لعنة دافوس الصحراء.. الريتز في عين العاصفة

قد تواجه المملكة العربية السعودية ردود فعل متنامية بخصوص تقارير تفيد بأن عملاء الحكومة قتلوا بوحشية الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ولكن واحدا على الأقل من شركائها منذ مدة طويلة يتمسك بالمؤتمر الذي يعقد خلال اليومين القادمين.

وبات من المؤكد أن دافوس الصحراء الذي راهن عليه بن سلمان وجيّش له وسائله الدبلوماسية والإعلامية قد لعبت به عواصف دماء جمال خاشقجي، وبات الزخم الذي كان يحظى به محليا ودوليا جزءا من ركام مدن الريح تتقاذفه أمواج الغضب الدولي والاعتذارات والمقاطعات التي تتوافد على السعودية من كل فج عميق، حيث ألغى الرؤساء التنفيذيون البارزون في وول ستريت والنخب المالية الواحد تلو الآخر الحضور ردا على قتل خاشقجي.

ويستضيف هذا المؤتمر (مبادرة الاستثمار في المستقبل) فندق ريتز كارلتون في العاصمة السعودية الرياض، وهو تجمع من فاحشي الثراء تدعمه السعودية، وبات يطلق عليه دافوس في الصحراء بعد اجتماع سنوي مماثل في سويسرا.

الريتز في عمق العاصفة
رغم تمسك بعض شركاء المملكة الاقتصاديين بفكرة المؤتمر، الذي كان من المنتظر أن يجمع “فاحشي الثراء” وفق تعريف موقع هافيغتون بوست الأميركي، فإن فرص نجاحه ووصوله إلى سقف الطموح السعودي تتناقص مع كل معلومة يطّلع عليها العالم في سياق جريمة قتل الإعلامي خاشقجي.

بيد أن فندق ريتز كارلتون وشركته الأم “ماريوت” الدولية ظلا صامتين إزاء اختفاء خاشقجي. لم يقم ممثلو ريتز كارلتون وماريوت بالرد على أسئلة هافبوست بشأن علاقتهما بالحكومة السعودية، ورفضا المقابلة.

وقال شاهد برغوثي مدير العلاقات العامة في ماريوت إنترناشيونال “لا نناقش خصوصية الضيوف أو الجهات التي لنا معها أعمال أو الذين قد يكونون زائرين للفندق”. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن انعدام الشفافية لدى ماريوت الدولية يتسق مع تاريخه في التردد في انتقاد العائلة المالكة السعودية، حتى عندما أصبح فندق ريتز كارلتون مسرحاً لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحكومة السعودية.

موئل الضيوف ومنصة الأزمات
منذ افتتاحه في العام 2011، كان فندق ريتز كارلتون وجهة لاستضافة المملكة العربية السعودية لقادة المال وزعماء العالم، بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب خلال زيارته في العام 2017. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حولته الحكومة السعودية أيضا إلى سجن مؤقت يضم مئات من الأثرياء السعوديين الذين أمر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باحتجازهم في حملة القمع المستمرة منذ شهور.

فقد تم نقل ما لا يقل عن عشرة أشخاص إلى المستشفى بعد التعذيب والاعتداء الجسدي أثناء إقاماتهم في الفندق. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فقد توفي أحد الضباط العسكريين السعوديين الذين اعتُقلوا في وقت لاحق في الحجز.

على الرغم من أن الحرية التشغيلية التي تكون بيد الشركات قد تكون محدودة في ظل الحكومات الاستبدادية مثل السعودية، فإن جماعات حقوقية تقول إن هناك مجموعة واسعة من الإجراءات المتاحة للشركات للحد -على الأقل- من مشاركتها في انتهاكات حقوق الإنسان.

