نداء تونس.. مصير غامض لحزب حاكم
|خميس بن بريك-تونس
تجرف الاستقالات الجديدة داخل حركة “نداء تونس” إلى مستنقع جديد من الصراعات المشتعلة داخله، حتى أن بعض المراقبين أصبحوا يعتبرون الحزب منتهيا رغم محاولات إعادة توحيده.
ومؤخرا أعلن ثمانية نواب استقالتهم من كتلة نداء تونس المتقهقرة للمركز الثاني خلف حركة النهضة بعدما تمركزت كقوة أولى بالبرلمان إثر فوزها بانتخابات 2014 بـ86 مقعدا، لم يتبق منها سوى 48 نائبا جراء الاستقالات.
عن سبب تلك الاستقالات يوضح النائب المستقيل جلال غديرة للجزيرة نت أنها تأتي احتجاجا على إصرار حافظ قايد السبسي الرئيس التنفيذي للحزب ونجل الرئيس التونسي على الإطاحة بالحكومة التي يقودها يوسف الشاهد رغم حساسية الأوضاع.
ورغم أن نجل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ينفي وجود أي خلافات مع ابن حزبه رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، فإنه ما زال يدعو إلى تغيير شامل للحكومة بحجة فشلها بمعالجة الأوضاع المتردية وهو أمر لا يتفق معه قطاع بحزبه.
غديرة: السعي المحموم للإطاحة بالحكومة مهما كلف الأمر سيعكر أوضاع البلاد المتردية أصلا (الجزيرة) |
معركة شخصية
ويرفض جلال غديرة إقالة الحكومة، معتبرا أنها بدأت تحقق نتائج إيجابية بحربها على الإرهاب ومكافحة الفساد وتحقيق النمو بإطار برنامجها الممتد لسنة 2019.
ويرى أن السعي المحموم للإطاحة بالحكومة مهما كلف الأمر سيعكر أوضاع البلاد المتردية أصلا جراء الأزمة الاقتصادية، لافتا إلى أن عناد الرئيس التنفيذي للحزب ومن معه للإطاحة بالشاهد جعل الأزمة شبيهة بمعركة “شخصية”.
ولم تمنع استقالة غديرة وزملائه من كتلة نداء تونس من الاحتفاظ بمواقعهم داخل الحزب، لكن ما تغير هو انضمامهم إلى كتلة الائتلاف الوطني التي تضم الآن 41 نائبا جلهم منشقون سابقون عن كتلة نداء تونس ويساندون حكومة يوسف الشاهد.
ورغم مساعي قيادات نداء تونس لتنظيم مؤتمر انتخابي في يناير/كانون الثاني المقبل لاختيار قيادة منتخبة ولم شمل الحزب المنشقة عنه سابقا قيادات وازنة أسست أحزبا صغيرة، يرى غديرة أن الأمر أصبح صعبا.
سعيدان قلل من الآثار السلبية على نداء تونس جراء الاستقالات (الجزيرة) |
مؤتمر الإنقاذ
لكن محمد سعيدان نائب رئيس كتلة نداء تونس يقول للجزيرة نت إن حزبه متجه للمؤتمر الانتخابي الأول يومي 26 و27 يناير/كانون الثاني المقبل بعقلية جديدة لتوحيد صفوفه وانتخاب قياداته بطريقة حرة بهدف تحسين مكانته.
ويقلل سعيدان من الآثار السلبية على حزبه جراء الاستقالات، مذكرا أنه فاز بالمركز الثاني بعد حركة النهضة بالانتخابات البلدية الأخيرة رغم دوي الاستقالات السابقة من قيادات نداء تونس التي تكبدت هزيمة ساحقة خلال الانتخابات.
وخلافا للمزاعم حول احتمال انسحاب وزراء حزبه من الحكومة واصطفافه بطابور المعارضة، يكشف سعيدان أن حزبه يسعى لتعزيز موقعه بالحكم عبر تكوين كتلة برلمانية أولى مع حركة مشروع تونس الناشئة عن مستقيلين من الحركة.
كما يؤكد أنه يراهن على تحقيق نتائج جيدة بانتخابات 2019 لمواصلة الاضطلاع بمسؤوليته في تحقيق التوازن السياسي، رغم إقراره بوجود محاولات لإضعافه وتفكيكه من قبل أطراف لم يسمها.
ويعتقد سعيدان أن “هناك جزءا مهما من الشعب ملتف حول النداء باعتباره صمام الأمان لضمان التوزان السياسي”.
المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قايد السبسي دعا لتغيير شامل للحكومة بحجة فشلها بمعالجة الأوضاع المتردية (الجزيرة) |
بذرة الانقسام
من جهة أخرى يرى المحلل السياسي جوهر بن مبارك أن الاستقالات المتفجرة داخل حركة نداء تونس منذ عام 2015 بسبب صراع المواقع لم تكن مفاجئة لاختلاف مرجعية مكوناتها الأيديولوجية والتقائها فقط لمعارضة حزب النهضة الإسلامي.
وتأسست حركة نداء تونس عام 2012 بزعامة الرئيس الباجي قايد السبسي الذي استطاع تجميع شخصيات ذات مرجعيات مختلفة منتمية للدستوريين والتجمعيين والنقابيين واليساريين والمستقلين لخلق توازن سياسي مع حزب النهضة.
لكن بن مبارك يقول للجزيرة نت إن اجتماع تلك المكونات لم يكن حول برنامج حقيقي ورؤية مشتركة للحكم وإنما كان لمعارضة حركة النهضة و”بمجرد فوز الحزب بانتخابات 2014 ودخوله بدواليب الحكم دخل بأزمة لافتقاده لوحة التحكم”.
ويرى أن الحزب كان منذ البداية حاملا لأسباب انقسامه في ظل تأخر عقد مؤتمره الانتخابي الأول وغياب هيكلة قانونية له، لافتا إلى أنه بمجرد انتقال زعيمه السبسي لرئاسة الدولة أصبح الحزب مرتعا للصراعات الزعاماتية والشخصية.
وجراء ذلك أصبح يعتقد أن نداء تونس بات منتهيا ولم يتبق منه شيء بسبب أزماته المتراكمة التي جرى تصديرها لمؤسسات الدولة بسبب الصراع المفضوح بين الرئيس الباجي قايد السبسي ومن ورائه نجله حافظ ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.
ويدلل على ذلك بتراجع ثقة الناخبين بنداء تونس جراء تدهور الأوضاع، مما جعلها تفقد ثلثي أصواتها بالانتخابات البلدية الأخيرة مقارنة بانتخابات 2014 رغم حصولها على المركز الثاني بعد حركة النهضة القوة السياسية المتماسكة.
ويرى أن المشهد السياسي لن يتضرر بتراجع النداء “لفشله بتحسين الأوضاع الاجتماعية ودعم الانتقال”، معتبرا أن بوصلة الانتخابات المقبلة لن يحددها الاستقطاب الثنائي وإنما برامج الأحزاب الموجهة نحو محاربة الفساد والعدالة الاجتماعية.
المصدر : الجزيرة