الجزيرة نت تنشر مقابلة تزعم صحيفة إسرائيلية إجراءها مع زعيم حماس بغزة
|الجزيرة نت-خاص
حصلت الجزيرة نت على النص الكامل للمقابلة التي قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إنها أجرتها مع رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يحيى السنوار، وستنشر الصحيفة نصها الكامل اليوم الجمعة، لكن حماس نفت بشدة أن تكون المقابلة أجريت مع الصحيفة الإسرائيلية، وأكدت أنها أجريت مع الصحفية الإيطالية فرانشيسكا بوري لصالح صحيفة لاربوبليكا الإيطالية.
وبحسب مصادر الجزيرة نت، فإن الصحفية التقت السنوار لالتقاط الصور فقط، وأنها حصلت على الإجابات على أسئلتها مكتوبة عن طريق طاقم المكتب على أكثر من مرة، بحيث تبدو صيغة اللقاء كأنها أجرتها وجها لوجه.
وقال مكتب السنوار في وقت سابق أمس الخميس إن الصحفية تقدمت بطلب رسمي للقاء قائد حماس في غزة لصالح صحيفتين: إيطالية وبريطانية، وإن تحريات الإعلام الغربي في حركة حماس أثبتت أن الصحفية ليست يهودية أو إسرائيلية، وليس لها سابق عمل مع الصحافة الإسرائيلية.
واتهم المكتب في تصريح -وُزع على وسائل الإعلام- الصحفية بأنها “لم تحترم مهنتها، وعلى ما يبدو باعت اللقاء لصحيفة يديعوت أحرونوت”.
من جانبها، نشرت الصحفية بوري على حسابها على تويتر أن مقابلة لها مع قائد حماس في غزة ستظهر على الموقع الإلكتروني لصحيفة لاربوبليكا فجر الجمعة، دون أن تشير للصحيفة الإسرائيلية.
يشار إلى أن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نشرت صباح الخميس خبرا عن أنها أجرت مقابلة خاصة مع السنوار، وأكدت أنها ستنشر المقابلة كاملة الجمعة، لكن حماس نفت بشدة ما ذكرته الصحيفة، واتهمتها بتحريف السؤال الأول منها ليبدو كأن السنوار يجيب عن سؤال لأول مرة لصحفية إسرائيلية وليس صحيفة غربية.
“ |
وفي ما يلي النص الكامل للمقابلة:
أنا لا أعلم أي شيء عنك. يُقال إنك منعزل تماماً ورجل قليل الكلام؛ فأنت نادرا ما تتحدث مع الصحفيين. وفي الواقع هذه هي المقابلة الأولى لك مع وسائل الإعلام الغربية، لكنك تقود حماس منذ أكثر من عام؛ لماذا تتكلم الآن؟
لأنني الآن أرى فرصة مواتية لتغيير هذا الواقع السيئ لتحقيق الأمن والاستقرار هنا.
فرصة؟ الآن؟
نعم، الآن، وليس غداً.
لأكون صادقة، إن الأرجح هنا على ما يبدو هو حرب جديدة. كنتُ في غزة في يونيو/حزيران الماضي، وكان الأمر كالمعتاد: رصاص عشوائي وغاز مسيل للدموع وجرحى في كل مكان، ثم غارات جوية وصواريخ وغارات جوية أخرى. كانت فرصة ذهبية للمرء كي يُقتل. لديكم الآن ما يقرب من مئتي قتيل منذ بدء هذه الموجة الأخيرة من الاحتجاجات في نيسان/أبريل الماضي؟
بداية، أود التحفظ على مصطلح الحرب، فنحن شعب تحت الاحتلال، ويمارس عليه العدوان بشكل يومي، وشعبنا يقاوم بأدوات بسيطة. ومع ذلك، الحقيقة هي أن الحرب ليست في مصلحة أحد، وبالتأكيد ليست في صالح شعبنا؛ نحن نواجه قوة نووية بمقاليع؟ لكن إذا لم نتمكن من الانتصار، فإن انتصار نتنياهو سيكون أسوأ من الهزيمة، لأنها ستكون الحرب الرابعة، ولا يمكن أن ينتهي الأمر كما انتهى في الحرب الثالثة، التي انتهت بالفعل كما انتهت الحرب الثانية، والتي كانت قد انتهت بالفعل كما انتهت الأولى.
يريدون أن يسيطروا على غزة وهم يبذلون قصارى جهدهم للتخلص من فلسطينيي الضفة الغربية، والحفاظ على أغلبية يهودية، لا أعتقد بأنهم يريدون مليوني فلسطيني آخرين؛ الحرب لن تحقق لهم شيئا.
يبدو الأمر غريبا بعض الشيء من شخص ينحدر من الجناح العسكري لحماس؟
إن واجبي الأول كقائد وطني فلسطيني يقود حركة تحرر وطني هو حماية شعبي والدفاع عن حقوقه في الحرية والاستقلال.
لكنك تقاتل طوال حياتك؟
وأنا لا أقول في الواقع إنني لن أقاتل بعد الآن، أريد نهاية الحصار وحرية شعبي، فإنني عندما أمشي بالقرب من الشاطئ عند غروب الشمس وأرى كل هؤلاء المراهقين يدردشون ويتساءلون عن شكل العالم وراء هذا البحر، وكيف تبدو الحياة؛ هذا يفطر القلب، ويجب أن يفطر قلوب الجميع؛ أريدهم أحراراً.
لقد أغلقت الحدود عملياً 11 عامًا، ولم تعُد في غزة مياه حتى، توجد مياه البحر فقط.. ماء مالح؛ فكيف هو العيش هنا؟
ما رأيك؟ 55% من السكان تحت سن 15 سنة. هل هؤلاء إرهابيون؟ هؤلاء أطفال. ليست لديهم أي فكرة حقيقية عن طبيعة الصراع؛ هم ببساطة أطفال، ولم يعرفوا في حياتهم سوى الحصار والعدوان وأريدهم أحراراً.
80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، و50% يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و50% يعانون من الجوع. ووفقا للأمم المتحدة، فإن غزة لن تكون صالحة للحياة، لكن في هذه السنوات وجدت حماس موارد لبناء أنفاقها؟
هذا جزء من الدعاية الإسرائيلية، فليست الأنفاق هي المسؤولة عن الكارثة الإنسانية في غزة؛ فالكارثة موجودة منذ سنوات قبل أن يبدأ حفر الأنفاق، المسؤول هو من يغلق الأبواب على مليوني إنسان، ويمنع عنهم الدواء والغذاء، ويحرمهم من فرص العمل والعيش الكريم، كما أن عددا كبيرا من هذه الأنفاق استعمل لإدخال المواد الأساسية كحليب الأطفال والغذاء والدواء، حتى نتمكن من مواجهة الحصار والتجويع.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حماس وفرت بجهودها الذاتية والخاصة الأموال اللازمة لاحتياج المقاومة، ولم تستعمل قط أيّا من الأموال العامة أو أموال الدعم الدولي.
أنت تعرف ما أقصده، ألا تظن أنكم تتحملون بعض المسؤولية؟
المسؤولية تقع على من يفرض الحصار وليس على المحاصَرين، ونحن مسؤوليتنا تقع في العمل مع الجميع، خاصة المجتمع الدولي لرفع هذا الحصار فورا ودون شروط.
لماذا لم تشتروا الحليب بدل الأسلحة؟
لو لم نشتر الحليب لما كنا على قيد الحياة حتى الآن؛ لقد اشتريناه، لا تقلقي. نحن نبذل كل ما نستطيع ونسخر كل مقدراتنا لمساعدة شعبنا على الصمود والبقاء وتحقيق حد أدنى لشعبنا في العيش الكريم.
