جرائم القتل العائلي بمصر.. الفقر يُطلق الرصاص
|القاهرة-الجزيرة نت
كانت الجثث في حالة تحلل عندما اكتشفت الشرطة تسمم أب وأبنائه الأربعة في منزلهم بمحافظة القليوبية شمال القاهرة في سبتمبر/أيلول الماضي.
ظلت الشبهات تحوم حول الزوجة التي تشاجرت مع زوجها وتركت البيت قبل الحادثة بفترة، إلى أن توصلت الشرطة إلى كون مرتكب الجريمة هو الأب نفسه، فقد وضع السم لأبنائه في الطعام وأكل معهم رغبة في مغادرة الحياة تحت ضغط ظروف نفسية ألمت به إثر أزمة مادية.
بعد يومين فقط من الحادثة، تناولت الصحف خبر جريمة ذبح أب لأبنائه الأربعة وزوجته بعدما ساورته شكوك حول نسب أولاده له.
وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة امتلأت الصحف المصرية بتفاصيل العشرات من حوادث القتل العائلي، بينها حادثة الأم التي ألقت نجليها في إحدى الترع، والزوج الذي طعن زوجته، والأب الذي قتل نجلته، والرجل الذي قتل خطيب ابنته ودفنه داخل فيلا بأحد الأحياء الراقية في القاهرة.
وتنوعت دوافع الجرائم بين مشاكل نفسية وانتقام للشرف، بينما ظلت بعض الحوادث مجهولة الأسباب. لكن الدافع الأكبر والأكثر شيوعا في ممارسة هذا العنف هو الأزمات المالية التي يرتكب على إثرها أفراد الأسر جرائمهم بدعوى الخوف على ذويهم من الفقر ومواجهة مستقبل غير مضمون.
مجالات محدودة أمام الأسر المصرية لنيل قسط من الترفيه يخفف ضغوط الواقع (الجزيرة) |
عنف متزايد
وتحتل مصر المرتبة الثالثة في الجرائم الأسرية والـ24 عالميا في التصنيف الأخير لقاعدة البيانات العالمية (نامبيو)، بينما ترفض وزارة الداخلية منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي الكشف عن التقرير السنوي لقطاع الأمن العام الذي يضم إحصاءات بالجرائم ونوعيتها.
وتكشف دراسة حديثة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن 90% من الجرائم الأسرية تندرج تحت ما تسمى جرائم الشرف.
ووفق تقرير المركز المصري لحقوق المرأة، فإن ربع النساء في مصر يُعنّفهن أزواجُهن.
ودفعت الحوادث المتزايدة عضوة لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب مارغريت عازر للتصريح بأن البرلمان بالفعل في طريقه إلى سن مشاريع قوانين ولوائح أكثر قسوة وإلزاماً في قضايا العنف الأسري.
بدوره قال عضو لجنة التضامن الاجتماعى بمجلس النواب محمد أبو حامد إن الظروف التي مرت بها مصر خلال السنوات العشر الماضية أدت إلى ظهور هذه الجرائم، معتبرا الظروف الأمنية والاقتصادية أحد عوامل انتشار هذه الجرائم.
اقتصاد متردٍّ
الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها الأسر المصرية رآها الناشط الحقوقي عمرو عبد الهادي السبب الرئيسي لانتشار هذا النوع من الجرائم، وقال للجزيرة نت إن جرائم القتل العائلي انتشرت بشكل كبير بعد الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو/تموز 2013، في ظل سياسات اقتصادية فاشلة من جانب السلطة.
ولا يجد عبد الهادي في إقرار تشريعات بعقوبات رادعة على الجناة تحركا ذا جدوى للسيطرة على هذه الظاهرة، وأردف “بدون تهيئة مناخ اقتصادي آدمي لن تنصلح المنظومة المجتمعية كلها”.
إلى جانب الظروف الاقتصادية المتردية، يطرح البرلماني السابق الدكتور عز الدين الكومي أسبابا أخرى لانتشار الجرائم التي يكون أطرافها من الأسرة الواحدة. ومن هذه الأسباب انتشار الأفلام السينمائية التي تقدم البلطجي باعتباره بطلا، وغياب دور المؤسستين التعليمية والدينية، مما أدى إلى خلل واضح داخل الأسرة وأوجد داخلها بيئة خصبة للجريمة.
عز الدين الكومي: لا فائدة من مواجهة القتل العائلي بإعلانات مدفوعة الأجر (الجزيرة نت) |
وتتعقد الأمور بشكل أكبر مع المعالجات الخاطئة للظاهرة، وفق قول الكومي للجزيرة نت، مؤكدا أنه “لا يجوز علاج هذه الظاهرة الخطيرة بإعلانات مدفوعة الأجر في الوقت الذي تقوم فيه الدولة بهدم ثوابت الدين بزعم تطوير الخطاب الديني والإعلاء من شأن القيم الفاسدة مثل تكريم الراقصات”.
وحذر الكومي من أن تفاقم هذه الظاهرة قد يؤدي إلى زيادة أطفال الشوارع ومعدلات الإدمان والجريمة بمختلفة أنواعها.
إلى ذلك أبرز الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور رمضان خميس الغريب قضية الابتعاد عن الدين كأحد أهم العوامل التي تؤدي إلى الانحرافات الأسرية والمجتمعية.
واعتبر الغريب في حديثه للجزيرة نت أن تبرير بعض الجناة لجرائمهم بالخوف على المجني عليهم من الفقر والمستقبل المظلم، عذر أقبح من ذنب، وأنه “علامة على فساد تفكير هؤلاء، فمهما بلغت قسوة الحياة لا يباح للإنسان أن يستبيح نفسه أو ولده وزوجه”.
وعن دور المؤسسات الدينية في مواجهة هذه الظاهرة أو التمادي فيها، قال الغريب إنه يفترض أن تكون هي الرائدَ الذي يقود المجتمع نحو الصلاح، “وكلما قامت هذه المؤسسة بدورها ظهر أثرها على المجتمع، وإذا ابتعدت عن دورها تراجع أثر الصلاح”.
المصدر : الجزيرة