مقهى الحافة بطنجة.. طيف محمد شكري وإطلالة على إسبانيا
|الجزيرة نت-طنجة
عندما وصلت الجزيرة نت مقهى الحافة المنزوي في آخر زقاق يحمل الاسم نفسه بحي مرشان في مدينة طنجة شمالي المغرب؛ كان الشاب إلياس بوتشضات منهمكا في ترتيب كؤوس الشاي.
وما هي إلا لحظات حتى حمل الكؤوس وبدأ يوزعها على السياح من المغاربة والأجانب، ومعها ابتسامة عريضة تليق بالمكان الذي يعود تشييده إلى عام 1921، كما هو مدون على جدرانه.
بوتشضات -الذي يعمل نادلا في المقهى منذ ست سنوات- قال للجزيرة نت إنه ألِف العمل في هذا المكان التاريخي، ولا يفكر حاليا في الانتقال منه.
وليس إلياس وحده من تحدوه الرغبة في الاستمرار للعمل هنا، فجلّ العاملين يعتقدون أنهم محظوظون بالعمل في قطعة من تاريخ طنجة.
وإذا كان المقهى قد بلغ من الشهرة ما بلغه حتى أصبح مزارا دائما لكبار المثقفين والأدباء في المغرب والعالم؛ فإن شهرته زادت هذه الأيام بعد إقدام السلطات على هدم بناء شيده المشرف على المقهى بدون الحصول على ترخيص.
مقهى الحافة يباهي بمررو 98 عاما على إنشئه (الجزيرة) |
محطات تاريخية
في عام 1921 اختار الراحل امحمد علوش أن يشيد هذا المقهى على أرض عراء تابعة في الأصل لملك الدولة، وبنى مكانا لتحضير المشروبات وخاصة الشاي، وهيأ الهضبة المطلة على شاطئ مراقة على شكل مدرجات كبيرة، ووضع فوقها طاولات لاستقبال الزبائن.
المقهى المطل على الضفة الأخرى من المتوسط وجزء من المحيط الأطلسي جذب عددا من رواد الفن والثقافة، لعل أبرزهم الروائي والكاتب المغربي محمد شكري صاحب رواية “الخبز الحافي”، الذي كان يركن إلى مكانين في المقهى يطلق منهما العنان لإبداعاته.
ويتذكر المشرف الحالي على المقهى عبد الرحمن العاقل جلسات شكري كما لو كانت بالأمس القريب. فعندما يجد الروائي القادم من منطقة الريف مكانه المعتاد في مدخل مكتظ بالناس ويملؤه الضجيج؛ كان ينزل إلى الأسفل لينعم بالهدوء ويختار مكانه الثاني، حيث السكون ولا صوت إلا صوت النوارس وأمواج البحر المرتطمة بالصخور.
العاقل -الذي يكني أبا عبد الرحمن- التحق بالعمل في المقهى عام 1971 عندما كان في السادسة عشرة من عمره، ويؤكد أن الدولة المغربية عندما قامت باستصدار الوثائق الخاصة بتسجيل العقار الذي شيد عليه المقهى عام 1974 عرضت على مؤسسه تملكه مقابل 30 درهما (حوالي 3 دولارات) للمتر المربع، لكنه لم يقبل وظل يؤدي بدل ذلك مستحقات الإيجار.
في عام 1994 آل الإشراف الكلي على المقهى إلى أبي عبد الرحمن بعدما نالت الشيخوخة من مؤسسه، وقبل وفاته أبرم معه عقد إيجار ليستمر في إدارة المقهى حتى بعد وفاته، شريطة أن يؤدي مستحقات الكراء لمصلحة أملاك الدولة ومبلغا متفقا عليه لورثة المؤسس، وهو ما حافظ عليه العاقل إلى اليوم.
مقهى أثري
يحتفظ المقهى بطابعه التقليدي منذ نشأته الأولى، رغم أن المشرف عليه اختار بناء مقهى ومطعم جديد بجواره، إلا أنه قرر الحفاظ على طابع الحافة القديم.
لم تشمل التحسينات التي أدخلها عليه سوى إضافة بعض المدرجات وإزالة بعض النباتات كالصبار الذي كان يؤثث المكان، وتعويضها ببعض الأشجار المورقة التي توفر الظلال لرواده.
وحتى الزوار الذين استطلعت الجزيرة نت آراءهم لا يحبذون إدخال تحسينات أو تغييرات على المكان.
ويقول حسن -وهو من المغتربين المغاربة- إن المقاهي المشيدة بطريقة حديثة منتشرة في المدينة، ولكن الذين يقصدون الحافة يجذبهم الطابع التقليدي للمكان إلى جانب رغبتهم في التمتع بلحظات من الصفاء قبالة البحر وجبال الجنوب الإسباني.
وليس هذا فحسب؛ بل إن المكان بقوة القانون محاط بمجموعة من القيود التي تمنع إدخال أي تغييرات جذرية عليه، دون الحصول على موافقة وزارة الثقافة لكونها المعنية بالحفاظ على الأماكن الأثرية.
وهذه البناية مصنفة ضمن لائحة الآثار، بقرار من وزير الثقافة صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 4 أبريل/نيسان 2016، إلى جانب عقارات تاريخية أخرى.
ووفق القرار -الذي اطلعت عليه الجزيرة نت- فإنه لا يمكن إحداث أي تغيير في المكان دون إخطار وزارة الثقافة قبل التاريخ المقرر للشروع في الأعمال بستة أشهر على الأقل.
نهاية الجدل
يعترف المشرف على المقهى بأنه أخطأ عندما قرر تشييد ما يشبه شرفة في المقهى، بطول 15 مترا وعرض 4 أمتار خلال شهر رمضان الماضي، وهو ما حرك السلطات المحلية في المدينة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه والحفاظ على المقهى كما هو مصنف في لائحة الآثار، وأيضا لتطبيق القانون باعتبار أن المبنى المشيد لم يكن يتوفر على رخصة بناء كما يلزم ذلك القانون المغربي.
الشيء الوحيد الذي يلوم عليه السلطات هو عدم إخباره بقرار الهدم وعدم منحه فرصة إلى غاية مرور فصل الصيف، الذي يعد فصل الذروة من حيث استقبال الزوار والسياح.
ورغم ذلك؛ تقبّل المشرف عملية الهدم وقام بإزالة الركام وأعاد فتح المقهى في ظرف ثلاثة أيام، ووضع بذلك حدا للشائعات التي راجت في الفترة الأخيرة بشكل واسع، تفيد بأن المقهى سيغلق في وجه رواده إلى الأبد، بل ذهب بعضهم إلى حد القول بأن المقهى سيهدم بشكل كامل.
المصدر : الجزيرة