الدور السعودي بالعراق.. سباق النفوذ والتوجس المعلن
|وليد المصلح-بغداد
لم تكن العلاقة بين بغداد والرياض بمنأى عن التوتر وعدم الاستقرار طيلة الثلاثة عقود المنصرمة، ولعل الصراع على النفوذ ولعب دور محوري للدول العربية من بين أهم الأسباب الرئيسية, إضافة إلى حرب الوكالة ما بين السعودية وإيران التي ألقت بأوزارها الثقيلة على المشهد برمته, حيث بات العراق مسرحا للتنازع والتدافع وتصفية الحسابات.
لكن السعودية أيقنت أخيرا أن لا طائل مع المزيد من الاستقطاب في الولوج إلى الداخل العراقي، فقررت في 30 ديسمبر/كانون الأول 2015 افتتاح سفارتها في بغداد بعد قطيعة دامت لأكثر من 25 عاما.
هنا بدأ الدور السعودي بالتململ في الساحة العراقية، فكانت بوابة العودة عبر ملفات عدة كالسياسة والاقتصاد والأمن وحتى الرياضة.
سياسيا
سعت الرياض إلى دعم شخصيات سنية بعينها بدعوى توحيد الطيف السني وتنحية خلافاته، في وقت أقصت فيه آخرين لم يرق لهم المزاج السعودي في التعاطي مع الواقع العراقي الشائك.
ولعل السفير السعودي السابق في بغداد ثامر السبهان -الذي تم تغييره بطلب من الحكومة العراقية على خلفية تصريحات اعتبرتها تدخلا بالشأن الداخلي- كان سباقا في جمع الأطراف السنية المتناحرة على محجة بيضاء من خلال لقاءات ومؤتمرات في أنقرة وعمان, لكنها أخفقت في إيجاد رؤية مشتركة لأولئك المجتمعين.
ويبدو أن “الرز” السعودي أتخم البطون الخطأ، وأن من راهنت عليه المملكة خرج من المعادلة خالي الوفاض حتى أن البعض لم يتمكن من شراء مقعد واحد بالبرلمان الجديد, كما حصل مع حليفها الأبرز رئيس ائتلاف تضامن وضاح الصديد الذي أخفق في محاولة الشراء تلك, وفق مكالمة صوتية مسربة نسبت إليه.
تقول النائبة بالبرلمان عن دولة القانون عالية نصيف للجزيرة نت “السعودية عارضت المشروع السياسي في العراق لقتل دوره في المنطقة، وتدخلت في الشأن العراقي باستخدام عملاء وأدوات عراقية, والسنة خرجوا عن طاعتها لأنها لم تساعدهم في تأهيل محافظاتهم”.
وأيا كانت الأسباب، فثمة من يسعى اليوم إلى تبين الخيط الأبيض من الأسود، والظهور في العلن بمعزل عن الأجندات التي لا تخدم الداخل.
ويرى المتحدث باسم المحور الوطني النائب ليث الدليمي في حديث للجزيرة نت أنه “يتعين على العرب أن يكونوا حريصين على استقرار العراق فهو بحاجة لذلك، والتركيز على معالجة واقع المواطن، وبناء المدن المدمرة نتيجة الإرهاب, والإسهام في تطوير المؤسسات الحكومية العراقية”.
أما الباحث بالشأن السياسي هشام الهاشمي فيشير إلى أن تعثر الدور السعودي في بلاد الرافدين يعود لتبعية هذا الدور للإدارة الأميركية، وعدم وضع إستراتيجية واضحة بمعزل عن إملاءات الحلفاء، مشيرا إلى أن “السعودية اخطأت بوقوفها خلف أميركا في إعادة ترميم وتوازن البيت السني العراقي، إذ إن المبعوث الأميركي بريت مكغورك تقهقر وتأخر أمام قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني“.
اقتصاديا
كلتا الجارتين لديهما ضالة تنشدها من الأخرى، بدءا من تأسيس مجلس للتنسيق السعودي العراقي، وافتتاح معبر عرعر بعد غلق تجاوز ربع قرن, وتدشين الرحلات الجوية بين بغداد والرياض, ومشاركة الشركات السعودية في معرض بغداد الدولي العام الماضي بما يزيد على 60 شركة.
وفي الأغلب هي رسائل مبطنة يراها الخبير الاقتصادي أحمد الوائلي “تنم عن صبغة سياسية أكثر منها اقتصادية” مضيفا بأن “التبادلات الاقتصادية ليست بالحجم الكبير، إلا في حال عملية التنسيق بالإنتاج النفطي للمحافظة على ثبات الأسعار بالسوق الدولية” فالمغازلة السياسية جلية لا يحجبها غربال من أجل “إبعاد العراق عن المحور الإيراني”.
أمنيا
أعمال العنف والأمن المفقود عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003, غالبا ما كان الاتهام فيها يطال عربا وسعوديين، فالحدود بين البلدين طويلة, ولا يمكن السيطرة على تدفق المال والسلاح, مما دفع السعوديين إلى إيفاد رئيس هيئة الأركان السعودية عبد الرحمن بن صالح إلى بغداد يوم 21 يوليو/تموز 2017 للتباحث مع نظيره العراقي عثمان الغانمي حول ملف الأمن ودعم العراق في حربه ضد تنظيم الدولة الاسلامية. وتم الاتفاق آنذاك على فتح مركز أمني مشترك لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين في محاولة لإثبات حسن النوايا السعودية تجاه بلد صنف بأنه ثالث أخطر بلد في العالم وفق مؤشر السلام العالمي لعام 2016.
الوائلي يرى أن مغازلة الرياض لبغداد سياسية لإبعاد العراق عن المحور الإيراني (الجزيرة) |
رياضيا
التوقيع على بروتوكول تعاون شبابي رياضي مع السعودية عام 2017, ومنه كانت البداية لعودة سعودية إلى واجهة الرياضة في العراق.
“الدعم السعودي القوي والمؤثر هو ما كان ينقصنا الفترة الماضية” هكذا يصف وزير الشباب والرياضة السابق عبد الحسين عبطان دور المملكة وأثره في كسر الحظر المفروض على الملاعب العراقية منذ 33 عاما, وهو اعتراف بنجاح للدور السعودي في ظاهره لكنه يشير أيضا إلى غياب غير مبرر في فترة ماضية.
وبعد مباراة ودية بين منتخبي البلدين على ملعب جذع النخلة في البصرة، يتبرع ملك السعودية بملعب لكرة القدم في بغداد يتسع لمئة ألف متفرج, في بادرة أخرى تصب في السياق نفسه.
تباين الدور السعودي خلال الحقبة الماضية خلف تساؤلات كثيرة وسط الشارع العراقي الذي عبر عن قلقه إزاء سياسة القوة الناعمة بين البلدين، في ظل متغيرات عديدة على الصعيدين المحلي والإقليمي.
المصدر : الجزيرة