إذن، حماس تدير الحكومة بشكل جيد؟
ولكن ما رأيك؟ هل إدارة الحكم في غزة تشبه إدارة الحكم في باريس؟ لقد أدرنا عدة بلديات لسنوات، ونجحنا في ذلك بالضبط بسبب سمعتنا في الكفاءة والشفافية. ثم في عام 2006، فزنا في انتخابات ديمقراطية شفافة برعاية دولية، ورغم ذلك وضعنا المجتمع الدولي على القائمة السوداء.. لا توجد كهرباء، هذا صحيح، وهذا يؤثر على كل شيء آخر. لكن هل تعتقدين بأنه ليس لدينا مهندسون؟ وإننا غير قادرين على بناء التوربينات؟ بالطبع نحن قادرون.
ولكن كيف؟ باستخدام الرمل؟ يمكن للمرء أن يذهب لأفضل جراح في المدينة لكنه لن يرضى أن يتعامل معه باستخدام الشوكة والسكين. انظري إلى بشرتك؛ إنها تتقشر بالفعل. هنا إذا كان المرء قادماً من العالم الخارجي، فقد يصيبه المرض بسبب تلوث المياه؛ ما يجب أن يلفت انتباهك هو أننا ما زلنا على قيد الحياة.
ولذلك لقد وافقتم في حماس على مبدأ وقف إطلاق النار مع إسرائيل. ماذا يعني وقف إطلاق النار لكم؟
وقف إطلاق النار يعني تحقيق الهدوء ورفع الحصار.
ما يهم حقا هو بالأحرى ما يحدث من تغيير جوهري على الأرض، لأنه إذا كان وقف إطلاق النار يعني أننا لا نتعرض للقصف، لكننا ما زلنا لا نملك الماء، ولا الكهرباء، ولا شيء، وما زلنا تحت الحصار؛ فهذا لا معنى له، لأن الحصار هو نوع من الحرب.. إنها حرب من خلال وسائل أخرى، وهي أيضًا جريمة بموجب القانون الدولي، ولا يوجد وقف لإطلاق النار تحت الحصار.
لكن إذا حدث العكس من ذلك، ورأينا غزة تعود تدريجياً إلى حالتها الطبيعية، وإذا لمسنا وجود استثمارات وتنمية وليس فقط مساعدات، لأننا لسنا متسولين، نريد أن نعمل، نريد أن ندرس ونسافر، مثلكِ. نريد أن نعيش، وأن نعتمد على أنفسنا، ونؤكد أننا في حماس سنذلل كل العقبات التي تقف في طريق نجاح هذه المهمة، لكن لا بد من التأكيد على أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في المنطقة دون الحرية والعدالة لشعبنا، لا أريد هدوء القبور.
حسنًا، ولكن ربما تكون مجرد خدعة لإعادة تنظيم نفسك، وفي غضون ستة أشهر تعود للحرب. لماذا يجب على الإسرائيليين أن يثقوا بك؟
بادئ ذي بدء، لم نقم نحن بشن الحرب من قبل؛ لقد شُنت الحرب علينا. وسؤالي، بكل صدق، هو عكس ذلك: لماذا يجب أن أثق بهم؟ لقد انسحبوا من غزة عام 2005، وقاموا ببساطة بإعادة انتشار الاحتلال؛ كانوا بالداخل والآن يغلقون الحدود. من يدري ما يدور في أذهانهم؟ لكن ما يمكن أن أؤكده أن التجربة أثبتت أننا نحترم التزاماتنا رغم أن الاحتلال تاريخه معروف في التنكر للاتفاقيات، والشواهد على ذلك كثيرة.
حسنًا، لكن -مجددًا- هل يمكن ألا ينجح وقف إطلاق النار؟
هل يمكننا لمرة واحدة أن نتخيل ما قد يحدث إذا لم ينجح؟ لأن هذا قد يكون دافعًا قويًا لبذل قصارى جهدنا لإنجاحه، أليس كذلك؟ إذا تصورنا غزة كما كانت في الواقع في الماضي، وليس منذ فترة طويلة، هل شاهدتِ بعض الصور في الخمسينيات من القرن الماضي؟ عندما كان يزورنا السياح من كل مكان في الصيف؟
وكان لدى غزة الكثير من المقاهي والمتاجر وأشجار النخيل. لقد رأيتُ تلك الصور، نعم.
