جدران القامشلي بين حقبتين.. شمولية حزب البعث وأحادية الأكراد
|شفان إبراهيم-القامشلي
في السابعة والنصف صباحا، يحمل حازم دفاتره وكتبه للصف الثالث الثانوي ويتوجه إلى ثانوية “تشرين” بحيّ الأربوية في القامشلي شمال شرقي سوريا، يتوقف أمام جدران المدرسة وكأنه فقد شيئا ما.
يقول حازم للجزيرة نت “ما زلت أتذكر حين كنت في الصف السابع شعارات تمجد حزب البعث العربي الاشتراكي على جدران مدرستي التجارة وابن النفيس، وقاعة الرياضة.. لم يكن هناك شعار واحد يدفعني للحياة والحب”.
يشك حازم من تكرار الأمر ذاته قائلا “كذلك تفعل السلطات الآن، تركز على ما تريد، لا على ما نرغب في قراءته نحن.. سئمت من الحرب وما يرمز إلى الدماء والقتال، وأبحث عما يزرع الطمأنينة في داخلي”.
وشكلت جدران المدارس والمراكز الحكومية في القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة؛ فضاء لشعارات سياسية شمولية لحزب البعث، بينها “ميلاد البعث ميلاد فجر جديد”.
ثم ما لبثت أن تبدلت نصوص الشعارات وبقيت الرمزية الأحادية لتعبر عن الاتحاد الديمقراطي بعد سيطرته في بدايات 2013 على المنطقة من قبيل “ثورة المرأة الديمقراطية هي ثورة الحياة”.
تتشابه السلطتان في الاستخفاف بالقارئ، فهطول مطر خفيف كفيل بفضح نوعية الطلاء الرديء المستخدم في كتابة تلك الشعارات الكبيرة، حسب حازم.
رسائل متشابهة
بدوره، يرى المهندس جوان أن الرسائل تتشابه في مضامينها وتسعى لإقناع القارئ بصواب سياساتهم، بعيدا عن الذوق العام.
يقول للجزيرة نت إن البعثيين “كانوا يرون سوريا كلها ملكا لهم وحدهم، وحتى الإدارة الذاتية الكردية الآن وإن غيّرت من شكل الشعارات، لكنها أيضا تروّج لما ترغب في فرضه وتأسيسه بمفردها”.
تتركز هواجس جوان حول نفسية أطفاله وتأثرهم بمثل هذه الشعارات، إذ يقول “يعود ابني من المدرسة ليتحدث عن الثورات والحرب.. لا أرغب أن يقرأ ابني أيّ أفكار سياسية لأي طرف حزبي”.
ويستنكر جوان استغلال حزب البعث الجدران العامة لتعميم أفكاره والشعارات المُمجدة للحزب والدولة، دون ذكر لأي تعددية ثقافية أو سياسية.
سياسات وجدران
يذكر أنه بعد سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المنطقة وتمركزه في مدينتي الحسكة والقامشلي عَقبَ انسحاب النظام السوري، وإعلانه عن إدارة ذاتية من طرف واحد، رسم الحزب سياساته ومشاريعه السياسية على الجدران ذاتها.
وعوضا عن الرسومات والشعارات التي كان يستخدمها النظام، تحولت الكتابات إلى ما يرمز للإدارة الذاتية ومكانة المرأة في فلسفة الحزب ومفهوم الأمة الديمقراطية، دون غيرها من الأفكار والتوجهات السياسية الأخرى.
من جهتها، تبدي نازدار سعادتها بتلك الشعارات وتقول “كتبنا على مدرجات الملعب في قامشلو: سوريا ديمقراطية وكردستان مستقلة”.
وتضيف أن الملعب البلدي أطلق عليه اسم “7 نيسان” للدلالة على حزب البعث الحاكم، ثم بدّل الاتحاد الديمقراطي الاسم إلى ملعب “12 آذار” نسبة إلى انتفاضة 2004 الكردية في القامشلي.
غرس أفكار
ويرى الأكاديمي المختص بالعلوم السياسية شيار عيسى أن الغاية من مثل هذه الكتابات هي غرس أفكار وأيدولوجيات الجماعات المعنية لتترسخ في اللاشعور السياسي، لتغدو شعارات تلك الجماعات “جزءا من الحياة اليومية للمواطنين”.
ويقول إن الجماعات المدنية تحاول ترسيخ مفاهيم أخرى مدنية وحقوقية تتعلق بمفاهيم التعددية وحقوق الإنسان، وتبعث “رسالة مبطنة تحاول من خلالها مجابهة مشاريع الهيمنة الأيدولوجية، لكن أدواتها تبقى محدودة في ظل التضييق الممارس ضدها”.
لذلك لجأت بعض المنظمات المدنية إلى استبدال الشعارات الممجدة للسياسات الحزبية برسومات تعبر عن العيش المشترك وثقافات مكونات المنطقة، حسب عيسى.
وفي هذا السياق، رسمت منظمة “بيل” ثلاث لوحات تعبيرية على جدران الملعب البلدي تعبر كل واحدة منها عن الموروث الشعبي والفلكلوري للأكراد والعرب والسريان في المدينة.
المصدر : الجزيرة