التعديل الوزاري بإيران.. روحاني يتفادى العزل ويستعد لعقوبات ترامب
|الجزيرة نت-طهران
أجرى الرئيس الإيراني حسن روحاني تغييرات واسعة في التركيبة الاقتصادية لحكومته عبر اختيار فريق اقتصادي جديد نال ثقة مجلس الشورى (البرلمان) السبت الماضي.
وسبق ذلك تغيير رئيس البنك المركزي الإيراني بعدما وصلت قيمة الريال الإيراني إلى مستويات منخفضة غير مسبوقة، فقد إثرها قرابة ثلثي قيمته بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي يوم 8 مايو/أيار الماضي.
وحضر جلسة التصويت البرلمانية 265 نائبا من أصل 290. وقد اختير المحافظ فرهاد دجبسند وزيرا للاقتصاد، والمحافظ محمد إسلامي وزيرا للمواصلات والبنى التحتية، والإصلاحي محمد شريعت مداري وزيرا للعمل، والإصلاحي رضا رحماني وزيرا للصناعة والمعادن والتجارة.
ولم يقم الرئيس روحاني بهذه التغييرات اختيارا بل اضطرارا لأسباب كثيرة، أولا أنها جاءت بعد إقالة البرلمان لوزيري العمل والاقتصاد في أغسطس/آب الماضي، واستقالة كل من وزير الصناعة والتجارة نتيجة ضغوط سياسية وبرلمانية، ووزير المواصلات والبنى التحتية لخلافاته مع روحاني.
ثانيا، تأتي هذه التغييرات بعد احتجاجات اقتصادية اندلعت في عدة مدن إيرانية في يناير/كانون الثاني الماضي، وعلى وقعها تصاعدت الانتقادات الشعبية والبرلمانية والسياسية من مختلف القوى السياسية سواء الداعمة للحكومة أو المعارضة لها، وأهم هذه الانتقادات تلك التي وجهها المرشد الإيراني غير مرة حول السياسات الاقتصادية للحكومة.
وتزايدت الضغوط على الرئيس روحاني بعدما تحدثت الأوساط الإعلامية والسياسية عن وجود توجه لدى التيار المحافظ للإطاحة به، وهو ما أكده أخيرا المدير السابق لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية المحافظ عزت الله ضرغامي، بقوله لوكالة الأنباء الإيرانية إن “البعض كانوا يطالبون بأن تتولى بعض المؤسسات الخاضعة لسلطة المرشد إدارة شؤون البلد بدلا من الحكومة، لكن خامنئي عارض هذا الأمر”.
أسئلة صعبة
ووصلت تلك الضغوط ذروتها بعدما استدعى البرلمان روحاني يوم 28 أغسطس/آب الماضي، موجها إليه أسئلة اقتصادية صعبة كادت تنتهي إلى إحالة إجاباته إلى السلطة القضائية، مما كان ينذر بتطور الأمر نحو الأسوأ، أي الاستجواب ثم العزل.
الجدير بالذكر أن التعديل جاء في إطار الاستعدادات لمواجهة ما بعد دخول المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، التي تعتبر الأقوى وتستهدف مفاصل الاقتصادي الإيراني.
ولم تخل جلسة التصويت من مناقشات حادة بين النواب والوزراء المرشحين والرئيس روحاني على عكس التوقعات، خاصة أن الوزير المرشح لتصدي وزارة العمل كان ضمن الفريق الاقتصادي السابق كوزير للصناعة والتجارة واستقال بداية الشهر الجاري تحت طائلة الضغط البرلماني المتصاعد.
وقبيل جلسة التصويت، أدلى نواب ينتمون إلى الكتل الرئيسية -وهي “الأمل” الإصلاحية، و”المستقلون”، و”الولائيون” المحافظة- بتصريحات تؤكد وجود توافقات مسبقة بينهم لمنح الثقة للمرشحين الأربعة، مع وجود تحفظات على المرشحين لوزارتي العمل والصناعة.
وعن أسباب إعطاء البرلمان ثقته للمرشحين، تقول صحيفة “سازندجي” إن هذه المصادقة لا تعني أنهم كانوا يمثلون “خيارات مثالية بالنسبة للنواب”، بل لأن “ظروف البلد الراهنة دفعت النواب إلى إبداء دعم أكبر للحكومة، لدرجة أن نواب كتلة الولائيين المعارضة لها أعلنت مسبقا أنها ستمنحهم ثقتها”.
هذه الثقة تؤكد وجود توجه برلماني قوي للتعاون مع الرئيس روحاني، قد يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد سنوات من التوتر بينهما.
البرلمان الإيراني منح ثقته للوزراء الجدد وأظهر انسجامه مع خطط روحاني الاقتصادية (إيكانا للأنباء) |
انسجام السلطتين
هذا التطور اعتبره حسين علي أميري مساعد الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية “مظهرا بارزا للتفاهم بين الحكومة والمجلس”.
وفي هذا الصدد، قال النائب غلام علي إيمن أبادي إنه “لم يشهد خلال تمثيله في دورات عدة للمجلس هذا المستوى من التعاون والانسجام مع الحكومة لحل مشاكل البلاد”.
كما أن التعديل الوزاري يؤكد تبلور اتجاه اقتصادي جديد في الحكومة، ويجعل الفريق الاقتصادي الجديد الأقوى والأكثر تماسكا وانسجاما، حسب قول رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان محمد رضا بور إبراهيمي.
أيام قليلة تفصل إيران عن بدء المرحلة الثانية من العقوبات، وهي فترة زمنية قصيرة لا تبدو كافية لإيجاد حلول مطلوبة سلفا لمواجهة ما بعد 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي وقت سابق شدد المرشد الأعلى علي خامنئي في اجتماع مع حكومة روحاني، على ضرورة حل المشاكل الاقتصادية التي تمثل اليوم “قضية إيران الأولى”.
من جانبه، أبدى الرئيس روحاني تفاؤلا كبيرا بفريقه الجديد لحل هذه المشاكل، وفي هذا السياق تقول صحيفة “شهروند” إنه لا يُتوقع أن تظهر نتائج التعديل الحكومي في المدى المتوسط، إلا أنه يعتبر إجراء إيجابيا.
ويعاني الاقتصاد الإيراني من معضلات هيكلية وبنيوية، إلى جانب العقوبات الأميركية. وفي مقال بصحيفة “أرمان” الإصلاحية، قال الخبير الاقتصادي مهدي بازوكي إنه لا يمكن مواجهة هذه التحديات “بتغيير الوجوه والأفراد في الحكومة، حتى لو تسلّم الحائز على نوبل الاقتصاد هذه المهمة.. لن يحدث شيء يُذكر ما لم تتغير السياسات والاتجاهات”. أما النائب جلال ميرزائي فعلق قائلا إن “المشاكل لا تحل بتبديل الوزراء”.
وبغض النظر عن التصريحات المتفائلة والمتشائمة بشأن جدوى التعديل الوزاري، ستظهر المرحلة القادمة مدى استعداد إيران لمواجهة الحرب الاقتصادية التي يقول روحاني إن الإدارة الأميركية تشنها على بلاده لتأليب الناس بغية تحقيق غايتها النهائية وهي الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حسب قوله.
المصدر : الجزيرة