لكن اليوم أيضاً، هل رأيتِ على الرغم من كل ذلك مدى براعة وموهبة وإبداع وحيوية شبابنا؟ فباستخدام أجهزة الفاكس القديمة وأجهزة الحاسوب القديمة، قامت مجموعة من الشباب في العشرينيات من أعمارهم بتجميع طابعة ثلاثية الأبعاد: لإنتاج معدات طبية نحن في أمس الحاجة لها؛ هذه هي غزة وهذا هو شعبنا الفلسطيني العظيم. لم نستسلم لحالة الفقر وكون أطفالنا حفاة، يمكن لغزة لو أعطيت الفرصة أن تكون كأفضل مدن العالم.
لقد مكثت في السجن 25 عاما، لقد فقد باسم (يشير السنوار إلى أحد مستشاريه) ابنًا قُتل في غارة إسرائيلية، وفقد مترجمكِ شقيقين، الرجل الذي قدم لنا الشاي ماتت زوجته بسبب المرض، لم تكن مشكلتها كبيرة، كان هناك قطع، لكن لم تكن هناك مضادات حيوية. وهذه هي الطريقة التي ماتت بها، أي صيدلي يمكنه معالجة هذا الأمر. هل تعتقدين بأن هذا سهل بالنسبة لنا؟ دعونا نعط أطفالنا الحرية والحياة التي لم نحظ بها أبداً. وسوف يكونون أفضل منا، وأقدر على بناء مستقبلهم ومستقبل وطنهم، والمساهمة في خدمة الإنسانية، فحرمان شعبنا على مدار عقود من حقوقه هو الذي أطال أمد الصر اع وجلب الدمار للمنطقة، فلا تحرموا الأجيال القادمة هذه الحقوق.
أنت تستسلم؟
لقد كافحت طوال حياتي لينال شعبي الحرية ويحظى بحياة طبيعية، أنا لا أستسلم.. أنا مستمر، وكذلك شعبي.
وأثناء وقف إطلاق النار هذا، هل ستحتفظ حماس بأسلحتها؟ أو هل تقبل -لا أعرف- حماية دولية، مثل أصحاب الخوذ الزرقاء؟
مثل سربرنيتسا؟
أعتقد بأن الجواب لا.
أنتِ على حق.
لكن، أنا آسفة إذا كنت قد ألححت على هذه النقطة، ولكن هل يمكن ألا ينجح وقف إطلاق النار؟ ليس للنحس، لكنك تعلم أن الماضي ليس مشجعاً حقاً؛ فحتى الآن أعاق المتشددون أي محاولة للصفقة؟
يبدو أنك متفائلة جدا حول الاتفاق، فحتى الآن لا يوجد اتفاق، ومن طرفنا فإن الأغلبية الكبرى للفصائل الوطنية الفلسطينية متوافقة على أسس ومتطلبات الاتفاق، وسنحترم تعهداتنا في حال تم توقيعه، ولكن حتى الآن نجحت الأصوات الدموية لدى الاحتلال في تعطيل الاتفاق. لكن إذا تعرضنا للهجوم، فهذا واضح، سندافع عن أنفسنا كما هي الحال دائما، وستكون لدينا حرب جديدة، ولكن في غضون عام، سوف تكونين هنا مرة أخرى. ومرة أخرى سأكون هنا لأقول: الحرب لا تحقق أي شيء.
لديكم سلاح بارز: الصواريخ.. صواريخ بدائية الصنع، يتم إيقافها عادة من قبل القبة الحديدية، وترد عليها إسرائيل بصواريخها الأكثر قوة؛ لقد قُتل الآلاف من الفلسطينيين. فهل كانت الصواريخ مفيدة؟
دعينا نكن واضحين: المقاومة المسلحة حقنا، بموجب القانون الدولي. لكن ليست لدينا صواريخ فقط على الإطلاق؛ لدينا مجموعة متنوعة من وسائل المقاومة. مثل هذا السؤال -بصراحة- هو موجه لكِ أكثر مما هو موجه لي: إنه سؤال لجميع الصحفيين، لقد تصدرنا العناوين الرئيسية حين تم سفك دمنا فقط. إذا لم يكن هناك دم فليست هناك أخبار، لكن المشكلة ليست في مقاومتنا بل المشكلة هي احتلالهم؛ فبدون احتلال ستكون لدينا حياة طبيعية كباقي البشر، ولن تكون هناك حاجة لإطلاق الصواريخ أو البالونات أو حتى الأطباق الورقية.
ولكن، هل تعتقد بأنهم قد حققوا هدفهم؟
بالتأكيد لا، الاحتلال ماذا أنجز؟ صناعة القتلة؟ هل شاهدتِ الفيديو الذي يُظهر جندياً يطلق علينا النار كما لو كنا قوارير بولينغ؟ ويضحك ويضحك. قبل احتلال فلسطين كانوا أشخاصًا مثل فرويد وآينشتاين وكافكا خبراء الرياضيات والفلسفة، أما الآن فأصبحوا خبراء الطائرات المسيرة التي لا تفعل شيء سوى القتل خارج القانون.
يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية الاحتلال نفسه، ومع ذلك اختاروا إستراتيجية مختلفة تماماً؛ مناشدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي؟
وهذا أمر حاسم. كل شيء حاسم. كل وسائل المقاومة متاحة. ولكن، إذا جاز لي القول، آسف: عندما يتعلق الأمر بفلسطين، فإن المجتمع الدولي هو جزء من المشكلة؛ فعندما فزنا في انتخابات حرة ونزيهة، كان رد فعل المجتمع الدولي فرض حصار على الفور. ولقد قدمت السلطة كل الاستحقاقات المطلوبة لحل الصراع حسب رؤية المجتمع الدولي. ماذا كانت النتيجة؟ مزيد من الاستيطان، قضم الأراضي، بناء الجدار، تهويد القدس، حصار غزة، والآن أيضا أنتم تحذرون حماس: سنتعامل معكم فقط إذا كنتم مع فتح. ثم تحذرون فتح: سنتعامل معكم فقط إذا لم تكونوا مع حماس. كما أن الانقسام الذي تم انتقادنا بسببه هو أيضا أحد آثار الحصار الظالم. لقد تم تهديد السلطة في رام الله إذا شكلتم حكومة وحدة وطنية قد لا تحصلون على قرش واحد بعد الآن، قد يتعرضون للإفلاس.
سبب الحظر هو أن حماس تُعتبر حركة معادية للنظام كحركة غير دستورية -إذا جاز التعبير- لا تلتزم بقواعد اللعبة؟
أي لعبة؟ الاحتلال؟
أنت تعرف.. أوسلو وحل الدولتين.
لكن أوسلو انتهت. أعتقد بأنها النقطة الوحيدة التي يتفق عليها الجميع هنا. نعم حقا الجميع. كانت ببساطة ذريعة لصرف نظر العالم بمفاوضات لا نهاية لها، وفي الوقت نفسه، بناء المستوطنات في كل مكان ومحو أي جدوى لدولة فلسطينية. بالمناسبة ولنكن صريحين، في مثل هذه الأيام تمر علينا 25 عاما على توقيع اتفاقية أوسلو المؤقتة، أين الدولة الفلسطينية الموعودة؟ وماذا فعل المجتمع الدولي لحماية خياراته؟ ثم لماذا تصرون جميعًا دائمًا على أوسلو فقط؟ فقد قمنا كفلسطينيين -بما في ذلك حماس- بالتوقيع على وثيقة الوفاق الوطني عام 2006 (وثيقة الأسرى)، التي وضعت برنامجا وطنيا موحدا يشمل إقامة دولة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس، ماذا كانت النتيجة؟ قوبلت هذه الخطوة الكبيرة بالرفض والإهمال.
على أي حال، يبدو أن الخصم الأكثر صرامة لوقف إطلاق النار هذا ليس إسرائيل، التي تركز الآن على إيران؛ بل فتح التي تخشى أن يكون نجاحا لحماس؟
نجاح؟ وقف إطلاق النار هذا ليس لصالح حماس أو فتح: بل لشعبنا. ثم انظري: بالنسبة لي، ما يهم هو أن تدركوا أخيراً أن حماس موجودة هنا، وليست ظاهرة عابرة، إنها موجودة. وإنه لا يوجد استقرار دون حماس، لن تكون أي حلول دوننا؛ لأننا جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، أكثر من ذلك: نحن جزء من تاريخ العالم العربي بأكمله. فنحن جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع الذي يشمل الإسلامي والقومي والعلماني.
ولكن بعد قول ذلك؛ من فضلك، دعينا نتجنب كلمة النجاح؛ لأنه أمر فظيع بالنسبة لجميع المرضى المصابين بأمراض قاسية الذين يصطفون الآن على المعبر في انتظار فتحه، ولجميع الآباء الذين لن يجرؤوا على النظر لأطفالهم هذه الليلة لأنهم لم يستطيعوا توفير أي وجبة غذاء.. لكن ما النجاح الذي نتحدث عنه؟ نحن نجاحنا في رفع الحصار فوراً ودون شروط.
دخلتَ السجن عندما كنت في 25 من العمر، وعندما خرجت، كنت في الخمسين. كيف تكيفت مرة أخرى مع الحياة؟ ومع العالم؟
عندما دخلت، كان ذلك عام 1988 حيث كان العالم منقسم إلى معسكرين: شرقي وغربي، والحرب الباردة لا زالت قائمة، وهنا كانت الانتفاضة، وعندما كنا نريد نشرة آخر الأخبار كنا نطبع منشورات. خرجت ووجدت الإنترنت. لكن لأكون صريحًا، لم أخرج أبداً، لقد غيرت السجن فقط؛ فرغم الكثير من المعاناة والمشاكل التي كنا نواجهها في السجن كان القديم أفضل، كان يتوفر لي ماء وكهرباء، ويتوفر لديّ الكثير من الكتب. غزة أصعب بكثير، غزة أكبر سجن مفتوح على وجه الأرض.
بهذه المناسبة، كيف تنظر إلى رفع قضايا في محكمة الجنايات الدولية ضد القادة الإسرائيليين؟
السلام والاستقرار في أي مكان في العالم لا يقوم إلا على العدل، ومن يرتكب جرائم قد ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية أو التطهير العرقي بموجب القانون الدولي؛ فمن حق شعبنا أن يلاحق من يعتدي عليه وعلى حقوقه.
تم إطلاق سراحك ضمن صفقة جلعاد شاليط، وإسرائيل تقول إن حماس لديها حالياً إسرائيليان بالإضافة إلى رفات جنديين قتلا خلال الحرب الأخيرة، وأعتقد بأن تبادل الأسرى بالنسبة لك سيكون أمراً ضروريّا؟
أكثر من الضروري؛ فهو واجب. إنها ليست قضية سياسية فقط بالنسبة لي، بل قضية أخلاقية. ربما لأن قرّاءك يعتقدون بأنه إذا كنت في السجن فأنت إرهابي، أو بطريقة ما خارج على القانون، أو لص سيارات؛ كلا، هنا يتم القبض علينا جميعاً، عاجلاً أو آجلاً، حرفيا: كلنا.
