالغ الطائلة التي تفرضها بلدية الاحتلال.
حلم يتبدد
في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم بدأ نعيم بتحقيق أولى خطوات حلمه، فاستأنف العمال البناء تحت إشرافه، وراقب بشغف ارتفاع المداميك يوما بعد يوم، لكن سلطات الاحتلال لم تمهله طويلا، إذ اقتحمت الحي في الثالث والعشرين من الشهر نفسه وسلمته أمرا بهدم المنزل بعد إتمام الطابق الأرضي منه.
“توجهتُ لمحام عمل فورا على تحويل أمر الهدم إلى المحكمة، وهناك حكمت القاضية بأن أهدم منزلي بيدي لأنني لم أتبع الإجراءات القانونية في الحصول على ترخيص”، يقول نعيم أبو دويح.
نصحه المحامي بأن يبدأ بهدم سطح المنزل ببطء بالتزامن مع شروعهما بإجراءات الحصول على رخصة، وخلال الشهرين الماضيين اقتحمت طواقم البلدية الحي ثلاث مرات وعلقت أوامر هدم جديدة.
“كنتُ أتوجه لمنزل أحلامي وأهدم سطحه برفق يوميا، فلم تطاوعني نفسي بهدمه بقوة ودفعة واحدة، وتأملتُ أن أنجح في استصدار رخصه لأعيد ترميم السقف وأكمل البناء، لكن السقف الذي كنت أنقره برفق نهشته جرافات الاحتلال وحولته لركام مع بقية المنزل” والحديث لأبو دويح.
تسوية المنزل بالأرض
في تمام السادسة صباحا من يوم أمس الثلاثاء وصلت جرافات الاحتلال برفقة القوات الخاصة والشرطة والجيش لموقع البناء، وكان نعيم يعتلي المنزل كعادته كل صباح ليهدم سطحه ببطء، فأخبره الضابط أنه لم يعد هناك حاجة لقيامه بذلك لأن الجرافات ستسوي المنزل بالأرض.
“لا شك أن حزني عميق لهدم منزلي ونهش أساساته بالجرافات، لكنهم أزاحوا عني حملا ثقيلا في الوقت نفسه.. هدم منزلي بيدي مزقني وأهلك صحتي، أما هدمه من الاحتلال فأمر أقل صعوبة رغم عمق الألم النفسي والخسائر المادية”.
مئتا ألف شيكل بلغت تكلفة بناء المنزل واضطر نعيم للاقتراض من أقاربه لإتمامه لكنه هدم، وينتظر الآن إرسال إشعار له بقيمة المبلغ الذي ستطالبه به بلدية الاحتلال مقابل تحريك الجرافات والقوات لهدمه، ويرجح أبو دويح ألا يقل عن 100 ألف شيكل.
تجلس بجوار نعيم زوجته رانيا أبو دويح (43 عاما)، وفي حديثها للجزيرة نت قالت إن أقصى ما تمنته منذ زواجها الاستقرار في منزل يملكه زوجها لتتمكن من التصرف فيه بحرية.
ورغم محاولة نعيم تحقيق حلمهما فإن الترقب والقلق سادا الموقف منذ استئناف مشروع البناء. تضيف رانيا “منذ شهرين أجلس على النافذة المطلة على الشارع الرئيسي تحسبا لأي اقتحام مفاجئ بهدف الهدم أو التهديد به، عشتُ أياما صعبة أقسى ما فيها الانتظار الذي تكلل بهدم المنزل وتدمير مستقبلنا”.
|
حلم طفلة
بفارغ الصبر انتظرت الزوجة الانتقال للعيش في منزل جديد، وهذا ما كانت تنتظره طفلتها الأصغر إسراء ذات الأعوام العشرة أيضا والتي استقبلتنا في موقع الهدم وروت لنا تفاصيل هذا اليوم الذي أكدت أنها لن تنساه.
تروي إسراء المشاهد الأولى للهدم “استيقظت صباحا رأيت والدي وشقيقي محمد يقفان أعلى المنزل وقوات الاحتلال تهددهما بالاعتداء عليهما في حال لم يغادرا المكان فورا تمهيدا لهدمه.. عشت لساعات حالة من الرعب، أصعد السلالم وأعود لمكان الهدم وأنا أصرخ وأنتحب حزنا على المنزل وخوفا على عائلتي التي تتعرض للاعتداء الجسدي”.
تهوى إسراء الرسم وباحت لنا بأن أكثر ما تحب رسمه المنازل التي تزينها بألوان مختلفة، وكانت تحلم أن يكون لها في المنزل الجديد غرفة خاصة بها وقالت “كنت أريد غرفة جميلة لون جدرانها وردي والخزائن بها حديثة.. منذ ولدتُ وأنا أعيش في هذا البيت المستأجر وأنزعج بفصل الشتاء تحديدا لتسرب مياه الأمطار لداخله”.
المصدر : الجزيرة