واشنطن منقسمة على نفسها بشأن قضية خاشقجي

مع كشف تركيا شيئا فشيئا عن المزيد من العناصر الدقيقة التي تسلط الضوء على الاغتيال المدبر للصحفي جمال خاشقجي، لم تتخذ الولايات المتحدة حتى الآن موقفا محددا من هذه القضية مكتفية بالضغط لفرض هدنة في الحرب الدائرة باليمن، حسب ما ورد في تقرير بصحيفة لوموند.

في البداية ذكَّر كل من مراسل الصحيفة في واشنطن جيل باريس والكاتب مجدي زروقي بأن المعطيات الوحيدة المتوفرة حتى الآن حول هذه الجريمة هي التسجيلات الصوتية التي أثبتت أنقرة بعد إطلاع بعض الدول عليها أنها موجودة لديها والتي تكشف ما دار بالقنصلية السعودية في إسطنبول خلال قتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي هي واحدة من مفاتيح التحقيق.

ورغم ما توفر من معلومات عن جريمة القتل نفسها، فإن الكاتبين لفتا إلى أن المملكة ما زالت ترفض الإفصاح عما حصل لجثة خاشقجي، كما ترفض تسليم الـ 18 المشتبه بهم في تنفيذ هذه العملية، وهو ما يثير حنق السلطات التركية، حسب باريس وزروقي.

ونقل الكاتبان عن رجب سويلو مراسل صحيفة “الصباح” التركية السابق في واشنطن قوله إن تركيا اعتمدت أسلوب التسريبات إستراتيجية للحفاظ على زخم الضغط على السعوديين.

وقالا إن إدراك تركيا منذ البداية أن وسائل الضغط التي يمكن أن تمارسها على الرياض محدودة مما جعلها تستغل المسؤولين ووسائل الإعلام الأميركية لإجبار البيت الأبيض على اتخاذ موقف محدد من قضية خاشقجي.

وأشارا إلى أن آخر تلك التسريبات ما نشرته نيويورك تايمز من أن أحد أعضاء فريق الاغتيال قال لمسؤول سعودي “أخبر رئيسك أن المهمة قد انتهت” ورجحت الصحيفة أن ذلك “الرئيس” ما هو إلا ولي العهد محمد بن سلمان.

لكن الكاتبين أبرزا نفي مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن يكون الشخص المعني بالتسجيلات الموجودة لدى أنقرة هو محمد بن سلمان، إذ قال “إن ذلك لم يكن هو ما استنتجه من استمعوا لتلك التسجيلات”.

ولم يطلع على تلك التسجيلات بشكل رسمي من الإدارة الأميركية سوى مديرة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل، ولكنها لم تدل بأي تصريح عنها.

من ناحية أخرى، ذكر الكاتبان بالعلاقات الوطيدة التي تربط محمد بن سلمان بجاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوج ابنته، وأشارا إلى أن البيت الأبيض امتنع -على خلاف الكونغرس– عن توجيه انتقادات مباشرة للمملكة في قضية قتل الصحفي.

وعلق مراسل “الصباح التركية” بقوله “ترامب متردد في مهاجمة السعوديين بسبب العلاقة الوثيقة بين صهره ومحمد بن سلمان، ناهيك عن الدور المركزي الذي تلعبه المملكة في إستراتيجية البيت الأبيض المناهضة لإيران“.

إجراءات تجميلية
وفي المقابل، طالب أكثر من عشرين من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين والديمقراطيين -في 10 من الشهر الماضي- البيت الأبيض بفتح تحقيق خاص بهذه القضية يستند إلى قانون مغنيتسكي الذي يجيز فرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

ولم يلاحظ الكاتبان أي تغير بموقف البيت الأبيض من الرياض إلا في مسألة حرب اليمن، إذ دعا وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان لوقف النار واستئناف المفاوضات لوقف هذه الحرب، كما اتخذت واشنطن خطوة “رمزية” عندما أعلنت بالتزامن مع الرياض وقف تزويد الطائرات السعودية والإماراتية بالوقود جوا.

غير أن زروقي وباريس توقعا ألا يقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإجراءات “تجميلية” في قضية خاشقجي، في وقت كان يريد للسعودية أن تتحمل عواقب فعلتها وأن ترفع الحصار الذي تفرضه على قطر وتنهي حرب اليمن.

وتوقع سويلو ألا يستهدف الأتراك بشكل مباشر محمد بن سلمان ما لم تقترف السعودية خطأ جسيما آخر، خصوصا أنهم يدركون أن ولي العهد ربما سيقود المملكة لعقود قادمة، لكنهم يردون أن يدفع ثمن هذه الجريمة، على حد تعبيره.

المصدر : لوموند

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *