استقالات في “حراك تونس”.. ما مستقبل المرزوقي؟
|خميس بن بريك-تونس
يمر حزب “حراك تونس الإرادة” الذي أسسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي بتقلبات حادة عقب استقالة أكثر من ثمانين قياديا، مما جعل بعض المراقبين يتنبؤون بتراجع حظوظ المرزوقي بالفوز في الانتخابات المقبلة رغم أن الأمل ما زال لا يفارق آخرين.
ومؤخرا نشر قياديون بارزون في الهيئة السياسية للحزب وثيقة استقالتهم، وعلى رأسهم عدنان منصر الأمين العام السابق للحزب مدير الديوان الرئاسي السابق الناطق الرسمي في رئاسة الجمهورية السابق المعروف بأنه أحد أبرز الرجال المقربين من المرزوقي.
وبعد ترجله من قطار الحزب لم يتكتم منصر على مشاعر الألم والحسرة، ولم يخف إحساسه بما وصفها خيبة أمل من فشل محاولات إصلاح الحزب بعدما “فقد هويته السياسية كحزب معارض ينتمي إلى العائلة الديمقراطية والاجتماعية”.
استحالة الإصلاح
ووفقا لتأكيداته للجزيرة نت، فإن الاستقالات جاءت بعد محاولات عدة لإصلاح توجهات حراك تونس الإرادة ليكون حزبا معارضا بنزاهة لخيارات الائتلاف الحكومي الذي يقوده “نداء تونس” و”حركة النهضة“، لكن “الحزب لغايات انتخابية أصبح وكأنه في تبعية لحركة النهضة”.
ويوضح أن عملية الإصلاح لم يكن مرغوبا فيها، وأن الحزب أصبح منحازا لأحد أطراف الائتلاف الحاكم بحجة أنه لا يزال يعول على أصوات قواعد حركة النهضة ذات الجذور الإسلامية لدعم ترشيح المنصف المرزوقي للانتخابات الرئاسية نهاية 2019.
وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2014 فاز زعيم حركة نداء تونس الباجي قايد السبسي برئاسة الجمهورية بعد منافسة حامية الوطيس في الدور الثاني أمام غريمه المنصف المرزوقي الذي فاز بنسبة 44% مدعوما بأصوات قواعد حركة النهضة.
وبعيدا عن منطق مغازلة حركة النهضة ذات الثقل السياسي الوازن يقول منصر إن هناك اصطفافا وراء دول إقليمية بعينها على غرار تركيا وقطر، مشيرا إلى أن هناك مزايدات مبالغا فيها في التعبير عن مواقف داعمة لهذه الدول لتحقيق غايات انتخابية، حسب تعبيره.
جانب من فعاليات المؤتمر الأول لحركة تونس الإرادة (الجزيرة) |
اتهامات باطلة
لكن الأمينة العامة لحزب “حراك تونس الإرادة” درة إسماعيل عبرت عن استغرابها من تلك التصريحات والاتهامات، نافية في تصريحات للإذاعة الوطنية التونسية وجود أي اصطفاف وراء حركة النهضة التي قالت إن قواعدها من أكثر قواعد الأحزاب مهاجمة لحزب حراك تونس بسبب مواقفه الناقدة.
وتصف اتهام حزبها بالانحياز لبعض الدول بأنه “تضليل”، مبينة أن المرزوقي مؤسس الحزب هو شخصية عالمية معروفة بمواقفها المدافعة عن حقوق الإنسان، وأن دفاعه مثلا عن الحريات في مصر يتقاطع مع مواقف تركيا وقطر لكن لا يعني وجود اصطفاف.
وعن تأثير الاستقالات، تؤكد أن حزبها ليس مبنيا على الأشخاص، وأن طريقه ما زال مستمرا للاستعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلتين، مذكرة بأن حزبها يعد من الأحزاب القلائل التي نظمت مؤتمرها “لكن انتخاب التركيبة الجديد للحزب أزعج المستقيلين”.
الحريزي: المجموعة المستقيلة سعت لبعثرة أوراق المرزوقي مبكرا (الجزيرة) |
مجموعة مخربة
ويقول النائب مبروك الحريزي -وهو أحد قادة حراك تونس الإرادة المستقيلين قبل نحو عام- إن استقالته آنذاك كانت احتجاجا على تعيين بعض المستقيلين الجدد في المكتب التنفيذي والهيئة السياسية رغم خسارتهم بالمؤتمر الانتخابي الوحيد في مايو/أيار 2017.
وأوضح للجزيرة نت أن رئيس الحزب المنصف المرزوقي “لجأ لدوره التحكيمي داخل الحزب وقام بتعيين المجموعة الفاشلة في الانتخابات بمسؤوليات في المكتب التنفيذي والهيئة السياسية، “لكننا وقتها كنا نعلم جيدا أن المجموعة المستقيلة حديثا مخربة وستفكك الحزب”.
وأكد الحريزي أن المجموعة المستقيلة سعت لبعثرة أوراق المرزوقي مبكرا باتهامه بالانحياز إلى حركة النهضة وتركيا وقطر، معتبرا أنها سقطة أخلاقية كانت نتائجها معاكسة لأنها خلقت تعاطفا شعبيا مع المرزوقي من شأنه أن يساهم في إعادته بقوة إلى المشهد.
وبقطع النظر عن ردود الأفعال داخل الحزب، يرى المحلل السياسي منذر بالضيافي أن الاستقالات داخل الأحزاب بعد الثورة دليل على وجود هشاشة في تكوين الأحزاب وضعف في هيكلتها وسوء بتسييرها الديمقراطي، مما جعلها أحزابا ملكا لمؤسسيها.
بالضيافي: المرزوقي هو نقطة قوة الحزب ونقطة ضعفه أيضا (الجزيرة) |
أحزاب أشخاص
ويقول للجزيرة نت إن هذا الأمر لا ينطبق فقط على حزب حراك تونس الإرادة الذي أسسه المنصف المرزوقي نهاية 2015، ولكن أيضا على حركة نداء تونس لمؤسسها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي وحركة النهضة لزعيمها راشد الغنوشي وغيرهم.
وفي ظل غياب تكوين أحزاب مهيكلة ومؤسساتية أصبح أغلبها عاجزا عن تسييرها ديمقراطيا وغير قادر على طرح تصورات ناجعة، مما جعلها عرضة للتفكك والانقسام مثلما حصل مع حزب التكتل وحزب المؤتمر والحزب الجمهوري وحزب نداء تونس، وفق رأيه.
وعودة إلى حراك تونس الإرادة يقول بالضيافي إن نقطة قوة الحزب المتمثلة بزعيمه المنصف المرزوقي هي نفسها نقطة ضعفه، ذلك أن المرزوقي المفكر والمناضل ضد الدكتاتورية والمناصر للقضايا العادلة ليس متفرغا لبناء الحزب أو تسييره.
ويقول للجزيرة نت إنه أسس حراك تونس الإرادة حتى يكون أداة للعودة من جديد إلى رئاسة الجمهورية، ولم يؤسسه بهدف المنافسة على الانتخابات التشريعية أو البلدية، مشيرا إلى النتائج الضعيفة التي سجلها الحزب خلال الانتخابات البلدية الأخيرة قبل خمسة أشهر.
وعن حظوظ فوز المرزوقي في الانتخابات المقبلة يرى أن النتيجة الإيجابية التي حققها بانتخابات 2014 بصعوده للدور الثاني أمام الباجي قايد السبسي كان نتيجة تصويت غضب لفائدته من قبل قواعد حركة النهضة “لكن هذا الخزان الانتخابي ليس مضمونا”.
المصدر : الجزيرة