مواكب صوفية بذكرى المولد النبوي.. أي يد خفية للأمن المصري؟
|الجزيرة نت-القاهرة
بالتزامن مع ذكرى المولد النبوي في مصر، تشهد العديد من المدن والقرى مسيرات ومواكب تنظمها الطرق الصوفية احتفالا بهذه المناسبة، لكن الأمر لا يبدو بريئا تماما، ودوافعه ليست دينية بالضرورة.
فقد أكد أحد أعضاء الطرق الصوفية بمصر للجزيرة نت أنهم لا يتحركون إلا بأوامر جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، موضحا أن المواكب الصوفية بالقرى المصرية -خلال المولد النبوي الشريف- تتم بالتنسيق مع شيخ الطريقة بكل مدينة ومحافظة، وبإشراف ضباط الأمن الوطني، الذين يشارك بعضهم في هذه المواكب.
وقال المصدر (الذي طلب عدم ذكر اسمه) أن الأمن الوطني منع الاحتفالات الصوفية بالمولد النبوي في يناير/كانون الثاني 2014، بسبب مظاهرات جماعة الإخوان المسلمين (اعتراضًا على الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013)، ثم عاد وسمح بالاحتفالات ثانية عام 2015.
وبيّن المصدر -في حديثه للجزيرة نت- أن معظم أعضاء الطريقة الصوفية التي ينتمي لها؛ يحملون بطاقات باسمها معتمدة من الأمن، حيث يتم إرسال بيانات كل مريد جديد للأمن كي يعتمد بطاقة عضويته، والتي تُستخدم أيضًا للمرور من كمائن الشرطة. مشيرًا إلى اختيار بعض مشايخ المتصوفة للخطابة بالمساجد باتفاق بين مديريات الأوقاف والأمن.
مصريون صوفيون يحتفلون باستقبال السنة الهجرية في سبتمبر/أيلول الماضي (رويترز) |
انحياز دائم للسلطة
ويبلغ عدد الطرق الصوفية في مصر نحو 77 طريقة، تتفرع من أربع طرق رئيسية: الرفاعية والبدوية والشاذلية والقنائية. وتكشف مواقفها السياسية انحيازها الدائم للسلطة؛ ففي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك عقدت مشيخة الطرق الصوفية مؤتمرها الأول عام 2004 بعنوان: “الشورى بالإسلام.. الأمل والرجاء برمز الأمة الرئيس مبارك”، داعية إياه لمواصلة الترشح للرئاسة.
وإثر ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وعلى غرار أحزاب السلفيين، وجماعة الإخوان المسلمين، أنشأت طرق صوفية أحزاب: “التحرير” و”النصر” و”نهضة مصر”، لكن اللافت أن عددا من قياداتها بالمحافظات كانوا ضباطا سابقين بالجيش والشرطة، ورغم ادعاء وجود 17 مليون “مريد” في الطرق الصوفية؛ فإن أحزابهم لم تؤثر في المشهد السياسي.
وكان الاستثناء الوحيد من الانحياز الدائم للسلطة، في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث كشفت تصريحات ومواقف قادة الطرق الصوفية عدم سعادتهم برئيس مصري منتخب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، عادت القيادات الصوفية لتأييد السلطة العسكرية الجديدة؛ ففي مايو/أيار 2014، التقت قياداتهم المشير عبد الفتاح السيسي، مقدمين دعمهم له في الانتخابات الرئاسية آنذاك. ووصفه خليفة خلفاء الطرق الرفاعية بالمنيا زين العابدين فهمي “بالمرشح الصوفي”، وفي مايو/أيار 2016 زعم علاء أبو العزائم عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم راضٍ عن السيسي.
وفي الانتخابات التالية، جمع أمين اتحاد القوى الصوفية الناصر حلمي توقيعات لدعم السيسي لمدة رئاسية ثانية؛ وذلك خلال مولد السيد البدوي في مدينة طنطا (شمال القاهرة). وفي مارس/آذار 2018 قال “شيخ مشايخ” الطرق الصوفية عبد الھادي القصبي إن “كتلتنا التصويتية 17 مليونا كلها تؤيد السيسي”.
