الريسوني: لا يمكن أن نعالج القضايا المعاصرة بفقه الماوردي أو الجويني
|حاوره محمد أعماري-الدوحة
قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ أحمد الريسوني إن الاتحاد سيركز في المرحلة المقبلة على توسيع باب الاجتهاد في الفقه الإسلامي، و”إنتاج رؤى شرعية لمختلف القضايا المعاصرة التي هي قضايا غير مسبوقة، ولا يمكن أن نعالجها بفقه الماوردي أو الجويني أو حتى ابن خلدون، بل لا بد من الاستفادة مما مضى ونعالج ما استجد برؤانا واجتهاداتنا”.
وأضاف الريسوني -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن على الاتحاد توسيع باب الاجتهاد في العلوم الشرعية وضبط آلياته وإدخال عناصر جديدة فيه؛ كالاعتماد على العلوم الحديثة والعلوم الاجتماعية، وإدخال عنصر المقاصد أكثر فأكثر.
وقال إن “هذه كلها تطلعات تعبر اليوم عن نفسها في صفوف العلماء، ونحتاج أن ندفع بها ونقعّدها”، مشيرا إلى أن “الاتحاد يضع على عاتقه مهمة التجديد والاجتهاد وضبط مناهج الاجتهاد لدى علماء الأمة”.
وقال الريسوني أيضا إنه “ليست هناك أي دولة تتدخل أو تطلب شيئا أو تملي شيئا أو تعترض على شيء في عمل الاتحاد”.
وأكد أن قطر دعمت الاتحاد منذ انطلاقه، وما تزال تدعمه، وأن تركيا الآن تدعم الاتحاد ماديا ومعنويا، “وهذا شيء لا غبار عليه ولا نخفيه، بل نعتز به وندعو كافة الدول إلى أن تحذو حذو هاتين الدولتين”، حسب قوله.
منذ أيام تم انتخابكم رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ما تصوركم لإدارة المرحلة القادمة في عمل الاتحاد؟
بسم الله والحمد لله، شكرا لكم على إتاحة هذه الفرصة للتواصل مع القراء والمهتمين. الاتحاد بالطبع له تصور ورؤية وخطط للمرحلة المقبلة، ولكن أهم شيء يركز عليه الجميع الآن أعضاء وقيادة هو ما نعبر عنه “باستكمال مأسسة الاتحاد”. فالاتحاد -ولله الحمد- قطع أشواطا جيدة في هذه “المأسسة”، وفي إدارته، وفي بناء هيئاته القيادية والتشاورية، ولكنه مع ذلك ما يزال في حاجة إلى المضي في هذا الاتجاه.
وكما سمعنا مرارا من شيخنا الرئيس المؤسس الشيخ يوسف القرضاوي، الذي أكد هو وغيره أن هذا الاتحاد ليس لفلان ولا لبني فلان، ليس لدولة ولا لجماعة ولا لشخص ولا لشخصين، ولا للمؤسسين ولا لغيرهم، هو مفتوح لجميع العلماء.
نحن إذن نعمل على أن تصبح مؤسسات الاتحاد تعمل وتمثل العلماء وإرادتهم ووجهة نظرهم، ونريد أن تنتفي أكثر فأكثر صفة الشخصنة والظرفية، وأن يتم استكمال بناء مؤسسات الاتحاد، وتمتين الربط بين أعضائه من جهة، وبينهم وبين سائر العلماء وهيئات العلماء الأخرى المحلية من جهة ثانية.
هذا الأمر أكاد أقول إنه مستعجل، ويحظى لدينا بأولوية كبيرة، لأن بقية الأولويات والأهداف والطموحات إنما تتأتى من خلال هذا البناء وهذا الأساس، فهذه إذن أولى أولوياتنا في الشهور المقبلة إن شاء الله.
قلتم إن الاتحاد ليس تابعا لا لدولة ولا لأشخاص، هل معنى ذلك أنه ليست هناك أي دولة تتدخل أو ستتدخل في الاتحاد، أو ستؤخذ بعين الاعتبار في عمله ومواقفه، بما في ذلك دولة قطر التي تستضيف مقر الاتحاد؟
أولا ليست هناك أي دولة تتدخل في الاتحاد، هذا شيء يجب أن نقوله والتاريخ أمامنا. ليست هناك أي دولة تتدخل أو تطلب شيئا أو تملي شيئا أو تعترض على شيء في عمل الاتحاد، لكن من المعلوم بالضرورة أن قطر دعمت الاتحاد منذ انطلاقه وما تزال تدعمه، وتركيا الآن تدعم الاتحاد. كلتاهما تدعمانه ماديا ومعنويا، وهذا شيء لا غبار عليه ولا نخفيه، بل نعتز به وندعو كافة الدول إلى أن تحذو حذو هاتين الدولتين، لأن هذا الاتحاد هو لجميع الدول الإسلامية، وأقول الدول وليس فقط الشعوب والأفراد.
