هياكل السيارات.. مأوى يحتضن مأساة مئات المشردين بصنعاء
|الجزيرة نت-صنعاء
وسط هياكل صدئة لحافلات وسيارات تتوزع عشوائيا بالقرب من مصرف للمجاري وسط صنعاء تكومت أجساد جعلت من تلك “الخردة” مخدعا لها لتقيها برد ليالي العاصمة التي تهبط فيها درجة الحرارة إلى ثلاث درجات مئوية.
ومن باقي هياكل السيارات والحافلات التي غطيت زجاجاتها بالطرابيل البلاستيكية تدب حياة أخرى، إذ تتربع أسرة أم مصطفى على ثلاث سيارات ودورة مياه في أحد المنازل القريبة، مما يجعلها في وضع متميز عن بقية الأسر.
خيمة لأسرة من المشردين في شارع بصنعاء (الجزيرة نت) |
هذه حياتنا
وبالقرب من تلك السيارات نصبت خيام ما لبثت أن تحولت مع الأيام إلى ما يشبه الغرف الصغيرة، وأمامها يرتص الرجال غالبا في المساء لتناول أعواد القات (نبتة منبهة يلوكها المتعاطون اعتقادا منهم بأنها تمدهم بالنشاط والحيوية).
يقول سعيد الذي يجمع الطعام الخاص بطفليه من أحد المطاعم نظير رفع نفايات الزبائن “هذه هي حياتنا ننام في الشارع ونأكل على ما يجود به علينا الآخرون، حياة قاسية ومتعبة، لكن الأمر ليس بيدنا، بل ربما نكون أفضل حالا من غيرنا”.
ويضيف للجزيرة نت “لا أملك المال للعيش في غرفة وحمام حجمها لا يتعدى مترين بمبلغ لا يقل عن عشرة آلاف ريال (عشرون دولارا) في الشهر، هنا أعيش بحرية، في موسم الشتاء نتضرر، لكننا نتحمل”.
وتسببت الحرب في اليمن بانهيار الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، وجعلت الآلاف من اليمنيين بلا مأوى، حيث ينامون على أرصفة الشوارع والطرقات.
كما فاقمت حركة النزوح إلى العاصمة صنعاء -التي تحظى بحالة أمنية نسبية- عدد المشردين الذين يتخذون حيطان مباني المؤسسات الحكومية مخدعا لنومهم، لكن قدوم فصل الشتاء قد يؤثر على الكثير منهم.
ويحاول عمار داود -وهو أحد الشبان الذين ينشطون في مبادرة شبابية محلية- مضاعفة جهده مع آخرين لجمع أكبر قدر ممكن من البطانيات المستخدمة، وإعادة تدويرها وغسلها وتوزيعها على المشردين، وهو يفكر في الاستعانة بالمنظمات الدولية.
ويقول “كل يوم تتسع دائرة الفقر ويزيد عدد المشردين، من بينهم مرضى نفسيون وعمال عاطلون عن العمل ونازحون من مدن أخرى، وفي النهاية هم بشر، ونحن نحاول مساعدتهم للبقاء أحياء، خصوصا في ظل قدوم الشتاء”.
ولا يوجد رقم أو إحصاء رسمي بعدد المشردين، لكن داود -الذي أطلق مبادرته قبل أيام تحت اسم كسوة الشتاء- يقول للجزيرة نت إنهم بالمئات.
يمتهنون التسول
شوارع صنعاء يجول عليها علي الأسطى بأسماله المتسخة وكيسه الذي يحمله على ظهره، فأينما “غلّست نمت”، أي بمعنى متى حل عليه موعد النوم فرش بطانيته التي يحملها ونام على أي رصيف.
الرجل الأربعيني يستعطف المارة بأن يدفعوا له بعضا من المال “فأنا فقير وأعيش على إحسان الناس، ولا أملك لأفراد أسرتي في القرية طعاما فهم يتدبرون أنفسهم ويعيشون على التسول مثلي”.
ويسرد الأسطى معاناته مع التشرد، ويقول للجزيرة نت إنه نزح مع أسرته بعد أن بدأت المعارك في مشارف مدينة الحديدة منتصف العام الجاري، وحينها قرر النزوح مع أسرته إلى العاصمة صنعاء.
ويضيف “في صنعاء الوضع مختلف، الحياة قاسية، ومع دخول البرد قررت أسرتي الرجوع إلى قريتنا في محافظة المحويت غرب صنعاء”.
ويحرص الأسطى على أن يضع كيسا قماشيا صغيرا تحت رأسه خشية ضياعه، فهو كما يقول “يحوي وثائق ومستندات مهمة لا تزال تذكرني بأنني ما زلت أعيش، وربما تعود الأيام كما كانت في السابق وتتوقف الحرب وأعود حارسا في أحد المصانع.. من يعلم؟!”.
فراش علي الأسطى (الجزيرة نت) |
سلطات عاجزة
وفي ظل تنامي ظاهرة التشرد تقول السلطات المحلية في العاصمة صنعاء إنها تحاول وضع حلول للمشردين، في حين تسعى المنظمات الدولية والمحلية لإيواء العدد الأكبر من النازحين ممن يملكون إثباتات تؤكد نزوحهم من منازلهم.
ووفق إسماعيل الكبسي -وهو مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل- فإن السلطات الحكومية غير قادرة على تحمل هذا العبء الكبير بسبب استمرار العدوان في تدمير اليمنيين وفرضه حصارا خانقا منذ أربع سنوات على اليمن.
وتسببت الحرب في مدينة الحديدة غربي اليمن في نزوح أكثر من ثلاثين ألف أسرة إلى صنعاء، حسبما قال مصدر في الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية (تابعة للحوثيين).
من جهة أخرى، قال تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن الأسبوع الماضي إن ثمانين ألفا و763 أسرة نزحت من محافظة الحديدة التي تشهد مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية والحوثيين منذ يونيو/حزيران الماضي.
وشملت المناطق التي قصدها النازحون محافظات عدة، من بينها العاصمة صنعاء، ومناطق أخرى آمنة في الحديدة.
المصدر : الجزيرة