تركيا.. بين القانون الدولي وجريمة القنصلية
|خالد ليوش-غازي عنتاب
كانت حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول وتقطيع جسده حسبما صرحت به تركيا وأقرّت به السلطات السعودية، هي الحادثة الأولى من نوعها في العالم.
وشهدت هذه القضية فصولا ومراحل عدة منذ لحظة دخول خاشقجي إلى القنصلية إلى لحظة الإعلان عن اختفائه ثم التحقيقات التركية والإقرار السعودي لاحقا بالجريمة. وأثارت القضية تساؤلات عديدة لدى الجمهور المتابع عن حدود المسموح والممنوع في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وآلية التعامل مع مقرات البعثات القنصلية.
اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية
في عام 1961 اجتمعت 177 دولة في العاصمة النمساوية فيينا، ووقعت على معاهدة دولية تحدد إطارا للعلاقات القنصلية بين البلدان. ضمت الاتفاقية 79 مادة تعتبر المرجعية الأساسية لآلية التعاملات بين الدول المضيفة والموفدة للبعثات القنصلية.
ولنعرف كيف تعاملت تركيا مع هذه القضية، نستعرض البنود التي يمكن إسقاطها على هذه الحادثة.
يتمتع موظفو البعثات القنصلية بحصانة دبلوماسية، وهي نوع من الحصانة القانونية وعُرفٌ متّبع بين الحكومات لتضمن عدم ملاحقة ومحاكمة الدبلوماسيين تحت طائلة قوانين الدولة المضيفة.
وتحدثت المادة 31 عن حرمة الدور القنصلية، وشددت على أن تكون حرمة الدور القنصلية مصونة، ولا يجوز لسلطات الدولة المضيفة دخولها إلا بموافقة رئيسها أو ممثله، ويتوجب على الدولة المضيفة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الدور القنصلية من الاعتداء والأضرار.
تؤكد المادة 41 من اتفاقية فيينا على الحرمة الشخصية للموظفين القنصليين، وألا يخضع الموظفون للاعتقال أو التوقيف إلا في حالة “الجرم الخطير” وتنفيذا لقرار السلطة العدلية المختصة. |
أما المادة 35 فجاءت في الحديث عن حرية الاتصال، حيث أكدت أنه على الدولة المضيفة أن تجيز وتحمي حرية الاتصال العائد لجميع الأغراض الرسمية، ويجوز للبعثة القنصلية لدى اتصالها بحكومتها أينما كانت أن تستخدم جميع الوسائل التي تناسبها بما في ذلك “الحقائب الدبلوماسية” أو القنصلية.
ولا يجوز فتح الحقيبة القنصلية ولا احتجازها إلا إذا كان لدى السلطات المختصة في الدولة المضيفة أسباب جدية تدعو للاعتقاد أن الحقيبة تحتوي على غير المراسلات والوثائق، فإنه يحق لها أن تطلب فتح الحقيبة بحضورها من قبل ممثل مفوض عن الدولة الموفدة. وإذا رفضت الدولة الموفدة إجابة مثل هذا الطلب فيحق للدولة المضيفة إعادة الحقيبة إلى مصدرها.
ويجب أن تحمل الطرود التي تتألف منها الحقيبة القنصلية علامات خارجية ظاهرة تبيّن طبيعتها. ولا يجوز أن تحوي إلا الوثائق والمراسلات الرسمية أو المواد المعدة للاستعمال الرسمي فقط.
وجاء في المادة 41 التأكيد على الحرمة الشخصية للموظفين القنصليين، وألا يخضع الموظفون للاعتقال أو التوقيف إلا في حالة “الجرم الخطير” وتنفيذا لقرار السلطة العدلية المختصة، وفي هذه الحالة يجب على الموظف القنصلي عند الاقتضاء المثول أمام السلطة المختصة.
كيف تعاملت تركيا مع الحادثة؟
بالعودة إلى حادثة مقتل خاشقجي، نجد أن السلطات التركية لم تدخل القنصلية السعودية إلا بعدما حصلت على موافقة من الجانب السعودي للدخول والتفتيش قبل أن تقر السعودية رسميا بوقوع الجريمة.
وتطالب تركيا الآن بمحاكمة المتورطين على أراضيها بعد إقرار السلطات السعودية بجريمة القتل، وتعتمد في ذلك على المادة 41 من اتفاقية فيينا التي تحدثت عن إمكانية اعتقال الموظف القنصلي في حال ارتكابه للجرم الخطير.
أما الإقرار السعودي بالجريمة وتفاصيلها الذي تطابق مع الرواية التركية، فإنه يمثل أيضا إقرارا بمخالفة الاتفاقية الدولية في غالبية بنودها واستغلال حرمة الدور القنصلية لارتكاب الجريمة، وهو انتهاك آخر يمس الدولة التركية ودفع المسؤولين الأتراك للتلويح بتدويل القضية إذا رفضت السعودية تسليم المطلوبين المتورطين بالجريمة إلى القضاء التركي.
المصدر : الجزيرة