من لوحة دافنشي لصفقة ترامب.. كلفة محمد بن سلمان على السعودية

بينما يعاني المجتمع السعودي الفقر والبطالة التي سجلت نسبة قياسية باقترابها من 13%، بدا واضحا إقبال الأمير الشاب منذ تعيينه وليا لولي للعهد على مظاهر الحياة والمتعة والإنفاق بترف، بداية بشراء القصر واليخت واللوحة الأغلى بالعالم، مرورا بصفقات مع واشنطن كانت الأكبر تاريخيا مما أثار لغطا كثيرا، وانتهاء بمشاريع “مليارية” بمسميات غير مألوفة بمقدمتها مشروع “نيوم”.

وانقلبت الكثير من الأمور رأسا على عقب في المملكة منذ الإطاحة بالأمير محمد بن نايف من ولاية العهد، ومنحها لمحمد بن سلمان في 21 يونيو/حزيران 2017.

ومنذ ذلك التاريخ لم يتوان ولي العهد الجديد في توسيع صلاحياته وقمع معارضيه مما سهل عليه التصرف في كامل مقدرات المملكة بلا رقيب، مرفقا ذلك كله بإغداق الأموال على شركات الدعاية الغربية لتحسين صورته.

القصر الأغلى
وقد انتقد المتابعون للشأن السعودي إنفاق الأمير الشاب للأموال بلا حساب رغم أنه يقدم نفسه كإصلاحي ومحارب للفساد، ففي عام 2015، اشترى محمد بن سلمان قصر لويس الـ 19 في باريس بأكثر من 300 مليون دولار في صفقة وصفتها مجلة “فورتشن” بأنها صفقة لأغلى منزل في العالم.

وكشفت صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر/كانون الأول 2017 أن ملكية القصر تمت تغطيتها عن طريق شركات وهمية في فرنسا، لكن الملكية الحقيقية تعود لشركة سعودية يديرها الأمير محمد بن سلمان شخصيا.

ويتكون القصر من أجنحة توفر 10 غرف نوم، وقاعتي رقص، وأحواض سباحة داخلية وخارجية، وملعب إسكواش، وصالة رياضية، ومسرحا وسينما بالإضافة إلى قبو للخمور.

لوحة “مخلص العالم” عرضت في معرض كريستيز بلندن في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 (غيتي)

لوحة دافنشي
نهاية 2017 ثار جدل بشأن هوية المالك الجديد للوحة “مخلص العالم” للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، قبل أن تكشف صحيفة وول ستريت جورنال أن محمد بن سلمان هو المشتري الحقيقي، في صفقة هي الأعلى بتاريخ الفن، وذلك بعد أن أوعز لوكيل سعودي بإتمام عملية الشراء.

ونقلت الصحيفة -عن مصادر بالمخابرات الأميركية ومصدر سعودي مطلع- أن اللوحة بيعت بمزاد أقامته دار كريستيز في نيويورك يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بقيمة 450.3 مليون دولار.

وفي السياق ذاته، اعتبرت نيويورك تايمز أن شراء اللوحة بثمن أعلى من أربعة أمثال القيمة المقدرة لها يشير إلى “انتقائية في الحملة على الفساد” بالسعودية.

اليخت الخيالي
وفي أبريل/نيسان الماضي، اشترى محمد بن سلمان يختا ضخما بمبلغ خيالي، وهو ما أكده عضو مجلس الشيوخ الأميركي بيرني ساندرز الذي صرح بأن “ولي العهد السعودي اشترى مؤخرا يختا بقيمة نصف مليار دولار لأنه اعتقد أنه جميل” مضيفا “أنا متأكد من أن القصر الذي يملكه الأمير -وهو الأغلى بالعالم- جميل هو الآخر”.

إنفاق المليارات
وفي إطار التحضير لإعلان محمد بن سلمان وليا للعهد -وما اعتبره محللون صفقة مقابل إجراء تغييرات داخل الأسرة الحاكمة- احتضنت الرياض يوم 20 مايو/أيار 2017 قمة بين الرئيس الأميركي الجديد (دونالد ترامب) والملك سلمان بن عبد العزيز، انتهت بالتوقيع على اتفاقيات دفاعية بقيمة 460 مليار دولار.

وبعد ذلك بأشهر وتحديدا في مارس/آذار الماضي، قال ترامب -خلال استقباله محمد بن سلمان بالبيت الأبيض– إن قيمة بعض هذه الصفقات المقدرة بمليارات الدولارات قليلة، ولاحقا طلب تقديم المزيد من الأموال لبلاده مقابل حمايتها للنظام السعودي.

