متشبث بالسلطة حتى الموت.. السيسي متوجس من أي ثورة للتغيير
|عبد الكريم سليم-القاهرة
آخر تلك التصريحات جاءت في كلمة السيسي أثناء مشاركته في منتدى شباب العالم الذي استضافته مدينة شرم الشيخ، حين قال إن “التكلفة الإنسانية والمالية والأخلاقية التي دفعتها دول المنطقة التي شهدت صراعات وأزمات، أكبر بكثير مما لو كان استمر الوضع فيها دون تغيير”.
وشدّد السيسي على أن الفراغ الذي يسببه التغيير غير المدروس -مثلما حدث في دول المنطقة- لا يملؤه إلا “الأشرار”، إذ تتداعى مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية والقوات المسلحة ثم تتبعها بقية المؤسسات.
من القصر للقبر
لكن رسائل السيسي في منتدى الشباب لم تتوقف عند هذا الحد، فهو يحذر المصريين من الخروج للتغيير، لكنه يشرح في الوقت نفسه رؤية جديدة تتعلق بنظرته للتداول السلمي على السلطة وبقاء الحكام فيها إلى الأبد؛ خلال إجابته عن سؤال أحد الحاضرين.
هو شاب يدعى محمود من غينيا كوناكري، وجه سؤالا مباشرا للسيسي عن رأيه في الرؤساء الذين يريدون البقاء في الحكم إلى الأبد ويتجاوزون مدة ولايتهم، وكانت المفاجأة أن السيسي رد عليه بطريقة لم تكن متوقعة، حيث قال إنه “لا يوجد أبد، الأبد ينتهي بعمر الإنسان، ليس هناك أبد مطلق، الجميع سيموتون، ولن يبقى الحاكم حاكما 100 أو 200 سنة”.
إذن فالسيسي لا يريد خروج المصريين للتغيير، ولا يريد الخروج من منصبه، فما الحل إذن؟ هكذا تساءل مصريون في مناقشاتهم اليومية وعلى مواقع التواصل.
يجيب مجدي حمدان نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية بأن التغيير عبر الصندوق بات “شبه مستحيل”، وهي الرسالة التي يوجهها السيسي للداخل بسياساته.
أما التغيير بالتظاهر أو الثورة فالسيسي يحذر منه في رسائل مقصودة للخارج، ليقول للعالم إن نظامه صمام أمان ضد القلاقل والفوضى.
ويرى حمدان أن قلق السيسي حقيقي، لأنه يدرك أن الضغوط المعيشية على المواطنين باتت فوق الاحتمال، وتحولت إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
|
|
سيطرة وقلق
وشهدت مصر خلال فترة حكم السيسي عدداً من الاحتجاجات الشعبية، آخرها الاحتجاج ضد رفع تذاكر مترو الأنفاق، وأخمدتها قوات الأمن بقوة وقسوة.
غير أن الزيادات المتصاعدة في أسعار السلع والخدمات مرت دون ضجيج احتجاجي، واكتفى المصريون بهمهمات مكتومة خلف جدران المنازل والمكاتب والمقاهي.
كما نجحت سياسات السيسي في تأميم نقاط الاحتجاج المقلقة للنظام في مختلف أنحاء القاهرة والأقاليم، التي انطلقت منها الشرارات الأولى لثورة يناير/كانون الثاني 2011.
ومن أبرز هذه النقاط سلم نقابة الصحفيين الذي كان آخر احتجاج عليه منذ نحو العام ضد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وألقت الشرطة القبض على عدد من المحتجين وصحفييْن كانا يغطيان الاحتجاج.
ويبرز التناقض بين مظاهر قدرة النظام في السيطرة على المشهد السياسي وقمع أي احتجاج، وبين القلق الذي يبديه السيسي في كل مناسبة من خروج المصريين للتغيير.
ويفسر الكاتب والمحلل السياسي سيد أمين هذا التناقض بأن خوف السيسي من خروج المصريين طلباً للتغيير ناجم عن إدراكه بأن كل الإجراءات التي اتخذها منذ ظهوره لإثبات شرعيته “إجراءات مزيفة”.
ويعزو أمين تكرار السيسي لتهديداته بالفوضى حال خروج المصريين ضد حكمه؛ إلى أن حالة الغضب تصاعدت لأقصى مدى ضد سياساته، ولا بد أن أجهزته ترفع له تقارير مفصلة ترصد مواقف المصريين تجاه قراراته المستبدة وسياساته القمعية.
ويسود اعتقاد واسع بأن الخروج للتغيير هذه المرة لن يكون كالخروج السلمي في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بل سيكون أشد عنفاً وضراوة، نظراً لحالة الاحتقان الشديد والاحتقار البالغ الذي يبديه نظام السيسي تجاه كل مقدس لدى المصريين، بداية من الاستهانة بالأرواح، وليس انتهاء بالتفريط في الأرض.
لذلك يرجح أمين أن تكون تحذيرات السيسي للمصريين من الخروج مدفوعة بذعره من “سيناريو لا يبقي ولا يذر”.
وأبدى مواطنون -تحفظوا على ذكر أسمائهم أو وظائفهم- يأسا من سماح السيسي باستبداله بآخر، لأن الانتخابات الأخيرة كشفت عن “ذعره” من ترك المنصب، لأن حسابه خارجه سيكون “عسيرا”.
واعتقل السيسي شخصيات عسكرية أبدت رغبتها في الترشح لانتخابات الرئاسة، بتهمة مخالفة التقاليد العسكرية، والترشح للرئاسة دون إذن من القوات المسلحة، من أبرزهم رئيس الأركان الأسبق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة.
كما ضيقت الأجهزة الأمنية على مرشحين مدنيين للرئاسة بشكل دفعهم للانسحاب من السباق.
واستدعى السيسي على عجل منافساً صورياً له هو رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، بعد اعتذارات متتالية لرؤساء أحزاب وشخصيات سياسية معروفة.
وشهدت الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس/آذار الماضي عزوفاً ملحوظا للناخبين، وبدت اللجان شبه خاوية، لدرجة دفعت السلطات إلى إجبار الموظفين والمواطنين على المشاركة في الاقتراع.
ورأى مراقبون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة دلالة بالغة على رغبة السيسي في الاحتفاظ بالكرسي بأي ثمن، كما برز اتجاه بين أعضاء البرلمان لتمديد وجوده بالرئاسة عبر تعديل الدستور إما بفتح مُدد الترشح، أو بمنحه عامين إضافيين في فترته الجديدة.
وأبدى المراقبون مخاوف من أن تتسبب هذه الإجراءات في اليأس من التغيير السلمي، مما يفتح الباب على سيناريوهات مرعبة للتغيير في البلاد.
المصدر : الجزيرة