إذن بالنسبة للتدخل، أشهد أنه خلال هذه المدة الطويلة نسبيا وخلال الفترة الماضية وحتى الآن ليس هناك من يطلب منا شيئا واحدا. الأتراك والقطريون يطلبون منا أن نمضي في استقلالنا وفي رسالتنا، وأن نعلن كلمة العلماء لا أقل ولا أكثر.
يعيب البعض على الاتحاد “انجراره” أحيانا وراء التطورات السياسية و”إهماله” العمل العلمي والفقهي؛ فما تعليقكم على ذلك؟
بصراحة هذه معادلة ما فتئنا نناقشها منذ تأسيس الاتحاد، وهي ما المدى الذي يجب أن يبلغه الاهتمام بالأحداث والأحوال السياسية للأمة الإسلامية وللعالم؟ وما مدى الإعراض عنها أو الحياد تجاهها؟
هناك تأرجح وهناك نقاش، وآخر ما اتفقنا عليه في بعض المذاكرات الأخيرة أن نسعى في القريب أيضا إلى أن تكون لنا وثيقة تحدد ما نتدخل فيه وما لا نتدخل فيه، وحين نتدخل كيف نتدخل؟ وما حدود هذا التدخل وما شروطه؟
كل هذا سنحاول ضبطه، وإلا فنحن فعلا لا نستطيع غض الطرف عما يجري حولنا، ليس هذا شأن العلماء، الذين نريدهم أن يكونوا متفاعلين مع محيطهم ومؤثرين فيه، ونريد لأنفسنا أن نكون كذلك، كما أننا لا نستطيع أن نغرق في يوميات الجدل السياسي، لأننا حينذاك سنتحول إلى تنظيم سياسي أو حزب أو حكومة.
إذن فنحن ندرس كيف نضبط إيقاعنا وخطواتنا “بين بين”، فلا نحن نهمل قضايا الأمة وما يقع فيها من خير وشر ومعضلات، ولا نحن ننخرط في الجدال السياسي ونغرق فيه. طبعا نحن مضى علينا كما مضى على الأمة كلها -خاصة العالم العربي- ما سمي الربيع العربي، وقيل إن الاتحاد انخرط بدرجة كبيرة خلال تلك الفترة في الجدل والتدافعات التي شهدتها، لكن من الذي لم ينخرط بدرجة كبيرة في تلك الأحداث؟ حتى من لم يشم ريح السياسة قط من قبل انخرط فيها، سلفيين وأحزابا وعامة الناس، كانت لحظة حرجة وغليانا لا يسع الناس إلا الانخراط فيه.
فالمحاسبة تكون على الظروف العادية، ومع ذلك عندما تدخل الاتحاد ورئيس الاتحاد آنذاك شيخنا العلامة القرضاوي كان تدخله تدخلا مبدئيا، وهذا المبدأ ما يزال قائما، نحن مع الشعوب وهذه المسألة لا هوادة فيها، إذا تململت الشعوب من الظلم والخنق ومن إهدار حقوقها وكرامتها، فسنساندها دوما.
نحن لا ندخل في تفاصيل كيف جرت الأحداث في سوريا أو في ليبيا أو في مصر أو هنا أو هناك، إذا تحركت الشعوب ضد الظلم فنحن معها من حيث المبدأ، وما نريد أن نضبطه كما ذكرت من قبل هو ما حدود هذا التدخل المبدئي؟ وأين يبدأ وأين ينتهي؟
قلتم في البيان الختامي للاجتماع الأخير للجمعية العمومية للاتحاد، الذي عقدتموه منذ أيام في إسطنبول، إن من مهام الاتحاد إصلاح “النظام الاجتهادي”، ماذا تقصدون بذلك؟
المقصود هو أننا إذا كنا ننتقد الأوضاع السياسية، ونطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية، فيجب أن نلتفت إلى أنفسنا، وإلى صفوف العلماء، وإلى مزيد من جرعات التجديد والاجتهاد والإبداع وإنتاج رؤى شرعية لمختلف القضايا المعاصرة، التي هي قضايا غير مسبوقة، ولا يمكن أن نعالجها بفقه الماوردي أو الجويني أو حتى ابن خلدون، بل لا بد من الاستفادة مما مضى، ونعالج ما استجد برؤانا واجتهاداتنا.
علينا توسيع باب الاجتهاد، وليس فقط فتحه، فهو مفتوح دائما ومنذ زمان، وعلينا أيضا ضبط آلياته وإدخال عناصر جديدة فيه، كالاعتماد على العلوم الحديثة والعلوم الاجتماعية، وإدخال عنصر المقاصد أكثر فأكثر. هذه كلها تطلعات تعبر اليوم عن نفسها في صفوف العلماء، ونحتاج أن ندفع بها ونقعّدها. الاتحاد يضع على عاتقه مهمة التجديد والاجتهاد وضبط مناهج الاجتهاد لدى علماء الأمة.
ما تعليقكم على تصاعد موجة التطبيع مع إسرائيل في الأيام الأخيرة، خاصة في منطقة الخليج والزيارات المتكررة لمسؤولين إسرائيليين إلى دول خليجية؟
هذا من التدخلات السياسية الواجبة التي لن نحيد عنها، سواء القضية الفلسطينية بصفة عامة أو قضية التطبيع بصفة خاصة. لنا موقف يَلزَمُنا وهو في أعناقنا لا نحيد عنه، وهو أنه لا تساهل ولا هوادة مع الاحتلال الإسرائيلي، وما نشأ عنه من اغتصاب للأرض ومن مظالم للشعب الفلسطيني وللشعوب المجاورة لفلسطين.
نعتبر أن التطبيع اعتراف بهذا الاغتصاب وبهذه المظالم وإقرار لها وتشجيع وتأييد لها؛ فالتطبيع ليس مسألة دبلوماسية أو سياسية محضة في العلاقات الدولية، بل هو يعني أن المطبعين يرحبون بالمجرمين وبالإرهابيين ويمدون أيديهم إليهم ويعانقونهم ويعطونهم الشرعية، هذا هو معنى التطبيع وحقيقته، وهذا لا يمكن أن نقبله.
وبصفة عامة، هذا فعل ندينه، والاتحاد أصدر بيانا في ذلك قبل شهر أو أكثر قليلا. التطبيع بالنسبة إلينا يعني هذه الانزلاقات، وسنظل نقاومه ونرفضه دوما.
نقل عنكم أيضا قولكم إن قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي هي قضية عربية إسلامية، كيف ذلك؟
هذا ربما كان من التعبيرات الشخصية التي عبرت فيها عن رأيي الشخصي، والآن أنا أتحدث باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نعم قلت هذه العبارة -وما زلت أقولها ولكن بصفتي الشخصية- ففعلا قضية جمال خاشقجي هي قضية هزت الضمير العربي والإسلامي، وعلى سبيل المثال في الاتحاد عندما فتحت مناقشات حرة، كثير من الناس ذكروا القضية بالاسم وحتى من غير العرب.
والاهتمام العالمي الآن بهذه القضية والاتجاه إلى تدويلها كل هذا يؤيد ما قلته، لكن ما قلته ليس تعبيرا عن أي موقف للاتحاد، فهو لم يذكر هذه المسألة في بيانه ولم يتطرق إليها، وربما هي تمثل جزئية ضمن مواقف الاتحاد الداعية إلى احترام الحريات والكرامة وحرية التعبير وحقن الدماء، وكل هذا لا يخرج عن مبادئ الاتحاد، لكن الاتحاد ليس له حتى الآن تعبير في هذه القضية بالذات.
في بيانكم أيضا تكلمتم عن الأقليات المسلمة في العالم، هل هي ضمن برنامج عملكم؟ وماذا أعددتم أو تعدون لها؟
ما نعده يدخل في ما ذكرته من قبل، وهو وضع خطة وميثاق لكيفية تناول بعض القضايا السياسية الإسلامية؛ فالأقليات المسلمة إذن -لا سيما تلك التي تتعرض للاضطهاد والمظالم- لا بد أولا أن نستمع إليها، ونتحرى أوضاعها حتى لا نقع في أي مبالغة أو تسرع، وبعد ذلك سنقف بجانبها على الأقل بالكلمة الصادقة للرأي العام ولدى المسؤولين في تلك الدول ولدى المسؤولين في العالم الإسلامي.
سنسعى إذن إلى مزيد من التحري والتدقيق في معرفة أحوال هذه الأقليات دون أن نقع في إفراط ولا تفريط، وبعد ذلك نواصل مناصرتنا لها بما نملكه.
المصدر : الجزيرة