ويقول المدير في هيومن رايتس ووتش أرفيند غانسان “يمكن أن تكشف الشركات الفندقية ما يحدث في ممتلكاتها، يمكن أن تحث مجموعات المراقبة أو وكالات الإغاثة على الزيارة، أو تنبيه السفارات عندما تكون هناك مخاوف أو أي شيء ينأى بها عن أعمال الحكومة”.

وقال غانسان “تحتاج الشركات حقا إلى التفكير في علاقتها مع الحكومات وكيفية تجنبها التأثر بأعمالها”. تخاطر الشركات بتلويث علاماتها التجارية، وتتحمل مخاطر غير ضرورية عندما لا تكون لديها مبادئ توجيهية محددة بوضوح حول كيفية التعامل مع انتهاكات الحقوق والأزمات مثل ما حدث في ريتز الرياض.

وبدلا من معالجة الوضع، أعلنت ماريوت العالمية في وقت سابق من هذا العام أنها تخطط لإنفاق ملياري دولار لمضاعفة عدد غرف الفنادق في المملكة العربية السعودية، ورسم مديرو الشركة التنفيذيون صورة متفائلة لمستقبل ماريوت هناك.

ويقول رئيس ماريوت والمدير الإداري للشرق الأوسط وأفريقيا أليكس كيرياكيديس “نحن متحمسون للغاية لدعم إستراتيجية المملكة في مجال السفر والسياحة في البلاد”. وأضاف “لقد كان عاما استثنائيا”.

بعد أسابيع فقط من إعادة فتح فندق ريتز في فبراير/شباط الماضي، قال كيرياكيديس أيضا لرويترز إن المستثمرين يجب أن يكونوا سعداء لأن الحكومة السعودية تستهدف الفساد، وإن عمليات ماريوت في المملكة لم تتأثر.

لم تكن مجموعة ماريوت الدولية الشركة الوحيدة التي حافظت على هدوئها عندما كانت أفعال السعودية تنعكس بشكل سيئ على أعمالها. عندما أعلنت المملكة أنها سترفع حظرها على قيادة المرأة السيارة في وقت سابق من هذا العام، قامت العديد من شركات السيارات بإدارة حملات إعلانية كبيرة تحتفل بالتغيير واستهداف السائقات الإناث. لكن بعد أن بدأت السلطات السعودية بالقبض على ناشطات حقوق المرأة اللائي وضعن أنفسهن في خطر للدفاع من أجل السياسة الجديدة، فلم يكن لدى شركات صناعة السيارات ما تقوله.

وتأمل مجموعات حقوق الإنسان في أن يغير موت خاشقجي هذا النهج بشكل جذري. وقال غانسان “لقد كانت الحكومة واضحة للغاية بشأن سلوكها وما تفكر فيه فيما يتعلق بحقوق الإنسان”، مضيفًا أنه “لا يشعر بالضيق بأي شكل من الأشكال” بشأن ملاحقة الشركات أو النقاد. وأضاف “هناك خطر حقيقي الآن بعد أن تصبح أي شركة مشتبه فيها بالانتماء إلى الحكومة السعودية”.

يقع فندق الريتز في المنطقة الملكية من الرياض بين قصر الملك سلمان ومجلس الشورى مقابل حي السفارات، وبالتالي يتربع في محيط إسترايتيجي، كما يتربع أيضا ضمن السياسة الاقتصادية السعودية في محيط إستراتيجي آخر.

وبين دافوس الصحراء وفندق الريتز قصة تشابه وخيوط تقارب، فقد صمم الريتز وفق أحدث وأرقى المواصفات العالمية ليكون محطة سياحية، لكن سلطات بن سلمان قضمت تألقه السياحي عندما حولته -في لحظة معينة- إلى سجن لمسؤولين وسياسيين وأعضاء في الأسرة المالكة، أما دافوس أو حج المال إلى السعودية فقد تحلل زخمه هو الآخر أو كاد يذوب كالملح مع حركات المنشار السعودي في جسد خاشقجي وفقا للتسريبات التركية.

المصدر : الجزيرة,هافينغتون بوست

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *