القروض الصغرى بالمغرب.. استثمار كريم أم متاجرة بالفقراء؟
|مريم التايدي-الرباط
“سيزيدون من تعريتهم، ويزيدون من تفقيرهم.. القرض يضر أكثر مما ينفع.. لن أعيد التجربة مهما حصل”.. بهذه الخلاصة الجازمة، أجابت فاطمة القريشي (اسم مستعار) وهي تحكي -بتردد وخوف- قصتها مع الاستدانة عبر القروض الصغرى وعُسر السداد.
وبصوت مبحوح من ألم الذكرى التي لا تزال تتجرع مرارتها، قالت للجزيرة نت إن “القرض خرّب حياتي”.
باعت فاطمة -وهي واحدة من ضحايا كثر تستقبل جمعيات حماية المستهلك والجمعيات الحقوقية شكاياتهم باستمرار- أغراض بيتها، واستدانت بدل المرة أربعا، ولم تحسب حساب خدمة الدين، وكانت تقترض من جديد لتسدد أقساط القرض السابق.. أفلست تجارتها الصغيرة التي من أجلها استدانت، وتعرضت للإهانة والسب والشتم بلغت حد التعنيف واللجوء إلى القضاء.
جدل قديم يتجدد
أعاد قرار الحكومة المغربية رفع سقف القروض الممنوحة من جمعيات القروض الصغرى من 5 آلاف دولار إلى 15 ألفا، الجدل القديم حول القروض الصغيرة إلى الواجهة.
وبحسب الحكومة، جاء القرار استجابة لطلب قدمته جمعية المقاولات الصغيرة جدا (جمعية الشركات الصغيرة) بهدف تعزيز موارد المؤسسة الصغيرة الذاتية في ظل عدم قدرتها على الحصول على قروض من المصارف.
غير أن دراسة سابقة لجمعية “أطاك المغرب” (حقوقية اقتصادية) تحت عنوان “نظام القروض الصغرى بالمغرب.. فقراء يمولون أغنياء” أظهرت أن “مؤسسات القروض الصغرى تستغل حاجة وجهل زبائنها، إذ 57% منهم أميون وبدون تكوين علمي، وأكثر من 34% لا يزاولون أي مهنة”.
وخلصت الدراسة إلى أن القروض الصغرى أبعد ما تكون عن محاربة الفقر، وأنها “وسيلة جديدة للمتاجرة في فقر الفقراء”.
فهل تساهم الإجراءات الجديدة في توسيع إمكانيات الحصول على الاقتراض لصالح الشركات الصغيرة التي تمثل حوالي 90% من النسيج الاقتصادي المغربي، أم تزيد من توسيع فرص الجمعيات والمؤسسات المموِّلة في الاستثمار في حاجة الفقراء، وترفع من أرباح استثمارات يُتوجه إليها من أجل تحويل جزء من موارد الفقراء عبر فرض معدلات فائدة مرتفعة؟
قرار الحكومة المغربية رفع سقف التمويل الممنوح من جمعيات القروض الصغرى أثار جدلا (رويترز) |
آلية للتمويل بوجه الإفلاس
يقول الخبير الاقتصادي نوفل الناصري للجزيرة نت إن “التمويل الصغير آلية عملية إيجابية من أجل تحقيق التقاء بين تنمية الاقتصادية والحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة عبر إدخالها في النشاط الاقتصادي الوطني، بهدف الرفع من مؤهلاتها”.
ويستطرد الناصري أن تطبيق القروض الصغيرة عرف ارتباكا في كل العالم، بالنظر إلى ارتفاع نسب الفائدة، واعتماد عقود الإذعان، وتدني الخبرة المالية لدى الزبائن.
من جانبه يرى عبد الله الفركي رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة أن “إجراء رفع سقف القروض الصغرى إجراء مهم لفئة واسعة من الشركات عبر تأهيلها للحصول على التمويل”، موضحا أن جمعيته طالبت بالبديل عبر جمعيات القروض الصغرى لأن المصارف ترفض تمويل المشاريع الصغيرة.
وعلى عكس فاطمة التي تنصح بالابتعاد عن الاقتراض، يطمح عماد برادة (44 عاما) إلى الاستفادة من هذه الآلية.
ويحكي عماد للجزيرة نت “نحن المقاولين الصغار جدا يكون لدينا معاناة مع تأجيل الدفع، مما يضعنا في وضعية عدم تغطية التأخير، وفي حاجة إلى السيولة”. وأوضح -بأسف ظاهر- كيف أضاع صفقة بقيمة مئة ألف درهم (10 آلاف دولار) لعدم توفر السيولة النقدية.
وأشار إلى أنه لا يستطيع الحصول على تمويل بنكي لأن حجم مشروعه لا يستجيب للشروط، حيث يدير شركة صغيرة جدا في الدار البيضاء، يوظف فيها ثلاثة أفراد ويعمل في أدوات الوقاية الشخصية والبدنية (خوذ وقفازات الحماية وغيرها).
جرح لم يندمل
مل زال جرح الكثير من ضحايا القروض الصغرى في المغرب لم يلتئم بعد، إذ أدى العجز عن الأداء نتيجة فرط الاستدانة وتطبيق معدلات فائدة فاحشة؛ إلى ظهور حركة ضحايا القروض الصغرى عام 2011 في ورزازات، وما تبعها من مسيرات ومحاكمات في الجنوب الشرقي المغربي، والمسيرة العالمية للتضامن مع ضحايا القروض الصغرى.
في هذا السياق أكد رئيس جمعية حماية المستهلك (مدنية) بوعزة الخراطي في حديث للجزيرة نت، أن الجمعية تتلقى شكايات كثيرة تخص القروض الصغرى.
وأضاف الخراطي أن القروض تعرف مشكلا كبيرا في المغرب، معتبرا إياها “أكبر كارثة”، ورأى أن القروض الصغرى “ما هي إلا وسيلة لتفقير الفقراء وإغناء الأغنياء”، معتبرا قرار الحكومة رفع سقف الاقتراض قرارا سياسيا، وأنه سيستنزف جيوب المستهلكين.
بدوره يعتبر الاقتصادي نوفل الناصري أن القروض تورط المستهلك في خدمة الدين، مما يؤثر على الاستهلاك وبالتالي على الطلب الداخلي، مشيرا إلى أن الواقع ما زال يؤكد وجود حالات متضررة، وأن نسبة من المستفيدين يعلنون الإفلاس.
وأكد الناصري أن دراسات “النمذجة والمحاكاة” تظهر أن هناك إشكالات حقيقية في تطبيق القروض الصغيرة، وأن نسبة مرتفعة منها تحيل على الفقر، والمستفيد الأول منها هو المستثمر.
توازن وضمانات
ولإيجاد التوازن بين متطلبات التمويل لدى فئة واسعة من صغار المقاولين، والحد من جشع الممولين (جمعيات قروض صغرى أو مصارف)، نبه الناصري الحكومة إلى وجود مؤسسات تستثمر في جيوب المواطن وعلى حساب الاقتصاد الوطني، مشددا على ضرورة انتهاج سياسة انتقائية واعتماد تكوين المستفيدين وتوعيتهم قبل تمكينهم من الاقتراض.
وأشار إلى ضرورة دعم التسويق واعتماد تمويلات تشاركية صغرى وتشجيع القطاع التضامني والتعاوني ودعم عقود المضاربة المبنية على الإنتاج لا الإقراض.
من جانبه يرى عبد الله الفركي أن الحكومة أقرت بضمان 70% من القروض عبر صندوق الوطني للضمان، لحماية الشركات الصغيرة. كما تراهن جمعية المقاولات الصغيرة على مشاركة المصارف في تمويل هذه الشريحة لوجود الضمان، وبالتالي تكريس المنافسة بما يتيح الحماية من جشع الفوائد.
ويعتبر الفركي أن جمعيات القروض الصغرى طورت أداءها، ويمكنها التعامل مع المقاولات.
وأكد أن أكثر من عشرة آلاف مقاولة عرفت إفلاسا خلال العام 2017، وأن جمعيته تعمل مع الحكومة على تكييف مدة السداد مع حجم القرض، ونسب الفائدة.
أما عماد وغيره من المقاولين الصغار فينتظرون تمويلا بنسبة قليلة ولمدة معقولة تسمح له بالعمل من أجل التسديد.
يشار إلى أن قطاع التمويلات الصغرى يضم نحو عشرين جمعية تمويل، ويوظف أكثر من ألفي شخص.
المصدر : الجزيرة