ألقِ نظرة على القانون العسكري رقم 101؛ فبدون إذن من الجيش يعد الأمر جريمة حتى لو تم التلويح بالعلم، أو أن تكون مع أكثر من عشرة أشخاص في غرفة تشرب الشاي وتتحدث عن السياسة. ربما تتحدثون فقط عن ترامب، ولكن يمكن الحكم عليك بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات. بطريقة ما، إنها طقوس العبور، إنها علامة بلوغنا سن الرشد؛ لأنه إذا كان هناك أمر يوحدنا، وأمر يجعلنا جميعًا متساوين، كل الفلسطينيين، فهو السجن. وبالنسبة لي فهو التزام أخلاقي، سأحاول كل جهدي لتحرير أولئك الذين ما زالوا في الداخل.
بطريقة ما، حققتم المزيد من خلال عمليات الخطف أكثر من الصواريخ؟
أي عمليات اختطاف؟
مثل جلعاد شاليط؟
جلعاد شاليط لم يكن رهينة، كان سجين حرب؛ هل أدركتِ الآن لماذا نادرا ما نتحدث مع الصحفيين؟ يتم قتل جندي، وتقومون بنشر صورة له على الشاطئ، ويعتقد قراؤكم أننا أطلقنا النار عليه في تل أبيب. لا، لم يُقتل هذا الرجل أثناء ارتدائه سراويل “برمودا” حاملاً لوحًا لركوب الأمواج، بل أثناء ارتدائه زيا عسكريا، ويحمل “أم 16” (M16)، ويطلق النار علينا.
كنت تتحدث عن السجن وبلوغ سن الرشد؛ هذا العام يمضي على تأسيس حماس ثلاثين عاماً.. كيف تغيرت؟ وكيف رأيت كل هذا قبل ثلاثين سنة؟
قبل ثلاثين سنة كان عمري 27 سنة
وهذا كل شيء: نحن تغيرنا كما تغيرتِ، كما تغير الجميع. كان ذلك عام 1988 وكان هناك الاتحاد السوفياتي. في الأساس، كان العالم أكثر إيديولوجية من اليوم، عالمنا أبيض وأسود، أصدقاء وأعداء. الآن لم يعد الأمر كذلك، نحن نعلم الآن أن هناك أصدقاء وأعداء، من حيث لا نتوقع.
هنا أود الإشارة إلى أن ما قدمته حماس من وثيقة سياسية قبل عام ونصف العام من الآن يعكس تطور رؤية حركة حماس، والتي اشتملت على رؤى متعلقة بالعلاقة مع المجتمع المدني والفصائل الفلسطينية والإقليم والمجتمع الدولي، وكذلك الاحتلال، وكنا نتوقع أن يلتقط المجتمع الدولي هذه الإشارة لفتح حوار إستراتيجي مع حركة حماس كمكون أساسي في نسيج المجتمع الفلسطيني لا يمكن تغيبه إذا كنا نطمح إلى تحقيق الهدوء والاستقرار والتنمية.
فعلى سبيل المثال، أكدت حماس في وثيقتها الجديدة أنها تسعى لإقامة دولة مدنية تقوم على حق المواطنة واحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان، الكثير في الغرب بسبب الدعاية الإسرائيلية يعتقد بأن حركة حماس هي مجموعة مسلحة لا تهتم إلا بالعمل العسكري، ولكن أؤكد أن حركة حماس حركة كبيرة لها أنشطة عديدة في بناء المجتمع ورعاية حاجات الناس، فلنا أنشطة عديدة في مجال الرعاية الاجتماعية ومساعدة الفقراء وبناء المدارس والمستشفيات، كما لدينا مؤسسات لرعاية الطفل، كما نؤكد أن المرأة شريكة في صناعة كل ذلك على المستوى القيادي وحتى على مستوى العناصر؛ فقد يتفاجأ البعض بأن نصف العاملين في حركة حماس من النساء، ونحن كقيادة لهذا التنظيم نعلم كوادرنا أن واجبهم إلى جانب مقاومة الاحتلال أن يسهموا في بناء مجتمعهم، وأن يكونوا خدما لشعبهم.