ترامب وهو يثني على “صديقه الحميم” قال إن السعودية “دولة ثرية جدا وستمنح بلاده بعضا من هذه الثروة” ورد ولي العهد السعودي مبتسما بأن العلاقة بين البلدين كانت سببا في “توفير أكثر من أربعة ملايين فرصة عمل بالولايات المتحدة“.

رؤية 2030
وفي 25 أبريل/نيسان 2016، قدم محمد بن سلمان رسميا مشروعه الاقتصادي “رؤية 2030” التي جاء في نحو 80 صفحة بكلفة تبلغ مليارات الدولارات مبشرا بازدهار اقتصادي وعهد جديد للمملكة، لكن لم تمض سوى أشهر معدودة حتى بدأ الشك يسري بهذه الرؤية.

فقد بدا للمراقبين بكل وضوح أن “الرؤية المتنورة” وسياسة الأمير الشاب أدخلتا البلاد حالة غموض في ظل صعوبة تحقيق هدفها الرئيسي وهو تنويع الاقتصاد والابتعاد عن الارتهان لمداخيل النفط عبر تنمية القطاع الخاص مما جعل مركز كارنيغي للدراسات يخلص إلى أن رؤية محمد بن سلمان محكوم عليها بالفشل.

ولاحقا اضطر الصندوق السيادي للمملكة إلى اقتراض 11 مليار دولار، بينما أظهرت البيانات الرسمية أن حجم الديون السعودية يواصل ارتفاعه في ظل انخفاض أسعار النفط إلى مستويات بعيدة عن تلك التي سجلت عام 2014.

لافتات دعائية لمحمد بن سلمان في شوارع لندن (غيتي)

مشروع “نيوم”
وفي مغامرة أخرى، قدم ولي العهد للسعوديين مشروعا يمتد لعقود تحت اسم “نيوم” في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بمساحة 26.5 ألف كيلومتر مربع شمال غربي المملكة.

وعلى الورق، رصدت للمشروع -الذي يمتد بين ثلاث دول (السعودية ومصر والأردن)- ميزانية تصل إلى نصف تريليون دولار، لكن كثيرين يعتقدون أن تكلفته تفوق الإمكانات الاقتصادية للسعودية.

وفي الوقت الذي هلل فيه الإعلام السعودي لـ “مدينة المستقبل والأحلام” انتقد محللون ضخامة حجم الاستثمار فيه (500 مليار دولار) وذكّروا بمشاريع كبرى جرى التبشير بها على مدى العقود الماضية لمدن اقتصادية ومشاريع ضخمة أعلنت في احتفالات مشابهة بينما كانت النتيجة مخيبة.

وكالات الدعاية
وللترويج لتلك المشاريع الضخمة وتقديمها للغرب على أنها تحول إصلاحي تشهده مملكة محمد بن سلمان، أنفق الأمير الشاب بسخاء ملايين الدولارات على الشركات البريطانية والأميركية المتخصصة في هذا المجال.

وخلال العامين السابقين، عاشت تلك الشركات أزهى فتراتها حيث تحولت العاصمة البريطانية لندن إلى مركز أساسي لحملة العلاقات العامة والحملات الإعلانية لصالح السعودية وأغدقت عليها بالأموال مقابل الترويج لأجندة محمد بن سلمان “الإصلاحية”.

ووفق نتائج تحقيق استقصائي لصحيفة غارديان البريطانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ظفرت شخصيات وشركات بريطانية متعددة بعقود مالية كبيرة، من بينها وكالة فرويد ومكتب لندن للناشر الإلكتروني “فايس” وشركة “بيل بوتينغر” للتسويق التي تكلفت بتقديم المشورة لمحمد بن سلمان فيما يخص التواصل الإستراتيجي.

وفي يوليو/تموز الماضي، نشرت ديلي تلغراف تقريرا عن تلقي “معهد التغيير العالمي” الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق توني بلير 12 مليون دولار مقابل تقديم المشورة.

وقدمت هذه الأموال شركة “ميديا إنفستمنت” التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق التي يديرها أحد المقربين من ولي العهد.

وعلى عكس ما أراده الأمير المصلح، جاء اغتيال المواطن جمال خاشقجي بالقنصلية في تركيا وما أعقبه من تحقيقات ليحول صورة محمد بن سلمان إلى ديكتاتور يبطش بمعارضيه ويسكت أصواتهم للأبد، وهو ما لخصه بروس ريدل العضو السابق بوكالة المخابرات المركزية بالقول “لقد حاول محمد بن سلمان أن يبني صورة لنفسه بأنه إصلاحي على الأقل من الناحية الاجتماعية، وأنه ليس فاسدا، ولكن الوقائع التي حدثت ضربت تلك الصورة”.

المصدر : وكالات,الجزيرة,مواقع إلكترونية

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *