هل تصمد علاقات الأردن وإسرائيل أمام اختبار “الباقورة والغمر”؟
|محمد محسن وتد-القدس المحتلة
تقف الدبلوماسية الإسرائيلية على مفترق طرق بالشرق الأوسط في الذكرى الـ25 لاتفاق السلام بوادي عربة، وذلك بعد إعلان الملك الأردني عبد الله الثاني إنهاء العمل بملحقي “الباقورة” و”الغمر” واستعادة هذه المناطق للسيادة الأردنية بعد أن كانت مستأجرة لتل أبيب منذ توقيع الاتفاق عام 1994.
شكل الإعلان الأردني، وبإجماع للمحللين الإسرائيليين، ضربة دبلوماسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تلقى قرار الأردن استعادة المنطقتين في الوقت الذي كانت تستعد فيه الحكومة الإسرائيلية لإحياء الذكرى الـ23 لمقتل لرئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين.
وينطر الإسرائيليون إلى رابين على أنه عراب “التسوية والسلام مع العرب”، وهو الذي أرسى اتفاق وادي عربة مع الأردن الذي اعتبرته تل أبيب بوابة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومحطة لبدء العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية.
أزمات ومفاوضات
دون الخوض في التفاصيل، أعلن نتنياهو أن بلاده ستدخل في مفاوضات مع الأردن حول إمكانية الاستمرار في الإجراءات الحالية، وتمديد عقد استئجار الباقورة والغمر لفترة إضافية، لافتا إلى أهمية الحفاظ على اتفاق وادي عربة وبجميع ملاحقها، مشددا على أن المعاهدة برمتها تشكل ذخرا مهما وغاليا للبلدين، قائلا إن “بلاده تطبق المعاهدة وتتعاون بشكل مثمر في العديد من المجالات لم نعرف مثله منذ التوقيع على معاهدة السلام بيننا”.
الصحف الإسرائيلية أفردت صفحات لتداعيات قرار الأردن إنهاء تأجير الباقورة والغمر (الصحافة الإسرائيلية) |
وعقب القرار الأردني وتصريحات نتنياهو بالتوجه نحو تجديد المفاوضات مع عمان دعت شخصيات إسرائيلية لاحتواء الأزمة مع الأردن، حيث دعا وزير الدفاع السابق عمير بيرتس لعقد جلسة طارئة للكنيست الإسرائيلي لبحث مستقبل العلاقات مع الأردن، بينما لوح وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أريئيل بقطع وتقليص المياه عن الأردن من أربعة أيام إلى يومين إذا ألغي ملحق اتفاقية التأجير.
وفيما بدا نتنياهو دبلوماسيا في تعقيبه الأولي، أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي استبعدت فرض عقوبات إسرائيلية على الأردن أو حتى قطع المياه عن عمان مثلما دعا البعض، الشروع خلال العام المقبل بمفاوضات مكثفة تفضي لتجديد تأجير الأراضي لإسرائيل مع منح ترتيبات وأفضلية جديدة ومردود مالي وإبرام صفقة أكثر ربحية لعمان لاستمرار عقد الإيجار، ولربما مشاريع مشتركة مع الأردن في المناطق الحدودية.
سيناريوهات للتعامل
كما استبعدت صحيفة “هآرتس” إمكانية دخول إنهاء التعاقد حيز التنفيذ وإخلاء أو ترحيل للمزارعين الإسرائيليين من الباقورة والغمر، وقالت الصحيفة إنه “ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه الخطوة ستتحقق وبأي طريقة، بالنظر إلى المفاوضات المتوقعة بين البلدين بشأن شروط استمرار عقد الإيجار”.
وبينما تتكتم تل أبيب على تفاصيل عقد الإيجار المنتهية مدته، كشفت تفاصيل عن مساحات الأراضي، إذ تبلغ مساحة أرض الغمر 4500 دونم منها حوالي 1100 دونم زراعي، يستخدمها المزارعون الإسرائيليون في منطقة الأغوار الشمالية في تنمية أنواع مختلفة من المحاصيل الزراعية والمواشي.
وفي الباقورة إلى جانب الزراعة وتربية المواشي، أقيمت حديقة “جزيرة السلام” عند المعبر الحدودي، وهي بمثابة موقع سياحي في المنطقة العازلة بين الأردن وإسرائيل.
وفيما يتعلق بإسرائيل فهذه الصفقة لتأجير الأراضي جديرة بالاهتمام، وبالتالي فإنها تظهر الصبر تجاه تلك “الرياح المعادية” التي تهب باتجاهها من الأردن. لذلك يقول مدير مركز موشي دايان للدراسات الإستراتيجية آيال زيسير “من المناسب الاستمرار في الحفاظ على نفس التعاون الإستراتيجي مع المملكة الأردنية ولكن بعيون مفتوحة”.
فشل وتقويض
ولطالما حاول نتنياهو الإشادة باتفاق وادي عربة والعلاقات مع الأردن، بيد أن محللين وسياسيين إسرائيليين حمّلوه مسؤولية الفتور بالعلاقات مع الأردن وتداعيات قرار الملك الأردني استعادة الباقورة والغمر الذي هدف من وراء هذه الخطوة الرد على نهج وسياسة نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال القضية الفلسطينية والقدس والأقصى على وجه الخصوص.
وقالت زعميه المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني إن قرار الأردن ناجم عن فشل السياسة الخارجية والدبلوماسية لنتنياهو، حيث اتهمته بتقويض العلاقات مع الدول العربية التي تربطها بتل أبيب علاقات واتفاقيات سلام، بينما أجمع المحللون والباحثون على أن الملك عبد الله الثاني غاضب من إسرائيل لأنها عزلت الأردن عما يحدث في القدس والأقصى.
ويرى المحللون أن المشكلة ليست من حيث الجوهر بل بالطريقة والتوقيت الذي اختار فيه الأردنيون إعلان إنهاء لملحقين في اتفاق السلام، وإدارة الظهر للشراكة التي تشكلت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين والملك الأردني الراحل حسين بن طلال، في حين اتهم الناشط بحركة “السلام الآن” ياريف أوفينهايمر نتنياهو بهدم هذه الشراكة مع الأردن عقب حادثة حارس السفارة الإسرائيلية في عمان.
ومن الإسرائيليين من لا يرى في الإعلان الأردني مفاجأة كبيرة ولا يعده خطوة ذات أهمية إستراتيجية بعيدة المدى، على اعتبار أن الحديث يدور عن أراض مملوكة للأردن، ويفترض أنه في يوم من الأيام ستعود إلى سيادة هذه الدولة “لأنه لا توجد دولة في الشرق الأوسط ستوافق على التخلي عن الأراضي الواقعة تحت سيادتها بمرور الوقت”.
المصدر : الجزيرة