جنرالات الإسمنت.. كيف يسيطر الجيش على اقتصاد مصر?
|لم يعد هدف عمليات التأميم في مصر -في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي– تحقيق الاكتفاء الذاتي بل تمكين كبار الضباط من بسط سيطرتهم على الاقتصاد وتحديدا قطاع الإسمنت.
وافتتح السيسي في 15 أغسطس/آب الماضي بشكل رسمي هذا المجمع الضخم الذي تبلغ قدرته الإنتاجية 12.8 مليون طن سنويا، والذي قلب الأوضاع في سوق الإسمنت بالبلاد التي احتلت المرتبة السادسة عالميا عام 2017 وإنتاج 69 مليون طن في السنة بمساهمة 29 مصنعاً، يقول التقرير.
وابتداءً من 2015 رفع الجيش كمية الإنتاج بمقدار أربعة ملايين طن سنويا مما جعل إنتاجه الإجمالي يصل 22 مليونا ملحقاً بذلك الضرر الكبير بمنافسيه من القطاعين الخاص والعام -كما يقول التقرير- مما أدى إلى اختفاء مؤسسة صناعية كبرى تابعة للدولة.
الجيش موّل مصنع بني سويف بكلفة 1.2 مليار دولار وشيده ثمانية آلاف عامل اشتغلوا ليلا ونهارا (رويترز) |
إغلاق شركات
أغلقت الشركة القومية للإسمنت أبوابها في 17 مايو/أيار الماضي بسبب خسارات جسيمة تقدر 971.3 مليون جنيه (47.452 مليون يورو) برسم السنة المالية 2017، وتم تسريح أكثر من 2300 من العاملين فيه.
ولم يعد هناك إلا مؤسسة النهضة التابعة للدولة بهذا المجال، وهي تحت إدارة أحد الجنرالات أيضاً، كما يشرح تقرير “لوريان 21”.
ورغم ما يواجهه القطاع الصناعي من مشاكل يسعى الجنرالات لفرض وجودهم فيه بأي ثمن، وبدأت الحكاية عام 2001 بتشييد مصنع العريش شمال سيناء بقدرة إنتاجية تبلغ 4 ملايين طن سنويا، لكن شهية الجيش تضاعفت بعد ذلك حيث أصدر السيسي عام 2014 مرسوماً يمنح الجيش الحق في إدارة المحاجر، ومنذ ذلك الحين “تضاعف سعر الجير ثلاث مرات” كما ينقل التقرير عن اتحاد الصناعات.
وفي فبراير/شباط الماضي وصلت إنتاجية مصنع العريش إلى 9.6 ملايين طن سنويا، ومع مصنع بني سويف الجديد -الذي كلف إنشاؤه 1.2 مليار دولار من تمويل الجيش وعمل على تشييده ثمانية آلاف عامل يعملون ليلاً نهاراً خلال سنتين كاملتين متبنيا تقنية صينية- ستصل الإنتاجية الكلية في البلاد سنوياً إلى 87 مليون طن، يقول التقرير.
ربع الإنتاج الوطني
ويعتقد كاتب التقرير أن الهدف من هذه الحملة الجامحة إعادة رسم خارطة سوق الإسمنت في مصر، وينقل عن أحمد الزيني رئيس الفرع باتحاد الصناعات قوله إن “القوات المسلحة تريد إعادة هيكلة السوق والتحكم بالأسعار والحيلولة دون تلاعب القطاع الخاص به”.
وحسب بنك “سي أل كابيتال” فقد أصبح الجيش المنتج الأول للإسمنت بكميات تبلغ ربع الإنتاج الوطني، في حين ستشهد السوق تقلبات شديدة لسنوات قادمة، وفق ما يذكر التقرير.
وحسب البنك “سيستمر تأثير مشاريع الجيش على القطاع حتى عام 2022” في وقت بدأت بعض الشركات تعاني من هذا الوضع ولا سيما الشركات الأجنبية المتعددة الجنسية.
ويضيف الكاتب أنه “سواء أكانت من القطاع العام أم الخاص، مصرية أم أجنبية، فإن الشركات تأثرت كلها سلبا، فهي محاصرة بين سوق محلية راكدة تشتري بأرخص الأسعار ومنتج كبير بالبذلة العسكرية يستفيد من امتيازات جمة”.
ويتابع “الجيش لا يدفع رسوم الجمارك ولا الضرائب ويستخدم المجندين من دون أجر في منشآته ويستفيد من التخفيضات على المواصلات ومن محاجر مجانية، كما أن وجود جنرالات متقاعدين في وظائف بوزارات يلعب دورا حاسماً بسوق الإسمنت كالمواصلات والتموين والإسكان”.
وليس الإسمنت استثناءً على القاعدة، فالجيش -يقول الكاتب- دخل كل قطاعات الاقتصاد تقريبا: الصلب والرخام وصناعة الجلود والصناعات الغذائية والآلات المنزلية والأدوية بالتواصل مع المختبرات الأجنبية… أما الأرباح، فإن كان ثمة أرباح فتذهب مباشرة إلى المؤسسة العسكرية التي تظل ميزانيتها سرّية.
وفي هذا الوضع تخسر الدولة مبالغ كبيرة من الإيرادات الضريبية وموارد في غاية الأهمية للمرافق العامة، ويكسب الجيش الوظائف المريحة لكبار الضباط المحالين على المعاش، أما الشعب فليس له مكسب حتى في ما يتعلق بأسعار الإسمنت التي لا تعتبر رخيصة فعلاً بسبب قنوات التوزيع التي تثقل الأسعار.
ويخلص تقرير موقع “لوريان 21” إلى أنه “إن كان جمال عبد الناصر قد أمم الشركات ليمنح البلاد اكتفاء ذاتيا، فإن السيسي قد جعل قبضة الجنرالات تتحكم بالاقتصاد كله عبر الامتيازات الخاصة والوساطات المتسترة التي توفر لكبار الضباط حياة رغيدة”.
المصدر : الصحافة الفرنسية,مواقع إلكترونية