في سبتمبر/أيلول الماضي، فازت -لأول مرة في مصر- قيادة صوفية بزعامة الأغلبية البرلمانية، حيث ترأس رئیس المجلس الأعلى للطرق الصوفیّة عبد الھادي القصبي “ائتلاف دعم مصر” بمجلس النواب (البرلمان)، مما اعتبره محللون صعودًا للصوفية في عهد السيسي على حساب الإخوان والسلفيين.
السيسي والصوفية
ودائما يحاول السيسي الظهور بمظهر المتدين في خطاباته واستشهاداته القرآنية والنبوية، وربما يفسر ذلك نشأته “بحارة البرقوقية” بحي الجمالية قرب منطقة الحسين بالقاهرة، والتي تعج بالطقوس المذهبية من التصوف إلى التشيع.
وفي رصده لتلك النزعة، يرى الباحث السياسي خليل العناني –في مقال عام 2014- أن “الفهم الديني للسيسي يغلب عليه الطابع الأرثوذكسي التقليدي، مع مسحة شعبوية تستبطن النزعة الصوفية (الرؤي والأحلام والبشارات) من جهة، والمحتوى السلفي من جهة أخرى”.
ويحرص السيسي على حضور معظم المناسبات الدينية، كما يحرص على اصطحاب رموز صوفية خلال ندوات الجيش ولقاءاته العامة، أبرزهم المفتي السابق علي جمعة، المعروف بتأييده الشديد للنظام.
كما اختار السيسي الشيخ أسامة الأزهري –تلميذ جمعة- مستشارًا له، ورأى محللون أن ذلك على حساب شيخ الأزهر أحمد الطيب -المتصوف أيضًا– لكنه لا يروق للسيسي، ويعتبره البعض حجر عثرة ضد رغبة الأخير في تغيير الخطاب الديني.
ويظهر بشكل متواصل في لقاءات السيسي الداعية اليمني والرمز الصوفي الحبيب علي الجفري المقرب من الإمارات، رغم ما أثارته مؤسسته “طابة” الصوفية -ومقرها أبو ظبي– من جدل في العالم الإسلامي بتنظيمها مؤتمر “من هم أهل السنة والجماعة؟” بغروزني عاصمة الشيشان في أغسطس/آب 2016، والذي اعتبر السلفية والوهابية خارج أهل السنة والجماعة.
دعم رسمي وتشجيع أميركي
وحول استخدام الدولة للصوفية، يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي أن “التيار الصوفي كان الداعم الأكبر (للسيسي) في السنوات الخمس الأخيرة، وهناك دراسة أطلقتها مؤسسة (راند) الأميركية حول استخدام الصوفية أمام الإسلام الحركي”.
ودعا تقرير “راند” لدعم التيارات الفكرية “الأقرب لمنظومة القيم الغربية”، حيث قسم التيارات الفكرية العربية إلى: الأصوليين والتقليديين والحداثيين والعلمانيين، مشيرًا إلى ضرورة دعم الحداثيين والعلمانيين ومكافحة الأصوليين والتقليديين، ودعم المذهب الحنفي على حساب الحنبلي، والصوفية على حساب السلفية.
وفي -حديثه للجزيرة- يعتقد فرغلي أنه “بدأت خطوات تنفيذها (توصيات راند)، وهناك بعض الطرق الصوفية تدار الآن بشكل تنظيمي، منها: النقشبندية، والأحمدية الهاشمية، والعشيرة المحمدية، والجازولية، وغيرها؛ إذ تحولت لتنظيمات وليست طرقا، أو على الأقل مؤسسات لها مكاتب وإدارات”.
وأكد أن “القوى الكبرى كأميركا ترى أن العصر القادم للصوفيين، ولذا فهي تسعى لدعم الطرق عبر إعادة إعمار المزارات والأضرحة، ونشر المؤلفات الصوفية، والمشاركة الدبلوماسية في بعض أنشطتهم، وتمتين العلاقات الحميمية مع طرقها وشيوخها ورموزها”.
وأوضح أن الصوفية بمصر لها دور كبير في موازاة تيار الإخوان والسلفية الجهادية، وأنه يجرى دعمها من الدولة والترويج لها إعلاميًا، مبينًا أن الإسلام الصوفي “مقبل” بقوة الدعم له من الدولة، وأن ذلك الدعم يخدم مشروع الدولة لأن من يرأس الطرق مقربون منها”.
المصدر : الجزيرة