لكن، لا يأتي على بال العديد من الأوروبيين الجمعيات الخيرية عندما يتذكرون حماس، وعندما يذكرون الانتفاضة الثانية يأتي على بالهم الهجمات الانتحارية؛ بالنسبة للإسرائيليين أنت إرهابي؟
و أنا أراهم كذلك في ظل ما يرتكبونه بشكل يومي من جرائم بحق شعبنا.. هذا ما هم بالنسبة لي.
ما نوع الحياة التي تتمناها لأطفالك بدل ذلك؟
آمل أن يكونوا أحراراً، وأن يكونوا فلسطينيين، وأتمنى لهم حياة حرة وكريمة، وأن ينشؤوا في ظروف تمكنهم من صناعة مستقبل أفضل لشعبهم، وأن يصنعوا الخير للبشرية، وأن يتخلصوا من كل ما عانيناه نحن من احتلال وعدوان وسجون وحصار، فأطفالنا كبقية أطفال العالم يحلمون بأن يصبحوا أطباء ومهندسين ومعلمين.
وهنا أود الإشارة إلى أنه رغم كل المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني فإن حبهم للحياة جعلهم من أكثر شعوب المنطقة تعلما، وأقلهم أمية، فكيف لو تخلصوا من الاحتلال وأخذوا فرصة للانطلاق؟
في الإعلام هناك تسريبات كثيرة حول ما تسمى صفقة القرن، حيث ستعلن الإدارة الأميركية رؤيتها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فما موقفكم من ذلك؟
نحن وكل قوى شعبنا الفلسطيني ترفض هذه الصفقة التي تقضي نهائياً على الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال؛ فهي لا تُبقي أرضا فلسطينية ولا سيادة ولا قدسا، وتقضي على حلم أكثر من ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني طردوا من أرضهم قبل أكثر من سبعين عاما؛ لذا نؤكد رفضنا هذه الصفقة التي تقوم على شطب القضية الفلسطينية وعدم الاعتراف بحق شعبنا في دولة مستقلة وعاصمتها القدس وحقه بالعودة إلى أرضه التي هُجر منها عام 1948، وعلى المجتمع الدولي أن يقوم بدوره لعدم تمرير هذه الصفقة.
ما أكثر مشهد أثر عليك في المسيرات الشعبية التي يقوم بها أبناء غزة في ما تعرف بمسيرات العودة وكسر الحصار؟
المشاهد كثيرة، وأبرزها استشهاد الفتاة الممرضة رزان النجار والشهيدين إبراهيم أبو ثريا وفادي أبو صلاح مبتوري الأرجل.
ونقل لي أحد الصحفيين في أوروبا صورة عرضت في معرض فني، وكانت مؤثرة لأنها لأحد هؤلاء الشهداء الذي بترت أقدامه بسبب قذيفة دبابة إسرائيلية، وكتب الفنان أسفل الصورة جملة معبرة تعكس الظلم الذي وقع على شعبنا الفلسطيني وهي “لقد أخذو أرضه ثم أخذوا رجليه ثم أخذوا حياته”.
يجب عليك تلخيص كل هذا في جملة.. كل ما قلته، في جملة واحدة فقط؛ فما الرسالة التي تود أن يتذكرها القراء أكثر؟
حان وقت التغيير، حان وقت إنهاء الاحتلال والحصار.
انظري، لقد كنتِ هنا في يونيو/حزيران جنبا إلى جنب مع مئات الصحفيين الآخرين، وكان تقريرك الصحفي هو الأشد معنا، ومقالاتك تُترجم إلى العبرية، ومع ذلك أنتِ هنا مرة أخرى، لأنك تحترميننا بشدة: ونحن نحترمكِ بشدة.
في بعض الأحيان، بطريقة ما، المرسل هو أيضًا الرسالة، سوف تغادرين الآن وتكتبين كل شيء؛ هل سيقرؤون لكِ؟ هل سيستمعون إليكِ؟ أنا لا أعرف، لكننا قمنا بخطوتنا.
المصدر : الجزيرة