الإمارات تخرق القانون والسيادة للسيطرة على موانئ القرن الأفريقي
|قاسم أحمد سهل-مقديشو
في خضم سعي الإمارات للاستيلاء على موانئ القرن الأفريقي لتحقيق مصدر اقتصادي قد يكون بديلا للنفط الذي تعتمد عليه حاليا كمورد دخل رئيسي، وقعت شركة دبي للموانئ العالمية عام 2006 عقد امتياز لمدة خمسين عاما مع حكومة جيبوتي للاستثمار في ميناء “دوراليه” للحاويات، التي تبلغ طاقته الاستيعابية 1.25 مليون حاوية.
وتتمثل أهمية الميناء في كونه المورد الرئيسي للبضائع التي تتدفق إلى إثيوبيا بعدما أغلقت الحرب التي دارت بين إثيوبيا وإريتريا عام 1998 ميناء “عصب” الإريتري الذي كانت إثيوبيا تعتمد عليه قبل ذلك في استيراد بضائعها.
وقد تشكلت شركة جديدة مشتركة تدير الميناء باسم “دي.سي.تي” تمتلك فيها الهيئة الوطنية لموانئ جيبوتي حصة 67%، بينما تعود الحصة الباقية (33%) لموانئ دبي.
بنود مجحفة
وذكر رئيس الهيئة الوطنية لموانئ جيبوتي أبو بكر عمر حدي في مقابلة مع القسم الصومالي لإذاعة “صوت أميركا” في وقت سابق من هذا العام أن قيمة التمويل لمشروع تطوير ميناء “دوراليه” بلغت أربع مائة مليون دولار ساهمت فيه جيبوتي بـ 88 مليون دولار، بينما قدمت موانئ دبى العالمية 44 مليون دولار وتم اقتراض الباقي سوية- وهو 268 مليون دولار- وقد تم تسديد آخر دفعاته في منتصف عام 2017 .
وتنبهت جيبوتي عام 2012 إلى أن عقد الامتياز الممنوح لشركة موانئ دبي يتضمن بنودا مجحفة، من بينها منع بناء موانئ جديدة قبل انتهاء مدة العقد، واستحواذ الشركة الإماراتية على قرار إدارة ميناء دوراليه رغم تملك الهيئة الجيبوتية حصة الأغلبية. ومنذ العام 2014 كانت جيبوتي تطالب بمراجعة العقد وتصحيحه، لكن دون جدوى.
وقد أدى هذا الأمر إلى إصدار جيبوتي يوم 22 فبراير/شباط الماضي قرارا يلغي عقد امتياز شركة موانئ دبي في ميناء دوراليه، ونقل إدارته إلى شركة وطنية مملوكة بالكامل لجيبوتي.
وبرر الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله ذلك لاحقا بأن العقد لم يكن عادلا، إذ كان يمنعهم من إنشاء موانئ جديدة، وهو أمر غير مقبول ويمس سيادة البلاد، إضافة إلى عدم رغبة الشركة الإماراتية في بروز ميناء ينافس ميناء دبي في المنطقة، وهو ما انعكس سلبا على تطوير ميناء دوراليه.
وذكر جيله أنهم لا يتدخلون في حصة موانئ دبي، لكن الميناء تديره الآن شركة وطنية، وهو قرار لا رجعة فيه.
التحكيم الدولي
موانئ دبي في حينها اعتبرت القرار الجيبوتي غير شرعي، وتعدّيا على التعاقد المبرم بين الطرفين، فلجأت إلى محكمة لندن للتحكيم الدولي.
وفي أواخر أغسطس/آب الماضي، أصدرت المحكمة قرارا لصالح موانئ دبي يقضي بأن يسري التعاقد بين الطرفين على ما كان عليه، وأنه يمنع على الهيئة الوطنية الجيبوتية تعيين مديرين جدد لميناء دوراليه.
غير أن جيبوتي اعتبرت القرار منحازا ولا يخصها نظرا لوجود قرار سيادي، وأنها مستعدة لشراء حصة الشركة الإماراتية في الميناء.
وعندما تيقنت شركة موانئ دبي أن طموحها في التحكم بميناء دوراليه قد لا يطول كثيرا، بحثت في المنطقة عن خيارات أخرى فوقعت اتفاقا أواخر العام 2016 مع إقليم أرض الصومال غير المعترف به دوليا والذي أعلن انفصاله عن الصومال من جانب واحد عام 1991؛ من أجل إدارة وتشغيل ميناء بربرة الواقع في منطقة إستراتيجية جنوب خليج عدن لمدة ثلاثين عاما.
إشراك إثيوبيا
العقد بصيغته الأولى يمنح شركة موانئ دبي حصة 65% من الميناء، وإقليم أرض الصومال 35%، إلا أنه تم تعديل العقد في غرة فبراير/شباط الماضي، إذ تنازلت الشركة الإماراتية عن 14% من حصتها وأرض الصومال عن 5% لصالح طرف ثالث هو إثيوبيا التي أشركت في العقد لاستثمارها في ممر بري يربط ميناء بربرة بالأراضي الإثيوبية.
ويقضي العقد بتنفيذ مشروع الميناء على مراحل، حيث سيتم في مرحلته الأولى -التي دشنت في الشهر الماضي بتكلفة 101 مليون دولار- بناء رصيف بطول 400 متر، وتوسيع منطقة الحاويات إلى 250 ألف متر مربع، مع إنشاء منطقة تجارية إقليمية بمساحة 12 كلم2.
ويستهدف مشروع الميناء أساسا دولة إثيوبيا ذات التعداد السكاني الكبير (100 مليون نسمة) التي ليس لها منفذ بحري، ودولا أخرى مثل جنوب السودان وأوغندا وغيرهما.
الإمارات وقعت اتفاقا لإدارة ميناء “بربرة” في إقليم أرض الصومال دون موافقة من الحكومة المركزية في مقديشو (رويترز) |
غير أن الحكومة الصومالية ألغت العقد يوم 2 فبراير/شباط الماضي بحكم أنها كممثل شرعي للصومال لم تكن طرفا فيه. كما صوت البرلمان الصومالي بأغلبية كبيرة في مارس/آذار الماضي بمنع شركة موانئ دبي من العمل في الصومال لانتهاكها سيادة البلاد.
ولا يزال الحزب المعارض “وطني” في إقليم أرض الصومال يعارض اتفاقية ميناء “بربرة”.
واعتبر عضو البرلمان الإقليمي سعيد عرتن أثناء إحدى الجلسات في يوليو/تموز الماضي أن مشروع تطوير ميناء “بربرة” والوعود بمشاريع تنموية مرافقة كلها زائفة، مشيرا إلى أن رواتب 60 أجنبيا جلبتهم الشركة تفوق مجموع رواتب 800 عامل محلي في الميناء.
ميناء بوصاصو
ولم تكتف دولة الإمارات باستغلال ميناء بربرة بصفة غير قانونية، وإنما عقدت شركة “موانئ بي آند أو” التابعة لحكومة دبي في أبريل/نيسان 2017 اتفاقا مع إقليم بونت لاند شمال شرقي الصومال الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي.
ولم توافق الحكومة الصومالية أيضا على هذا الاتفاق الذي يخص الاستثمار في ميناء “بوصاصو” على ساحل البحر الأحمر لمدة ثلاثين عاما بتكلفة إجمالية بلغت 336 مليون دولار، ويقضي ببناء رصيف بطول 450 مترا ومساحة دعم تبلغ خمسة هكتارات، وإزالة رواسب بعمق يصل إلى 12 مترا.
وسيتم تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع بتكلفة 136 مليون دولار، لكن لم يبدأ تطوير الميناء رغم مرور أكثر من عام على توقيع العقد.
وواجه المشروع احتجاجات من سكان المدينة ورجال الأعمال إزاء تصرف الشركة الإماراتية التي تسعى للتربح على حساب السكان، في حين تقدم أعضاء من البرلمان المحلي في أغسطس/آب الماضي بمذكرة ضد الشركة الإماراتية تطالب بطردها من الإقليم.
المصدر : الجزيرة